العمدة معتمد السوهاجي أشهر فوارس التحطيب بالصعيد
يعتبرها البعض حين يرى مشهد النزال بالعصا معركةٍ قتالية، لكن في الأصل “التحطيب” هو لعبة تراثية يشتهر بها أهل الصعيد ويولعون بها على وقع أنغام المزمار البلدي، ولها شيوخ كبار يورثونها للأجيال الصاعدة للحفاظ عليها من الاندثار، ليس هذا فحسب، بل إن هواة هذا الفن ومحترفوه يجوبون أغلب المحافظات ويشاركون بالموالد لخوض مبارزات حلبة التحطيب فيما بينهم، حفاظًا على بقاء اللعبة. ومن بين محترفي اللعبة، الملقبون بفوارس التحطيب في الصعيد، عبدالحي ربيع عبدالنعيم الدرملي، وشهرته العمدة معتمد السوهاجي، أحد لاعبي التحطيب بمحافظة سوهاج أو “العوالة” بلغة المحطبين.
العمدة معتمد السوهاجي
“ولاد البلد” حاور فارس اللعبة للتقرب أكثر من أصول ممارستها ولمعرفة حكاياته مع اللعبة ومدى تعلقه بها الذي بدأ معه منذ صغره.
يقول العمدة معتمد؛ إن العصا مثلها كمثل أي لعبة رياضية ذات لياقة بدنية كالكاراتيه، بينما التحطيب تراث مصري قديم، فيعود أصل اللعبة إلى العصر الفرعوني حيث أبرزت بعض النقوش على جدران المعابد الأثرية مزاولة المصري القديم للتحطيب، من خلال إمساكه بعصا يبارز بها آخر، مشيرًا إلى أن اللعبة لم تمارس في أي دولة سوى مصر.
ويضيف؛ كان البعض يزاول اللعبة بالمحافظات المختلفة من الجمهورية قديمًا، لكن مع مرور الوقت اقتصرت اللعبة على محافظات الصعيد، وفي الأغلب محافظات سوهاج وقنا والأقصر وأسوان هم المهتمين والمحافظين على ممارستها حتى الآن.
ويوضح معتمد سبب عشقه للعبة واحترافه بها: “تعلمت التحطيب من آبائي وجدودي، فكانوا في أوقات الفراغ أو في مناسبات الأفراح، يجتمعون ويلعبون على أرض فضاء يتبارزون بالعصا وسط تجمع من الحضور الذين أقبلوا للاستمتاع بمشاهدة اللعبة، فعشقت اللعبة، ومن خلال الملاحظة وتجربة الممارسة عنهم وحرصهم على نقل تعلمها إلينا، أصبحنا متمرسين في التحطيب”.
التحطيب سيظل الأصل
الرجل الخمسيني يرى أنه رغم التطور الذي يشهده الزمن وظهور ألعاب حديثة، إلا أن التحطيب سيظل رياضة قائمة بذاتها ومستمرة لن تندثر أبدًا نظرًا لإقبال الشباب عليها حسب قوله: “هذه اللعبة تتوارثها الأجيال في الصعيد، فهناك شباب يمارس اللعبة ومنهم من وصل إلى درجة الاحتراف على حلبة التحطيب، فلا خوف عليها من الاختفاء لإقبال جيل الشباب عليها وتعاقب توارثها من جيل لآخر”.
لعبة العصا رغم أنها تعتمد على الهجوم والدفاع، لكنها لم تكن قتالية بحسب الدرملي، بل لها أخلاقيات وقواعد. ويشرح قائلا “هي لعبة شجاعة وتسامح في ذات الوقت. حاليًا أصبحت وسيلة تعارف بين الناس والتجمع والمحبة. كما تعرف الشباب ببعضهم من خلال زيارات البلدان المقام بها مهرجانات للتحطيب أو الموالد».
ويشير إلى أنه فعند قرب حلول ذكرى الموالد كمولد أبي الحجاج والأمير غانم بأصفون، والقناوي، يأتون لدعوتنا للحضور. وهذا من شأنه يوطد العلاقات ويزيد من المودة والتواصل بين أبناء المحافظات المختلفة.
العصا
أما عن العصا التي يستخدمها المتبارزون فاسمها “شوم” أو “خرزانة” ومصنوعة من الخيزران، ويطلقون عليها “زقلة”.
ويضيف؛ العصا مقدسة للصعيدي بعيدًا عن التحطيب، فكبار السن يمسكها للاتكاء عليها، ومنهم من ترافقه في مشاويره خاصة في الأرياف لحماية نفسه من أي هجوم قد يطرًا عليه من الدواب، وهي موجودة بأسواق أغلب محافظات الصعيد.
قواعد اللعبة
وعن شروط اللعبة يوضح فارس التحطيب السوهاجي: “اللعبة لها قواعد، كشرط أن يكون المبارز متعلمًا طريقة الإمساك بالعصا. ولديه فكرة عن التحطيب، وكيفية تلقي عصا المبارز المواجه. وكيفية صدها والدفاع عن نفسه».
ويصف اللعبة بأنها مثل حرب السيف، مشيرًا إلى أن فكرة حرب السيف مأخوذة من التحطيب. يقول “قديمًا كانت تُستخدم العصا وقاية ودفاع عن النفس من ذئاب الجبال نظرًا لعدم وجود اسلحة آنذاك”.
ويشير لضرورة وجود مزمار خلال اللعب، وارتداء الجلباب الصعيدي حتى يستطيع المبارز أن يكون حر الحركة خلال اللعب.
كما يوضح أن اللعبة تتسم بالذكاء، فمن نظرة العين وطريقة مسك العصا يستطيع المتلاقين في اللعب فهم بعضهما. مؤكدًا أن اللعبة تعتمد على سرعة البديهة حتى يكون اللاعب حريصًا أمام نظيره ويستطيع صد الضربات في الوقت الصحيح.
التحكيم
وعن تحكيم اللعبة يشير معتمد إلى أنه يتم حسم الفوز من خلال النقاط خلال اللعب. ويشرح أكثر: «إذا تلقى المبارز ضربة من أسفل الصدر لأعلى، ومن الجوانب دون صدها فتحتسب للضارب ثلاث نقاط. وإذا تلقى الضربة في أسفل من المنطقة المذكورة قلت النقاط درجة. أما إذا ضرب المبارز نظيره في الرجل فهي تحتسب على الضارب وليس له. أي إذا ضرب في القدم وترك أعلى الجسم فتٌحسب النقاط للمضروب وليس للضارب».
ويؤكد محترف التحطيب البارز أنه يقوم بتعليم شباب قريته من محبي اللعبة لتعلم العصا وتعلم فن التحطيب، حفاظًا على اللعبة التي يعتبرها جزءًا من الهوية الصعيدية حسب قوله.
2 تعليقات