«العمارة الإيطالية» و«الطب الشعبي» فعاليات اليوم الثاني لأيام التراث

أقيمت خلال اليوم الثاني من فعاليات أيام التراث السكندري محاضرتان تحت عنوان «العمارة الإيطالية في الإسكندرية»، و«الطب الشعبي الساحلي»، حيث استعرضت الأولى تأثير العمارة الإيطالية على تاريخ الإسكندرية، والثانية تناولت الممارسات العلاجية التقليدية المستمدة من البيئة البحرية وتقاليد المجتمع السكندري.

العمارة الإيطالية

ألقى الدكتور إبراهيم السيد معروف، أستاذ التخطيط والعمارة بكلية الهندسة، محاضرة حول “العمارة الإيطالية في الإسكندرية” في القنصلية الإيطالية.

في البداية ذكر معروف أن المعماري ماريو روسي، عمل في قبة مسجد أبو العباس لمدة تقرب من 15عاما، خلال الفترة من 1930 إلى 1945، وهو من أشهر مساجد الإسكندرية. وحتى وقتنا هذا لم تكتمل القبة نهائيا بسبب تساقطها المتكرر، واشتهر المسجد بأنه من تصميم روسي، بالرغم من أن روسي عمل على إعادة إحيائه وليس تصميمه الخالص.

يقول معروف: “المجتمع الإيطالي تغلغل في مدينة الإسكندرية بعد أن فضلها على جميع المدن المصرية، ففي أوائل السبعينات بلغ تعداد الإيطاليين في الإسكندرية 7000 إيطالي، وكان تعداد المدينة بالكامل آنذاك 20 ألف نسمة فقط، ورغم هذا العدد الكبير، فلم يمتهن أحد العمارة إلا في القرن التاسع عشر على يد أفوسكاني الذي عمل على عمارة مدخل قصر رأس التين”.

جانب من محاضرة العمارة الإيطالية
جانب من محاضرة العمارة الإيطالية
مشكلة اقتصادية

وتابع: خلال فترة الحرب العالمية، مرت منطقة البحر المتوسط بالكامل بمشكلة اقتصادية كبيرة، وهاجر عدد كبير إلى مصر، منهم أنطونيو لاشياك الذي درس العمارة. فبعد ضرب ميدان محمد علي بالمنشية أثناء الحرب العالمية، ارتبط اسم الميدان (وكالة منشة) حتى الآن باسم “لاشياك”، الذي انتقل للقاهرة مع منظمة حفظ الآثار الإسلامية والعربية، بالرغم من وجود تصميم سابق للميدان.

وأضاف معروف، أن هناك عددا من المباني في الإسكندرية تدخلت فيها العمارة الإيطالية من الخارج فقط، وداخلها تصميم مختلف تماماً، وأشهرها قصر رأس التين، فقبة القصر إيطالية وتحمل أكبر نجفة، ولم تُسجل في موسوعة جينيس لأسباب أمنية، بالرغم من أن المبنى من الداخل كله من العمارة الإسلامية.

ثم ظهر إرنستو فيروتشي، وشهد تواجدًا كبيرًا في القرن العشرين مع الملك فؤاد، الذي كانت له رؤية مختلفة للإسكندرية. قصر الحرملك بالمنتزة على سبيل المثال له دلالة معمارية تعني توحد الرأي والمشورة للحاكم فقط، وقد ظهر ذلك من خلال وجود البرج على طرف المبنى وليس في المنتصف. وهو من إسهامات فيروتشي، ويوجد بمنتصفه حرف الـ(F) وهو الحرف الأول من اسم الملك فؤاد، ولم يكتب الاسم كاملاً بالفارسية كما على محطة القطار (محطة مصر)، ولذلك ترددت قصة في الأنحاء؛ يُقال إن الملك فؤاد كان كثيرا ما يسأل العرافات عن مستقبله، وبعد وفاة ابنه الأول إسماعيل، نصحته إحدى العرافات بأن يُطلق على جميع أبنائه اسم يبدأ بنفس حرف اسمه الـ(F)، ووصى ابنه فاروق أيضا بتسمية جميع سلالته بنفس الحرف كما أوصته العرافة.

