«الجميلات النائمات»: رحلة هشام نوار بين الفن والحب والموت

تتواصل حتى الخامس من ديسمبر المقبل فعاليات المعرض الفردي «الجميلات النائمات» للتشكيلي هشام نوار، والمقام في جاليري ضي بالزمالك. يضم المعرض 82 عملا فنيا مقسما إلى مجموعتين.

هشام نوار هو فنان تشكيلي مصري، شارك في العديد من المعارض المحلية والدولية والخاصة، وحصل على العديد من الجوائز الفنية الهامة.. «باب مصر» أجرى معه الحوار التالي على هامش معرضه الجديد.

ماهي الفكرة الرئيسية لمعرض «الجميلات النائمات» وما الذي دفعك لاختيار هذا العنوان؟

جاءت الفكرة على مرحلتين، كانت أولهما منذ 12 عامًا، عندما قمت بتنفيذ غلاف لرواية الكاتبة والصديقة العزيزة “مي التلمساني”. كانت الرواية تتحدث عن رسامة نفذت معرضًا بالكامل عن “القبلة”، وكان الغلاف الذي صممته عن تلك القبلة. وعندما نظرت إلى الخطوط التي نفذت بها اللوحة وجدت أنه بإمكاني اللعب مرة أخرى بتلك الخطوط وبطرق مختلفة، لكن الموضع لم يكن مكتملًا داخلي بشكل كامل.

وجاءت المرحلة الثانية في عام 2018، عندما تعرضت لأزمة صحية شديدة. طلبت وأنا في سريري بعض الأوراق والأقلام الرصاص، وجاءت في مخيلتي فكرة العمل عن الحب. ذلك بعد أن خضعت لإجراء عملية جراحية خطيرة. ولأنني أرى أن هناك ارتباطا وثيقا بين الموت والحب، بدأت أتذكر العديد من الأشياء التي مرت بي عن الحب، ومنها قراءتي لكتاب “طوق الحمامة” لابن حزم، الذي أرى أنه كان بحثًا عن الحب سابقًا لعصره. أيضًا مشاهدتي للفيلم الجزائري “طوق الحمامة المفقود” للمخرج الفنان التشكيلي “الناصر خمير”. وتناقشت أنا والصديقة مي التلمساني في أن هناك مسميات كثيرة للحب ظهرت في الكتاب، وإمكانية التعبير عنها بشكل بصري، مع وجود إشكالية أن كل ما يحكى لا يمكن رسمه والعكس صحيح. استمر ذلك لمدة 5 سنوات، حتى قرأت العديد من القصائد الشعرية، ثم بدأت في عمل معالجات كثيرة عن “القبلة” بطرق وأشكال مختلفة.

لماذا مجموعة الجميلات النائمات جميعًا بنفس وضعية الجلوس، وهن نائمات؟

تم تنفيذ مجموعة الجميلات النائمات على غرار تماثيل الكتلة في الفن المصري القديم، حيث قمت بتصوير المرأة في وضع الجلوس وهي نائمة. وتضم المجموعة الكثير من المعالجات المختلفة، لكن بنفس الوضعية. بالطبع، لم يكن هذا مخططا بشكل مسبق، بل كان بداية عندما وضعت أول معالجة للخطوط في أول لوحة. ثم وجدت نفسي أرغب في تنفيذ لوحة أخرى بنفس الوضعية، ولكن مع معالجة وخطوط مختلفة. وتوالت الأشكال في ذهني، وعندما كنت أقرر أن تلك آخر لوحة، كنت أجد أن هناك فكرة جديدة تظهر في مخيلتي، وكأنني أكتب مذكرات دون تفكير.

هل يرتبط المعرض برواية «الجميلات النائمات» للكاتب الياباني ياسوناري كواباتا؟ حدثنا عن ذلك.

