الفنان التشكيلي «علاء أبوالحمد»: والدي هو معلمي الأول
وسط الموروثات الشعبية والطبيعية، نشأ الفنان التشكيلي علاء أبوالحمد، مدرس مساعد بكلية الفنون الجميلة جامعة الأقصر. إذ دخل الفن عبر بوابه أبيه رسام جرافيتي الحج، لذلك تأثر بالفن المصري القديم والحضارة الفرعونية التي تظهر في غالبية رسوماته.
حصل أبوالحمد على جائزة مهرجان الإبداع التشكيلي الثاني صالون الشباب عام 2008، وله 7 معارض خاصة آخرها الذي تم افتتاحه بالأمس في جاليري موشن بالزمالك..«باب مصر» يلقى الضوء على رسوماته.
النشأة والبداية
يقول علاء لـ«باب مصر»: أنا مواليد قرية أبومناع بحري بمركز دشنا محافظة قنا، حصلت على بكالوريوس الفنون الجميلة دفعة 2003، وكنت الأول على دفعتي بقسم التصوير، وبعدها تم تعييني معيدا بالكلية حتى حصولي على الدكتوراه.
وتابع: تأثرت بحكاوي الأجداد والجدات التي كانت تدور جميعها عن العالم الآخر غير المرئي، حكايات الموتى والجن والعفاريت وتلك الحكاوي المرتبطة بالآثار والفراعنة وغيرها من موروثات شعبية، فقد كان لهذه الحكايات تأثير بالغ على مخيلتي، واستمرت معي حتى وصلت إلى الجامعة، فقررت دراسة الفن المصري القديم الذي استحوذ على تفكيري بشكل كبير.
المعلم الأول
لم يتشكل وعي أبوالحمد الفني من مشاهد بقريته ولا حكاوي أجداده فقط، بل كان هناك معلم أول استلهم منه الفن وزاد شغفه وولعه به من خلاله، هذا المعلم هو والده الذي كان يجيد الرسم، حيث كان يقوم برسومات جرافيتي الحج على جدران المنازل في القرية.
ويحكي عن والده، ويقول: كان والدي رسامًا لجرافيتي الحج، وكان يصطحبني معه عندما يعمل في تزيين جدران منازل الحجيج استعدادًا من عائلة الحاج لاستقباله عند عودته، كنت أقف مبهورًا وأنا أرى والدي وهو يعمل واقفًا على سلم خشبي ليرسم على كامل الجدار بدقة، فقد كان رسامًا فطريًا، يرسم الموتيفات التراثية للفن الشعبي، وقد تأثرت بأشكاله وألوانه وأحجام رسوماته، وقد كان يرسم باستخدام الفحم، وكنت أشعر بالفخر والسعادة عندما يطلبه أحد للرسم وتجميل منازلهم.
«أتذكر حينما كنت صغيرًا وأنا في المرحلة الابتدائية كنت أتحسس الأشياء بيدي وأمرر عليها أصابعي قبل رسمها، ألمس جذوع النخيل والأشجار وكافة الأشياء من حولي وأتمعن بالنظر إليها، مما جعل أسرتي تخشى علي من الجنون، لكن والدي بحس الفنان بداخله كان يعرف جيدًا ما أقوم به»، هكذا يصف أبوالحمد بداية تعرفه على الأشياء ومحاولة رسمها.
ويقول: كانت الطبيعة مصدر إلهامي الأول، وكان والدي هو المرجع الأساسي الذي كنت أستشيره في رسوماتي فيعلمني ويرشدني، أحببت الرسم وعلى مدار سنوات دراستي الابتدائية والإعدادية والثانوية كنت معروفًا بين أقراني والمعلمين بموهبتي في الرسم والنحت، وفور تخرجي من المرحلة الثانوية لم أتردد في الالتحاق بكلية الفنون الجميلة.
مرحلة جديدة
وسط المعابد والآثار والحكايات والموروثات بمحافظة الأقصر انتقل أبوالحمد للدراسة، فيقول: ذهبت للدراسة في الأقصر وبداخلي مخزون كبير من الحكايات والموروثات الشعبية، وكانت النقلة التي شغلت وشكلت تفكيري هي دراسة الفن المصري القديم، فقد لاحظت أن كافة الحكاوي ما هي إلا موروثات من جذور الحضارة القديمة، فتعمقت في دراسة الفن الفرعوني، وذهبت للمعابد، واكتشفت أن الكثير من عاداتنا في الصعيد لها جذور فرعونية، وبدأت في الربط ما بين ما شاهدته في قريتي وبين ما أراه على جدران المعابد، فالقرابين على الجدران التي تحملها السيدات على رؤوسهن، هي ما أراه في مقابرنا الآن حيث تذهب بها أمهاتنا، وكذلك مظاهر “العديد” ما هي إلا صورة أخرى من النائحات المصريات، لذا بدأت في العمل كباحث في التراث المصري القديم لاستلهام مفرداته في صياغات حديثة معاصرة من خلال تجربة فنية مغايرة ومختلفة ذات طابع خاص.