محطة الرمل

يقول أستاذ التخطيط: “أما ميدان سعد زغلول الحالي بمنطقة محطة الرمل، فكان يُسمى ميدان سيسيل سابقا، وبأمر من الملك فؤاد انتقل ميدان سعد زغلول بعد أن كان موجودا في ميدان الجندي المجهول بالمنشية. ومسجد القائد إبراهيم الشهير عليه من الخارج الزخارف الإيطالية المميزة، والمسرح الروماني في كوم الدكة لم تتغير معامله منذ اكتشافه حتى الآن”.

وذكر أن “فيتشي” هو أجرأ شخص عمل على العمارة الحديثة مثل مبنى كلية الزراعة على الطراز الإيطالي. وقال إن شارع فؤاد من أكثر الشوارع التي تضم مبان ذات عمارة إيطالية، أبرزها مبنى مؤسسة الأهرام، فهو من الداخل والخارج أيضا بُني على الطراز الإيطالي، بالإضافة إلى عدد من المباني الأخرى.

الطب الشعبي

تعتبر الموروثات الثقافية أحد العناصر الأساسية التي تشكل هوية المجتمعات، حتى وإن كانت بعض هذه الموروثات تحمل جزءا أسطوريا أو خرافيا في بعض الأحيان، لذلك، يتم دراستها كموضوع أنثروبولوجي بدلا من اعتبارها حقائق علمية.

في هذا الإطار تحدثت نهال مصطفى، باحثة في التراث الثقافي غير المادي بالمعهد العالي للفنون الشعبية بأكاديمية الفنون، ودرست الأنثروبولوجيا في جامعة الإسكندرية، عن دور الطب الشعبي الساحلي في الممارسات العلاجية بالإسكندرية.

ذكرت نهال أن الطب الشعبي الساحلي ظهر بنزعة فطرية وانتقل تلقائيا من جيل إلى جيل، فهو موروث ثقافي شعبي. وعن الفارق بين التراث والموروث قالت: “التراث هو كل عنصر ثقافي له وظيفة واندثر. بينما الموروث هو كل عنصر ثقافي ذو وظيفة مستمرة، لذا يعتبر الطب الساحلي موروث شعبي”.

“طاسة الخضة” من الأساليب الشعبية العلاجية التي تسهم في علاج بعض الأمراض العصبية. وخاصة الفزع أو الخوف الشديد نتيجة صدمة ما. وهي عبارة عن إناء مصنوع من النحاس منقوش داخله آيات قرآنية، يوضع بداخله (ماء وعدس و7 تمرات وماء أو لبن)، وتُترك ليلة كاملة في الخلاء. ليتناول المرض مكوناتها قبل أذان الفجر، وتكرر العملية حتى تمام الشفاء”.

جانب من محاضرة الطب الشعبي
جانب من محاضرة الطب الشعبي
أنواع الطب الشعبي

وأضافت نهال أن للطب الشعبي الساحلي نوعين: طب شعبي ساحلي طبيعي وآخر طقسي. الطبيعي مستمد من العشب والنبات والطيور والحيوانات البحرية والهواء والرمال ومياه البحر. أما الطقسي يستخدم عناصر البيئة البحرية في الطقوس والممارسات والمعتقدات الشعبية العلاجية. مثل نجم وحصان البحر وزيارة الأولياء والقديسين والحمائل السحرية وماء البحر.

واستطردت: “في حديث ميداني مع عدد من الصيادين، أفادوا بأن العشب الساحلي، بسبب تغير العوامل المناخية، قل تواجده كثيرا عن ذي قبل. فمثلا، كانت العشبة البحرية تعالج الاسكارس. وعشبة الصرب التي كانت تتغذى عليها سمكة الصرب وكانت موجودة على جزيرة نيلسون في منطقة أبو قير، تعالج مرض التينيا. وعشبة الخشابي، التي كانت تشبه القطع الصخرية، تطحن لعلاج الحروق وحساسية الصدر والربو”.

أما الطب الساحلي المستمد من الطيور والحيوانات والأسماك البحرية. فقد كان الغذاء المعتاد في البيئة الساحلية هو الأسماك، لذلك استخدموا العديد منها في العلاج الشعبي. مثلا، كان يشرب دم الترسة قديمًا للعديد من العلاجات. ويعتقد أن سمك البلوط يعالج مرضى السكر، بينما سمك البوري المشوي مفيد للمرضعة وحديثة الولادة.

