الرسام «أحمد صابر»: فن التفاصيل المنسية
أحمد صابر، فنان مصري يعمل مدرسا مساعدا بكلية الفنون الجميلة بالأقصر، برع في رسم التفاصيل الصغيرة وصلت حد الزحام في لوحاته الفنية، كما غرق في الرمزية حد التشبع. قرر ابن سوهاج أن يكون الفن مشروعه الخاص وحوله لفلسفة خاصة به، وشارك في العديد من صالونات الشباب والمعارض داخل مصر وخارجها.. «باب مصر» يتعرف على موهبته.
أحمد صابر
يقول صابر لـ«باب مصر»: أنا مواليد عام 1987، تخرجت في كلية الفنون الجميلة عام 2009، وكنت الأول على دفعتي، لذلك تم تعييني معيدا ثم مدرسا مساعدا، والآن أنا أحضر الدكتوراه، واستخدم في لوحاتي الأقلام الملونة الخشبية والمائية والأحبار والأكريلك، ما يضفي طابعا فريدا على لوحاتي، وأصنف نفسي رساما لاستخدامي الأقلام وليس الألوان الزيتية.
وتابع: موهبتي تعود للمرحلة الابتدائية، كنت أحرص على المشاركة في مسابقات الرسم وحصد الجوائز، وحينما وصلت للصف الأول الإعدادي لقبت بـ”الطالب الموهوب” حيث سافرت إلى دولة تونس بعد فوزي بالمركز الأول في مسابقة رسومات الفن التشكيلي بين طلائع مصر وتونس.
ويتحدث عن حبه للرسم منذ طفولته، ويقول: البداية الحقيقية التي وضعتني على طريق الفن بشكل مباشر كانت عندما شاركت في مسابقة رسم على الإسفلت بالطباشير وكنت حينها في الصف الأول الإعدادي، حصدت المركز الأول وشعرت بسعادة بالغة، وتم اختياري للسفر إلى تونس لمدة شهر، ثم شاركت من خلال الشباب والرياضة في مسابقة أخرى وسافرت إلى دولة قطر، هذا النجاح جعلني أتمسك بموهبتي أكثر “أصبحت مشهورا في قريتي يشار إلي من الجميع”.
الانتقال إلى الأقصر
انتقل صابر من قريته بسوهاج إلى محافظة الأقصر للالتحاق بكلية الفنون الجميلة، وهو ما جعله يدخل عالمًا مغايرًا وخاصًا، أصبح يرى صورًا وحياة أخرى، حيث شاهد المعابد والحضارة المصرية القديمة بكافة تفاصيلها بجانب الأسواق الكبرى وغيرها من عناصر ثرية، ويقول: “شعرت أنني انتقلت إلى عالم آخر، ودخلت عالم الحكايات والأساطير والموروثات الشعبية، وشعرت أني أشاهد الدنيا بشكل مختلف، وبعد أن كنت أحب الرسم فقط، أحببت الفن بشكل عام بكافة تفاصيله”.
يكمل صابر: فكرت كيف يكون لي أسلوبي الفني الخاص، ومنذ عامي الأول بكلية الفنون الجميلة بدأت العمل على نفسي، واتجهت إلى القاهرة وقررت المشاركة في الأحداث الفنية هناك من معارض ومسابقات وغيرها، شاركت في مسابقة لجمعية “محبي الفنون التشكيلية” وكانت من أهم الجهات في مصر وقتها وكان أغلب فناني مصر يشاركون فيها، ومن بينهم أساتذتي بالجامعة، حصلت على جائزة في تلك المسابقة وبالطبع كانت بمثابة تشجيع كبير لي، وبعدها توالت مشاركاتي في صالونات الشباب.
“احتكاكي بالثقافة الشعبية والموروث في الأقصر جعلني أفكر في ضرورة أن يكون لدي هدف”، هكذا يرى صابر، ويقول: يجب ألا يكون الفنان منعزلا، لذلك شغلتني القضايا العالمية ورسمتها في لوحاتي مثل مجاعات الصومال ومعتقلي غوانتانامو، وبالرغم من حصولي على جوائز إلا أني توقفت وبدأت أتساءل: “لماذا أفكر في المشاكل الكبيرة والقضايا الضخمة خارج مصر، في حين أن هناك مشاكل أو قضايا نعيشها ونشاهد تفاصيلها بشكل يومي في مصر”.
ويضيف، كانت النتيجة رسم لوحة تدور عن فكرة العدالة، بلغ طولها 10 أمتار بارتفاع 3 أمتار، وكانت اللوحة مشروع تخرجي، وهي الآن في مدخل كلية الفنون الجميلة بالأقصر، حيث اقتنتها الجامعة، واستوحيت فكرتها من الآلهة “ماعت”، والربط ما بين الحضارة القديمة والحديثة وكان الرابط هو النيل، ووضعني هذا المشروع على بداية الطريق، فبدأت قراءة التاريخ بشكل مختلف والتعرف على أساطيره وحكاياته.
