«القرنة الجديدة» في خطر: «الترميم» يفشل في حل أزمة الصرف الصحي

رغم انطلاق مشروع ترميم قرية «القرنة الجديدة» بالأقصر عام 2021 بتمويل قدره 750 ألف دولار من «اليونسكو»، بهدف الحفاظ على المباني التراثية التي صممها المعماري حسن فتحي، إلا أن القرية تواجه اليوم خطر الانهيار بسبب مشكلة الصرف الصحي وارتفاع منسوب المياه الجوفية. ما أدى لتشققات في المنازل والمباني التراثية والسكنية.

تشقق الجدران

يقول كمال حسن أحمد، بالمعاش: “قضيت أكثر من نصف قرن في منزل العمودية بقرية حسن فتحي التراثية. لكن منذ ستة أشهر بدأت جدران المنزل في التشقق والانهيار الجزئي. وهذا يُنذر بكارثة، بسبب طفح مياه الصرف الصحي وارتفاع منسوب المياه الجوفية”.

وتابع: “انهارت أجزاء من المنزل علينا، وباقي الغرف على وشك السقوط. وقد جاء إلينا مسؤول ووعدنا بالترميم، لكن لم يحدث شيئا حتى الآن. كما أن المسؤولين أصدروا لنا أمرا بإزالة المنزل. لكننا لا نملك القدرة على هدم أو إعادة بناء المنزل مرة أخرى”.

وأرجع حسن سبب طفح مياه الصرف وتشقق الجدران إلى ارتفاع منسوب المياه الجوفية. موضحا أن المعماري حسن فتحي صمم نظاما لتصريف المياه يعتمد على بحيرة صغيرة ومواسير تم وضعها تحت المنازل، ولكن بعد ردم البحيرة، تفاقمت الأزمة وحدث الطفح.

طفح المياه

فيما أشار محمود أحمد عبدالراضي، أحد أهالي القرية، إلى أن مشكلة طفح المياه ظهرت قبل أربع سنوات، حتى قبل تسليم مشروع الترميم، موضحا: “بيارات الصرف صممت بشكل خاطئ ولا تستوعب الكتلة السكنية الخاصة بالقرية. وكان مجلس مدينة القرنة يقوم بعمليات سحب المياه بشكل دوري، لكنه توقف منذ فترة، وتفاقمت المشكلة”.

ويقول:”تسببت المياه في إحداث تشققات في أساسات المسرح التراثي والخان وعدد من المنازل، ما يهدد بانهيارها قريبا. كما يعاني الأهالي من أسلاك الكهرباء المكشوفة في القرية، والتي تشكل خطرا على الجميع بما فيهم الأطفال الذين يخرجون للذهاب للمدارس أو للهو في الشوارع”.

ونوه عبدالراضي بأنه في السابع من ديسمبر الماضي، زار الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة، قرية القرنة، وتفقد الخان والمراسم والمسرح وقصر الثقافة، واطلع على حالة المباني التراثية، ووجه بسرعة التنسيق مع المحافظة لاستكمال شبكة الصرف الصحي، نظرًا لما تسببه من أضرار جسيمة للمباني التاريخية، لكن لم يتغير شيء، ولم تحل المشكلة حتى الآن.

القرنة
القرنة
 لجنة من اليونسكو

أما الدكتور فكري حسن، أستاذ الآثار والتراث والمدير السابق للقرية، فيقول إن الدراسات التحضيرية لمشروع ترميم القرية بدأت بتشكيل لجنة من اليونسكو. بالتعاون مع محافظة الأقصر، في أكتوبر 2010. واستقر الأمر بين الخبراء الدوليين على أن تكون خطة إنقاذ القرية قصيرة المدى لمدة أربع سنوات. في السنة الأولى، كان من المفترض تنفيذ مشروع الصرف الصحي والبنية التحتية والطرق. وفي السنوات الثلاث التالية، كان يفترض ترميم جميع مباني القرية.

وتابع: لكن لم يتم الأخذ برأي اللجنة، وتم تأجيل عملية الترميم منذ عام 2010 حتى عام 2019. وخلال تلك الفترة، انهارت العديد من المنازل في قرية حسن فتحي. ولم يتبق حاليا سوى منزلين فقط. أحدهما يعود لأحمد عبدالراضي والآخر هو منزل العمودية الذي يملكه كمال حسن، والذي انهار جزء كبير منه. وقبل عامين، انهار جزء كبير من أكبر منازل قرية حسن فتحي. وهو منزل الناظر، الذي كان يحتوي على مضيفة بيت عبدالرسول. وصدر له قرار إزالة مخالفا لقانون مجلس الوزراء الذي ينص على أنها محمية تراثية. كما صدر أمر آخر لإزالة منزل العمودية مخالفا أيضا للقانون ذاته.

وأشار حسن إلى أن الأحجار التي تم استخدامها في الطرق هي من نوع “حجر بازلت غشيم”. وهو حجر تم جلبه من أماكن أخرى بتكلفة مالية كبيرة. وهذا يتنافى مع مبدأ الاستدامة. علاوة على ذلك، تسببت هذه الأحجار في رفع درجة الحرارة بشكل كبير، ما أدى لاحتباس المياه أسفل الحجر وعدم تبخرها. ما رفع منسوب المياه الجوفية وطفح الصرف، وهو ما يتعارض مع مبادئ إنشاء القرية. كما تساءل حسن عن سبب تجاهل قرية حسن فتحي في إنشاء صرف صحي لنجع الطارف، وهي منطقة متاخمة للقرية.

تزييف الواقع

واستطرد فكري حديثه: “عندما تم إنشاء صرف للخان، فتحوا عليه صرف باقي المباني، ولكن لم يتحمل النظام هذه الكمية من المياه وحدث الطفح. كما جرى طلاء المباني المتاخمة للقرية باللون الأصفر، وهو نوع من تزييف الواقع الذي ينص على استخدام مادة الحيبة، وهي المادة الأصلية التي بنيت بها قرية حسن فتحي”. مضيفا أن بناء عمارات سكنية عالية تم أيضا بالمخالفة للمخطط، مما شوه منظر القرية. ولفت إلى أن المحافظة شكلت هذا العام لجنة للمحافظة على التراث، ومنذ البداية رفعت إليهم تقريرا بكل ما يحدث، وكذلك لكافة الجهات المعنية، لكن لم يتم اتخاذ أي إجراءات حتى الآن.

من جهته قال المهندس محمد أبو سعدة، رئيس جهاز التنسيق الحضاري لـ«باب مصر»: “القرية غير متصلة بشبكة الصرف الصحي، وهناك جهة مسؤولة عن تسديد رسوم نزح المياه لمجلس المدينة، وسأراجع الموقف فورا، وسأعمل على حل المشكلة، بما في ذلك مشكلة أسلاك الكهرباء المكشوفة ومشكلة الإنارة”. وأشار إلى أن محافظ الأقصر أدرج القرية ضمن خطة عاجلة لتوصيل مشروع الصرف الصحي.

مشروع الترميم

كانت منظمة اليونسكو قد أعلنت عن انطلاق مشروع إعادة ترميم قرية القرنة الجديدة في عام 2021. على ثلاث مراحل: تتضمن المرحلة الأولى ترميم مبنى الخان والجامع والمسرح داخل القرية. وقد تم افتتاحها رسميا من قبل وزيرة الثقافة آنذاك، إيناس عبدالدايم، أما المرحلة الثانية، فتشمل ترميم مسكن حسن فتحي وإعادة تأهيل سوق القرية، وتتضمن المرحلة الثالثة ترميم دار العمودية، وإعادة تأهيل الميدان العام ورفع كفاءة الطرق، بتمويل قدره 750 ألف دولار.

 اقرأ أيضا:

«عمارة الفقراء»: هل فشل مشروع ترميم قرية حسن فتحي بالقرنة؟

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر
إغلاق

Please disable Ad blocker temporarily

Please disable Ad blocker temporarily. من فضلك اوقف مانع الاعلانات مؤقتا.