العثور على نيجاتيف «أهل القمة».. وسبع دقائق من «عنترة بن شداد»
منذ عدة أسابيع فتح «باب مصر» ملف التراث السينمائي المصري الضائع والمهدد بالتلف إلى غير رجعة، إذا لم يتم نجدته بسرعة وإنقاذ ما يمكن إنقاذه. وحظيت الحملة باهتمام واسع إعلاميا، ومن قبل بعض المسؤولين الذين اتخذوا عددا من الإجراءات والخطوات المهمة. وإن كانت محدودة وستظل محدودة حتى يتم إنشاء مؤسسة يصبح التراث السينمائي عملها وهمها الأول، مصحوبة بتشريعات قانونية و صلاحيات إدارية ومالية.
على أية حال أسفرت الحركة التي دبت في أوصال الوسط السينمائي عن عدة إنجازات نحصي بعضها في هذا المقال.
تائه بين الثلاجات
أول هذه الإنجازات أنه تم العثور على نسخة النيجاتيف الخاصة بفيلم “أهل القمة”، الذي قيل أن أحد ورثة المنتج قام بسحبها من الثلاجة واختفت!
تبين أن نيجاتيف الفيلم محفوظ وسليم، ولكن ببساطة لم يكن يعلم الموظفون أين هو!
لقد بيع الفيلم لقناة “إيه آر تي”، وكان ينبغي أن يسلم النيجاتيف للشركة حتى يحصل ورثة المنتج الذي باع الفيلم على بقية مستحقاتهم. ولذلك ذهب أحد الورثة إلى الثلاجة العمومية بحكم قضائي وحصل على النسخة. وقام بتسليمها لشركة “إيه آر تي” التي احتفظت بها في ثلاجتها، ولم تعدها للثلاجة العامة، كما تفعل عادة. ثم نسي الموظفون في الشركة والثلاجة ما حدث، إلى أن نشرنا سلسلة تحقيقاتنا عن الأفلام الضائعة والتالفة فبدأ البحث يمينا وشمالا وتبين أن النسخة موجودة.
كيف حدث هذا العبث؟ هناك ثلاث ثلاجات لحفظ نسخ النيجاتيف، العامة، المملوكة للدولة، وثلاجة “إيه آر تي” و”روتانا”. ولكن بعض أفلام الشركتين محفوظة في الثلاجة العامة، وبعضها الآن في ثلاجة مدينة الإنتاج الإعلامي. فإذا رغبت في معرفة ما إذا كان نيجاتيف أحد الأفلام موجودا أم لا، أو معرفة حالته الصحية. وهل تم نقله إلى نسخة رقمية جيدة أم لا، فغالبا ستدوخ السبع دوخات بين ثلاجات الشركات الأربعة!
عودة عنترة
في إحدى حلقات ملف الأرشيف تطرقت لمشكلة النسخ المشوهة التي تعرض على القنوات المختلفة، ونشرت قائمة ببعض الأفلام التي تعرض ناقصة، ليس دقيقة أو دقيقتين، بل نصف ساعة وأكثر أحيانا. ومن العجيب أن نجد هذا النقص في النسخ المرقمنة الحديثة، التي يفترض أنها منقولة مباشرة عن النيجاتيف الأصلي الكامل. وليس عن طريق نسخة غير أصلية ربما تكون قد تعرضت للحذف أو التلف في مكان ما.
فيلم “عنتر بن شداد” بطولة فريد شوقي أحد الأمثلة على ذلك، فالنسخة كانت تعرض كاملة منذ سنوات طويلة على قناة “روتانا”. ولكن النسخة المرممة ناقصة حوالي سبع دقائق. وقد قيل ردا على ذلك أن النسخة الحديثة منقولة عن النيجاتيف، ما يعني أن المشكلة في النيجاتيف نفسه. ولكن بمواجهة المشكلة والبحث تبين أن السبع دقائق موجودة، بل وتم ترقيمها مع بقية الفيلم. ولكن فقدوا أثناء النقل من النسخة المرقمنة إلى نسخ العرض. وتم بالفعل إصلاح الخطأ وإعادة الدقائق المفقودة إلى الفيلم.
لماذا تحدث هذه الأخطاء؟ لأنه لا يوجد لجان فحص وتسليم وتسلم تراجع النيجاتيف والنسخة المنقولة منه بدقة.