علاج محتلف

أكدت الباحثة أن الطب الشعبي والرسمي يكملان بعضهما. وهناك عدد من النصائح المشتركة بينهما للعلاج، مثل الاستنشاق بهواء البحر في التوقيت بين أذان الفجر وشروق الشمس. كما كانوا يشربون ماء البحر من الداخل، ولكن انتهى هذا الاستخدام الآن بسبب تلوث المياه كما أفاد الصيادون.

أما الطب الساحلي الطقسي، فمن رموزه حصان البحر، الذي كان يرتديه الرجال والنساء لعلاج العقم وزيادة الخصوبة. وكان يعلق في المنازل لجلب الرزق والخير. ونجمة البحر، التي ترمز إلى الكف وعلاج ووقاية من الحسد ومنع السحر. تعلق على أبواب المنازل والمحلات. وشبك البحر يعتقد أنه يجلب الخير، وترتديه الفتيات اللاتي تأخرن في الزواج بشرط أن تكون الشبكة قد صادت أسماكا من قبل واستخدمها صياد محترف.

ومياه البحر تعتبر في الثقافة السكندرية مصدر الطهارة. وكانت من العادات أن يُلقى فيها خلاص المولود (الحبل السري) من خلال بنات عذراء مبتسمات. اعتقادا بأنه يجلب الرزق والخير. كما أثرت مياه البحر على لهجة السكندريين، حيث يتحدثون بصيغة الجمع دائما لأن الصيادين كانوا يذهبون جماعة. وأيضا يتحدثون بفتح الكلام وليس بكسره.

وتضيف نهال: “من العلاجات الشعبية أيضا بالإسكندرية، كرامات القديسة سبينا شفيعة العواقر بكنيسة سانت كاترين، وأبو العباس. حيث إن قرب الضريح من البحر يؤكد على ارتباط كرامتهم بها. كما يتماشى مع مقولة (اللي معاه ربنا يمشي على المياه). وبالبحث وجد أن معظم الأضرحة موجودة بالقرب من مياه البحر. فهي نوع من العلاج الطقسي النفسي، وحلقات الذكر كان يعتقد أنها تشفي الروح. ويتجلى فيها ويصل لأعلى درجة من درجات السمو الروحاني كل من شارك بها. وهناك من يطلق عليهم “مجاذيب الولي”. ويقال “الولي ندهه”، فهو ليس بمجنون هو متيم بالسيرة والولي”.

ختام المحاضرة
ختام المحاضرة
رموز وطقوس

تقول الباحثة: “من أهم رموز الطب الساحلي العشبي الطقسي، عشبة كف مريم، التي تُعلق في المنزل لكل من تأخر زواجها أو حملها. ويعتقد أنها تأتي من شجرة السيدة مريم. كما تأتي الحمائل السحرية مرتبطة بالمعتقد الثقافي الموروث. فالسمكة مثلا تعتبر رمزا للتفاؤل وجلب الحظ والبركة لكل من يرتديها أو يعلقها على المنازل. وترسم وحولها نجوم البحر على منازل العرسان لزيادة النسل وتجنب العقم”.

وعرضت الباحثة دراسة ميدانية مع سيدة العطارة الوحيدة في سوق العطارين بالإسكندرية، السيدة ربيعة محمود، التي ورثت المهنة أبا عن جد. وأضافت إليها الكثير وأصبح لديها وصفاتها الخاصة. ومن أهم وصفاتها الطبيعية نجمة الينسون في علاج بعض الأمراض، وإضافة القليل من الجنزبيل. وأيضا وصفة ورق الجوافة مع الكمون المغلي، بالإضافة إلى وصفات أخرى لعلاج التهاب المفاصل والانزلاق الغضروفي.

وفي الختام، أوصت الباحثة بضرورة توثيق التراث، فمن المحزن أن تكون آخر دراسة عن الطب الشعبي الساحلي منذ عام 1998. كما يجب التعريف الإعلامي بالطب الساحلي كونه عامل جذب للسياحة العلاجية والثقافية والتراثية.

يُذكر أن النسخة الخامسة عشرة من فعاليات “أيام التراث السكندري”، التي تُقام هذا العام تحت شعار “الإسكندرية مدينة النور”، مستمرة خلال الفترة من 30 أكتوبر حتى 9 نوفمبر. وينظمها مركز الدراسات السكندرية بالتنسيق مع القنصلية العامة الفرنسية والمعهد الفرنسي بالإسكندرية.

اقرأ أيضا:

«فنار الإسكندرية من الظل للنور».. أولى فعاليات أيام التراث السكندري

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر