“الدلالة”.. تاجرة و”خاطبة” وصديقة للسيدات
كانت الدلالة- وكذلك الدلال، من المهن التي تتمتع برواج كبير، إذ ينتظر الرجال “الدلال” على المقاهي والشوارع، أما النساء فينتظرن “الدلالة” في البيوت، وذلك في أوقات معروفة، قد تكون غالبًا في الإجازات، أو يوم الخميس أو الجمعة أو الأحد.
“الدلال” أو “الدلالة” هو مهنة درها التوسط بين البائع والمشتري، وقد حصل أصحاب المهنة على هذا اللقب، لأنهم يساعدون الأهالي على إيجاد طلباتهم بسهولة، تجنبًا للبحث الطويل والسفر البعيد.
ولم تقتصر المهنة على السيدات دون الرجال، بل هي متاحة للاثنين، لكنها انتشرت بين النساء أكثر، لصعوبة خروج النساء للتسوق أو شراء احتياجاتهن.
أم صباح الدلالة
أم صباح السيدة التي تجاوزت العقد السابع من عمرها، جلست تتذكر أيام عملها الشاقة في الدلالة، تقول “هي شغلانة العيش الحلال ومحبة الناس”، فالدلالة تكسب القليل من المال في عملها بالحلال، لكنها تكسب إلى جانب ذلك الكثير من محبة الناس وثقتهم.
لو مش أمينة ميتفتحلهاش باب
النساء في الصعيد لم يكن يسمح لهن بالخروج في وقت سابق، فكان الأزواج والآباء أو الأخوات الرجال هم من يقومون بشراء متطلباتهن من محلات القماش أو العطارة، لكن ذلك لم يكن حلًا مثاليًا، ليأتي هنا دور “الدلالة”.
“الراجل خلقة ضيق” تصف الجدة انطباع الرجال عندما تطلب منهم زوجاتهن أن يشتروا لهن متطلبات المنزل أو الأقمشة، وأنها كانت بمثابة المنقذ في تلك المواقف، إذ تستطيع فهم طلبات النساء في المنازل وعرض البضائع لهن ليخترن المناسب.
عادات وتقاليد
تتابع أن منازل الصعيد تحكمها الكثير من العادات والتقاليد، فإن كانت الدلالة تحمل سمعه غير جيدة أو لا تتحدث جيدًا ولا تحفظ أسرار البيوت، فإن أهل البيت لا يستقبلونها، ولا يفضلن الشراء منها “”لو مش أمينة ولسانها حلو مبيتفتحلهاش الباب”.
“تجارة.. والتجارة شطارة” هكذا توضح أن مهنة الدلالة قائمة بشكل أساسي على شراء بعض المنتجات والأقمشة من البائعين “تجار الجملة”، لتعرضها على السيدات في المنازل، ليختارن منها المناسب، إلى جابن ذلك فهي تتلقى طلبات السيدات لتشتريها لهن.
بؤجة الدلالة
“البؤجة” هي قماشة كبيرة مربعة الشكل تتراوح ما بين متر أو متر ونصف المتر، يوضع بها طلبات “الزباين”.. ويربط كل طرف بالذي يقابله، وتحمل على الرأس.
تحمل البؤجة الأقمشة السوداء والملونة وأمشاط الشعر وزيوته وبعض أدوات الزينة.. وأحيانًا أدوات منزلية كالحلل والأطباق، وغير ذلك.
أما من تعمل في هذه المهنة.. فكانت تحصل على 10 قروش أو 25 قرشًا من ثمن الطرحة أو قطعة قماش تساوي جنيه تقريبا.. وعندما ارتفعت الأسعار ارتفع مكسب الدلالة إلي 50 قرش، ثم 5 جنيهات.
الخاطبة
في النهاية لم يقف دورها على بيع وشراء الأقمشة وحسب.. بل كانت بعض الأمهات تلجأ إليها لتساعدها في البحث عن عروس مناسبة لابنها.. وبحكم معرفتها بالنساء والفتيات في العائلات المختلفة كانت الدلالة ترشح من تراها مناسبة.. وذلك لتحصل على “الحلاوة”.
ويتباين “قدر الحلاوة” من عائلة لأخرى، فإن كان العريس أو العروس من عائلة كبيرة.. فهي تحصل على قطعة قماش لها ومبلغ من المال يسمى “العشوة”.. أما أن كانت عائلة بسيطة فهي تكتفي بـ “العشوة”.
تتابع السيدة السبعينية أنه ما بين حين وآخر تستعين الدلالة بزوجها أو بأحد أقربائها المغتربين خارج البلاد.. لتطلب منهم بعض الأقمشة الجديدة، التي تفضلها بعض السيدات “واهو كله رزق”.