مع ذلك لابد من الإشادة بالجهود الكبيرة التي تبذلها شركة “روتانا” في ترميم ما تملكه من أفلام يصل عددها إلى ما يقرب من 1200 فيلم. وقد قامت الشركة حتى الآن بترميم ما يقرب من 350 فيلما. كما تقوم بترميم ما يزيد عن 25 فيلما شهريا. ونتمنى أن تتوفر لديها الإمكانيات والدعم لترميم الباقي. أما “إيه آر تي” فيبدو أنها لم تعد تهتم بما تملكه من أفلام، أو ليس لديها الإمكانيات أو الرغبة في ترميم أفلامها ورقمنتها. ولكن الشركة ترحب بعروض مهرجان البحر الأحمر بترميم بعض ما تملكه من أفلام. أو بمبادرات الأشخاص الذين يريدون ترميم بعض الأفلام مقابل الحصول على بعض حقوق توزيعها. ومن ثم يجب البناء على هذه المبادرة لاستخراج ما يمكن استخراجه من ثلاجتها لترميمه ورقمنته قبل فوات الأوان.
النيجاتيف سليم!؟
تبين بالبحث أيضا أن معظم الأفلام التي تعرض ناقصة على قنوات “روتانا” و”إيه آر تي” لم يتم العبث بالنسخة النيجاتيف الأصلية. وبالتالي يجب أن يتم طباعة نسخ رقمية كاملة من هذه الأفلام لحفظها في الأرشيف بعيدا عن النسخ المراقبة الناقصة التي تعرضها القنوات المصرية والعربية.
هناك كما ذكرنا أفلام كثيرة أخرى تعرض ناقصة على قنوات “روتانا” و”إيه آر تي” منها “حميدو” وسوق السلاح” و”غزل البنات” و”قاع المدينة” و”امرأة في الطريق” وغيرها. وقد نشرت قائمة تضم عددا من هذه الأفلام مع الأطوال الزمنية المختلفة التي تعرض بها. ولذلك يجب وجود لجنة جرد متخصصة لديها المعلومات اللازمة عن الأفلام لفحص أطوالها الزمنية ومراجعة النيجاتيف. ويجب الوضع في الحسبان أنه في بعض الحالات النادرة توجد نسخ أكثر اكتمالا من أصل النيجاتيف.
فقد يكون النيجاتيف نفسه قد تعرض للتلف في بعض أجزاءه ومن ثم يجب استخدام النسخ غير الأصلية لاستكمال النسخة المرممة. وأحيانا يتم تنفيذ ملاحظات الرقابة على النيجاتيف بينما يوجد نسخ كاملة أخرى. كما حدث مع فيلم “البريء” لعاطف الطيب. إذ قام المنتج بحذف مشهد النهاية من النيجاتيف تنفيذا لتعليمات الرقابة. ولكن كان هناك بعض نسخ البوزيتيف الكاملة التي تعرض في دور العرض قبل قرار الرقابة برفع الفيلم وتعديله. وقد تسربت واحدة من هذه النسخ الكاملة إلى إحدى محطات التليفزيون التي تعرض الفيلم كاملا! وهو ما يعني أنه يجب إعادة المشهد المحذوف إلى النيجاتيف حفاظا على العمل دون تشويه.
أين مؤسسة الأرشيف؟
وبالرغم من الجهود التي يتم بذلها، نؤكد مرة أخرى أنه لابد من وجود مؤسسة تضم الأرشيف والسينماتيك ومتحف السينما، تضع على عاتقها جرد النيجاتيفات الموجودة لدى الجميع ووضع قوائم بأعدادها وحالة كل فيلم منها ووضع خطة لترميمها حسب أهميتها. خاصة أن من بينها أفلام قديمة جدا من عمر السينما الصامتة، مثل “قبلة في الصحراء” الذي تملكه “روتانا” و”زينب” الصامت الذي تملكه “إيه آر تي”، وكلاهما سيحتفل بمرور قرن على إنتاجه قريبا، ما يعني أنه يجب التجهيز للاحتفال بهما، وبغيرهما. كذلك تضع على عاتقها البحث عن الأفلام المفقودة خارج الثلاجات الثلاثة. وقد توصلت خلال الشهور الماضية إلى عدد من الأفراد والأماكن يوجد بها عدد كبير من الأفلام المفقودة، وهذه تحتاج إلى عمليات إنقاذ سريعة لاستعادتها ورقمنتها، وهو موضوع يحتاج إلى مقال آخر.
اقرأ أيضا:
البحث عن الأرشيف الضائع (1): «أهل القمة».. تلف وضياع
البحث عن الأرشيف الضائع (2): أفلامنا الحائرة.. بين الثلاجة ومخزن نسخ الإيداع
البحث عن الأرشيف الضائع (3): هل قاموا بتشويه النيجاتيف؟