الفنان مصطفى الرزاز يكتب: جماليات القص واللصق في أعمال فكري حسن
في السابعة مساء السبت القادم، يفتتح بجاليري ضى بالمهندسين معرض «تجليات»الفنان وعالم المصريات فكري حسن. الفنان والناقد التشكيلي مصطفى الرزاز يكتب عن جماليات المعرض.
الدكتور “فكري حسن” شخصية مرموقة عالمياً وعلمياً في كل مجالات الجيولوجيا والأنثروبولوجيا والأركيولوجي فضلاً عن دراساته الفلسفية في مضمار الآثار والتراث والمجتمعات المحلية وتراث مصر الحي. وقد تقلّد مهام أكاديمية رفيعة في أمريكا وإنجلترا وفي مصر، ورأس جمعيات مهمة تعني بالتراث المصري في إنجلترا، وعمل مستشاراً لوزارات ومؤسسات مهمة، وأثناء تدريسه بالجامعة الفرنسية بمصر تبنى مجموعة مهمة من الباحثين في التراث الحي والتفاعل مع المجتمعات المحلية لتنميتها وإلقاء الضوء على قيمتها النوعية. هو بذلك صاحب عقلية عميقة وواسع الأفق الثقافي المنفتح على جماعات مختلفة من الأوساط الثقافية المحلية والعالمية. وهو فوق هذا وذاك شخص جميل وصاحب مزاج فني وشخصية إنسانية.
وقد تابعت تجاربه الفنية منذ أكثر من عشرين عاماً، عمل عليها بهدوء ودأب في مجالات النحت البارز أو الغائر أو كليهما معاً بصورة اختزالية تتسم بما يملكه من حكمه وبلاغة. وله أعمال أخرى في مضمار قيم الشفافية والروحانية بالألوان المائية في لوحات صغيرة. كما أن له تجربة يعرض بعض منتخباتها في هذا المعرض بخامة الورق الملون والقص واللصق.
ونشعر ونحن نتأمل هذه الأعمال أنه يطوف في رواق الفنان الفرنسي الفيلسوف “هنري ماتيس” في مرحلة الختامية بالقص واللصق وأعماله الطليعية في هذا المجال التي اختزل فيها المنظور وضربات الفرشاة للحد الأدنى للأشكال المساحية وإيقاعاتها المفعمة بالطاقة.
**
يقدم الدكتور “فكري حسن” في الأعمال المعروضة معالجات تشكيلية بثقافة جرافيكية ومنظور سينماتوغرافي نقدم بعض ملامحها فيما يلي:
يصور الفنان الجسد العاري في أوضاع كلاسيكية غربية كما في رسوم “ماتيس” ولوحات “فيلاسكويز” Diego Velázquez و “فرانشيسكو جويا” ويترجمها إلى ألوان مساحية صافية مع إضافة خطوط تحديد “مينيمالية” Minimalist. كما يعالج الخلفيات بنفس المنطق الكلاسيكي مع اختزال مدهش للتفاصيل كأشكال الوسادات أو المساحات المنثورة في الخلفية لتحوم بإيقاع خفي ودرجات لونية جسورة كالأصفر الليموني والأخضر السماوي. ويصور كتلة الجسد كمساحة تتماسك نتوءاتها مع مساحة الخلفية ذات اللون المهيمن على التكوين، أو بصيغها في أوضاع منظوريه أيزومترية ومساحية مع خطوط تمثيلية قليلة ملونة أحياناً لتشير إلى الاتجاهات التشريحية بذكاء وحكمة.
وتتوارى في الأعمال أشكال رمزية عن الوسائد والسجاد والثمار مكتملة النضج، ويستخدم بقايا القص لتضيف دلالات زخرفية ورمزية.
تتبادل الألوان المهيمنة في الشكل تارة وفي المساحة الخلفية تارة أخرى، كما يلجأ أحياناً إلى تقسيم مساحة اللوحة إلى شرائط أفقية مستطيلة متوازية ثم يضيف الألوان اللينة والطائرة فوقها بتوازن حكيم نشعر منة أن ثمة أقواساً وهمية ناظمة مع التحكم في توزيع الدرجات اللونية وحوار البارد والدافئ.
ويجسد الفنان الشخوص من منظور فوتوغرافي يحقق حساً واقعياً ثم يعاكس هذا الواقع بمعالجة مساحتها بلون ثنائي الأبعاد ويستخدم الخطوط الدقيقة للإيحاء المنيمالي بالتفاصيل.
يلاحظ أن بعض الشخوص ذات وضعية إيروتيكية ملموسة على الرغم من غياب أي تفاصيل موحية.
كما تبدو بعض الشخوص راقصة تهيمن على مسرح اللوحة وتتطاير بداخلها ومن حولها شذرات مقطوعة ملونة في نسق إيقاعي يعزز هذا الإحساس الإيقاعي الراقص.
**
كما نلمح في لوحات فكري حسن قيماً سينماتوغرافية من حيث الاهتمام باستخدام الكادر المحدد للشخوص برؤية مقربة مكبرة “close up” وقطع الأشخاص من أماكن محسوبة واستخدام لقطات مقربة ومكبرة بحيث تمثل المساحات القليلة عامل تشخيص هيئة الشكل أو جزء منه في حين نرى تلك المساحات السلبية ذات صفة إيجابية بحد ذاتها تتمتع بجمالياتها الخاصة فضلا عن وظائفها الإيضاحية. وهو بذلك يفصح عن حكمة الأشكال البينية أو الإحاطية كما يفعل أساطين الخط العربي.
ونشاهد أحيانا أنه يقطع الشكل الآدمي عند المنتصف بخط رأسي مع تبادل القاتم والفاتح بينهما. وفي لوحة “العين” التي يتعامل فيها مع الأسود والأبيض بالإزاحة أثناء اللصق ودائرة حمراء في مركز الحدقة وتصميم الشكل الحاجب، وكما في لوحات أصيص الزهور المبهجة، والمجموعة التجريدية الخالصة فضلا عن البورتريه الذاتي للفنان.
يحيلنا الفنان إلى التشكيلات الحداثية للفنان روي ليتنشتاين Lichtenstein Roy الذي قام بدوره بتحديث تكوينات وعناصر “هنري ماتيس” Henri Matisse في صياغات جديدة. وها هو “فكري حسن” يسعى إلى تحديث أعمال كل من “ماتيس” و”ليتنشتاين” باستخدام جماليات القص واللصق بالورق الملون.
اقرأ أيضا:
فيديو| فكري حسن مدير مركز حسن فتحي: نستهدف إحياء التراث المعماري