مرحلة الرموز والتراث
تعتمد لوحات الفنان على الرموز التراثية بشكل خاص، فيقول عن ذلك: جذبتني الرموز التراثية كثيرًا فلم يكن وجودها في ثقافتنا عبثًا أو عشوائيا، بل له دلالات حيث ترمز في تراثنا الشعبي إلي الخير، ونجدها لدي المصري القديم ممثلة في الإلهة “حات محيت” إلهة الأسماك، كما أن للسمكة نصيب كبير في الديانة المسيحية، فأنا استخدم السمكة في العديد من لوحاتي فهي وسط الأضرحة والمقابر والأسواق ووسط السيدات وقد لا ترمز للخير، وأحيانًا ارسمها بشكل فلسفي تعبيرًا عن قلة الخير.
السوق وتأثيره
تأثر صابر بالأسواق في الأقصر، ويظهر ذلك جليًا في لوحاته بتفاصيلها الدقيقة التي تضمها، حيث ينقل المشاهد من خلالها إلى عالم ساحر كبير، حافل بالطقوس والشخوص والحكايات، فيقول: السوق بالنسبة لي مدينة كاملة فيها كل شيء، انبهرت كثيرًا بالأسواق وجذبني إليها، وجوه الرجال والنساء بملامحها الصعيدية، والعلاقة بين الأشخاص والحيوانات، وعمليات البيع والشراء، شدتني رؤية الجمل وقد رسمته، وأحاول توثيق الكثير من المشاهد التي يمكن أن تختفي وكانت النتيجة معرض أطلقت عليه اسم “تياترو” كانت جميع لوحاته من سوق إسنا، وتخللت اللوحات بعض العناصر من السوق مع بعض الرموز مثل الخمسة وخميسة وغيرها، كمان سجلت شكل المقاهي في السوق وغيرها من مشاهد لبائعي اللحوم، وبائعي المواشي وغيرها.
تجربة المولد
أما شغل المولد وطقوسه في سوهاج والأقصر، فشكل تفكيرا خاصا لدي الفنان، إذ سعى لتوثيق كافة المظاهر والطقوس قبل أن تندثر، ويقول: سجلت ما يوجد الآن بالموالد مثل أشكال المراجيح، البائعين في المولد، الجمال والهودج، وهناك العديد من المظاهر التي لها جذور من الماضي خاصة الفرعوني مثل طقس المراكب الذي يتم في مولد أبوالحجاج.
يصف صابر السريالية في أعماله والغرض منها، ويقول: لا استخدم السريالية الغربية لكني استخدم أسلوبي الخاص الذي يعمل على “تمصير السريالية” وهو ما جعل لدي أسلوبي الخاص في هذا المجال، متأثرًا بالفنانين المصريين العظام وخاصة عبدالهادي الجزار وحامد ندا، والغرض من إدخال عناصر مختلفة في لوحاتي بالطريقة السريالية مثل وجود سمكة كبيرة أو حدوة حصان أو عروسة أو هلب أو قطة داخل لوحة للسوق على سبيل المثال، أن يقف المتفرج أمام اللوحة ويفكر ويتساءل لماذا تم وضع تلك الأشياء وما الغرض منها؟، عكس أن يتم رسم السوق وعناصره بالطريقة العادية، والتي لا تضيف الكثير وكأنها صور فوتوغرافية.
ويكمل صابر: أعتقد أن تفكير الكثير من المصريين يتم بشكل سريالي كما أرسمه في لوحاتي، والعناصر التي استخدمها بالفعل موجودة في حياتهم، فهناك من يحلم برؤية سمكة في الحلم ويفسرها على أنها خير آت، وهناك من يضع حدوة الحصان على بابه، والعديد من العناصر مثل القطط، كما أرى أن هذا التفكير السريالي لدى المصريين هو من الموروثات التي ترجع إلى العصر الفرعوني، ويسعدني أني بالفعل أسست لهذا النوع من السريالية ويسعى الكثير لتقليده.
التفاصيل الكثيرة المزدحمة
كشف صابر عن زحام العناصر في لوحاته الفنية، فيقول: يعود ذلك إلى طبيعة الأماكن التي أتناولها في لوحاتي، فالسوق أو المولد من الأماكن الممتلئة بالتفاصيل والعناصر التي يصعب تجاهلها، ولا أشعر بالرضى سوى بعد رسم كل تلك العناصر والتفاصيل، وهو ما يجعل لي أسلوب وطابع مختلف، فلا ارسم الأشياء فقط بل أضع بها كافة تفاصيلها، فأنا أنظر للمكان بحب وأرى أن كل تفصيلة حتى ولو صغيرة يجب رسمها، فكل عنصر له روحه الخاصة، كما أن هناك شخصيات تشدني لرسمها عند معايشتي للمكان.
يجهز صابر الآن لمعرضه الجديد “المولد”، فيقول عنه: المعرض سيضم لوحات للمولد والأضرحة والمقابر وشكل الألعاب الموجودة به، والناس داخله، وأتمنى أن تصل أعمالي إلى العالمية.
ويرى أحمد صابر أنه في مصر ينقصنا وجود مسوقين محترفين لأعمال الفنانين، لذلك يبحث بنفسه عن طرق حديثة ومبتكرة لتسويق أعماله مستعينًا في ذلك بالإنترنت والسوشيال ميديا.
تعليق واحد