علاقات الحب الأزلية
تأثر أبوالحمد أيضا بعلاقات الحب الأزلية بين الرجل والمرأة، التي تتلخص لديه في آدم وحواء، إيزيس وأوزوريس، لكن العلاقة التي أثرت فيه كثيرًا ورسمها في لوحاته هي علاقة الحب التي كانت توجد بين والده ووالدته، ويقول عنها: “كانت علاقة الحب بين والدي ووالدتي متفردة للغاية، تأثرت بها كثيرًا منذ صغري، وعلاقات الحب في الصعيد أرى أنها قوية جدًا، فقد ظلت والدتي ترتدي اللون الأسود بعد موت والدي طوال 20 عامًا إلى أن ماتت، شاهدت مظاهر الحزن عليها بعد موت والدي التي تختلف مظاهره في الصعيد عن أي محافظة أخرى في مصر”، وشاهدت والدتي وكأنها إيزيس ترثي أوزوريس، واقتنعت أن الصلة لا تزال قائمة بيننا وبين أجدادنا الفراعنة.
ويكمل: اكتملت تجربة الحب لدي بعد زواجي، وأصبحت أمي وزوجتي وابنتي هما الموديل لكل أعمالي، لذلك أعتقد أن تجربتي في الرسم “ذاتية” لا تخرج عن محيط أسرتي، فأنا أرى أن السيدة ما هي إلا إيزيس الفرعونية، فهي الأنثى والأم والزوجة والابنة والأخت، وأن علاقة حب إيزيس هي العلاقة الأزلية والأولى للحب، فهي الحبيبة التي في حالة انتظار دائم لعودة حبيبها، وتتكرر على مدار العصور في نساء مختلفة.
معرض إي ست
تحت عنوان “إي ست” النداء الأخير لأوزوريس، أي “إيزيس” يأتي معرض أبوالحمد الأخير، الذي تستمر فعالياته حتى 19 مارس الجاري بقاعة موشن آرت جاليري.
ويقول عن هذا المعرض: “تعال نحو بيتك، لكي تراني، لا تفترق عنى أبدا، إني لا أراك ولكن قلبي يتطلع لرؤياك وعيوني تبحث عنك”، كانت تلك هي بعض كلمات قصيدة النداء الأبدي لـ”أوزوريس” من نظم إيزيس أو “إي ست” الاسم القديم لها، وهو نفس اسم المعرض، حيث إن اللوحات بالمعرض مستوحاة بالكامل من تلك القصيدة، وأقصد من خلاله العلاقة بين إيزيس وأوزوريس، أو ما بين الحبيب والحبيبة.
وتابع: تتمثل القصة في موت أوزوريس وبحث إيزيس عنه ومحاولة تجميع أشلائه مرة أخرى، وصورتها في لوحاتي وهي تنتظره وهي تلبس الرداء الأبيض رمز النقاء والطهارة، ومعها القرابين من رمان ونباتات البردي وطيور اليارو المصرية القديمة التي توجد في حدائق اليارو والتي تمثل الجنة لدى المصري القديم.
ويضم المعرض 20 لوحة فنية، أغلبها فتاة تشكل العنصر الرئيسي للوحة، فملامحها مصرية خالصة، تم ربطها بخلفيات فرعونية مثل القرابين والتضرع والطيور وغيرها، ويظهر في معرضي هذا التأثر بالفن الفرعوني من حيث المساحات والخطوط والألوان وخاصة اللون الأبيض الذي كان يعشقه المصري القديم و يوجد بكثرة في الصعيد فهو لون مهم للرجال والنساء، واستخدم في لوحاتي الألوان الزيتية على خامة التوال، واستخدم الفرش والسكاكين في توزيع الألوان، والتي غالبا ما تكون قريبة من ألوان رسومات المعابد القديمة مثل الرماديات والأبيض.
ويختتم أبوالحمد حديثه: لكل مكان طبيعته الخاصة التي تؤثر على الفنان، والتي يجب ألا ينفصل عنها، وأرى أن مدرسة الأقصر في الفن مدرسة سيكون لها وجود قوي في الفترة القادمة، فهناك فنانين يحملون مواهب كبيرة، وأطلب من الشباب أن يجربوا دائما ويعملوا، خاصة أن الفترة الحالية فترة رواج فني وازدهار، فهناك العديد من المعارض الخاصة التي لم تكن موجودة من قبل، وأصبحت الفرصة أكبر أمام الجميع.
2 تعليقات