تعرفت على كواباتا في التسعينات، وانبهرت به كثيرًا، وقرأت روايته “الجميلات النائمات” التي قال عنها ماركيز إنها الرواية التي تمنى أن يكون مؤلفها. تأثرت بتلك الرواية لأنها أضاءت بداخلي خلال تنفيذ هذه المجموعة، فقررت أن استسلم لهذا القدر وأطلق اسم “الجميلات النائمات” على المجموعة. وقد أهديت المجموعة إلى روح كواباتا.

وماذا عن الإهداء الآخر لروح الفنان والنحات الكبير محمود مختار؟

هذا الإهداء جاء لأن تمثال الكتلة، أو هذا التصميم الذي اتبعته في تلك المجموعة، كان أول من اكتشف جمالياته النحات الكبير محمود مختار، الذي نفذ بنفس الطريقة حوالي ثلاثة تماثيل تقريبا، لذا كان من الواجب أن أخصص له هذا الإهداء.

لماذا لم يضم المعرض أعمالا نحتية؟ وكيف تصنف نفسك: نحات أم مصور؟

أنا نحات، ولست مصورا، كثيرا ما يتفاجئ الناس عندما يرون أن معرضي الأخير يقتصر على التصوير فقط ولا يحتوي على أعمال نحتية. لكنني لا أميل إلى هذا التقسيم. فكل فنان نحات يمتلك موهبة الرسم في بداية أي عمل نحتي، حيث يبدأ الرسم كخطوط قبل بدء العمل الفعلي. أما بالنسبة لي، فبدايتي كانت مع الرسم منذ الطفولة، ومع مرور الوقت اكتشفت أنني أميل أكثر إلى النحت. ومع ذلك لو وضعت بعض الأعمال النحتية، سيخرج المعرض عن فكرته الأساسية.

تعاملت مع العديد من الخامات المختلفة في مجال النحت مثل الحجر، الجرانيت، الخشب، والفخار. هل تفضل خامة معينة؟

الفكرة هي التي تفرض نفسها لاختار الخامة المناسبة لها. لكل خامة مذاق خاص، مثل الطعام. تعاملت بالفعل مع خامات كثيرة مثل الجرانيت، الفخار، الخشب، والبرونز. وكل عمله فني له متعته الخاصة وحواره مع الخامة. ليس هناك خامة أصعب أو أسهل من الأخرى. على سبيل المثال، الألوان المائية، رغم بساطتها، تشبه الحجر من حيث إنه لا يمكن طمس أي بقعة لون مهما حاولنا، تماما كما لا يمكن تعديل الحجر بعد أن يُنحت.

تناولت في مقالك «نحت الجسد ونحت الروح» مقارنة بين النحت في الحضارة المصرية القديمة والنحت في الفن الإغريقي. أيهما تفضل؟

النحت في الفن الإغريقي ملفت للغاية، ويخطف الأنظار بسرعة، خاصة بالنسبة لأصحاب الذائقة غير المتعمقة، وذلك لأن فناني الإغريق كانوا يحرصون على إظهار أدق التفاصيل. على الرغم من كثرة التفاصيل المبهرة، إلا أنه إذا نظرنا إلى تمثال “فينوس” نلاحظ أن أذرعها مهشمة رغم أنها رمز للجمال. وهذا يظهر أنه لم يكن هناك اهتمام كاف بالخامة أو بعوامل الزمن.

أما من ناحية الاستدامة والتأثير الأقوى، فيأتي النحت المصري القديم في المقدمة. كانت تمثال الكتلة، على سبيل المثال، مغلقة ومحكمة، مثل تلك التي تعود إلى عصر الدولة الوسطى، وكانت تتميز بصلابة الخامة ودقة التشكيل. أرى أن تمثال “خفرع” من عصر الدولة القديمة هو المثال الذي يجب أن يحتذى به، من حيث صلابة الخامة ودقة التشكيل، مقارنة بالفن الإغريقي.

ربما نجد الإجابة في قصة عن فنان مصري قديم، حين سأله تلميذه عن سر من أسرار الفن، فأجابه قائلا: “يا بني أنت لا تنحت التمثال، فالتمثال موجود داخل الحجر، ما عليك إلا أن تزيل الزوائد التي تحيط به”. وعندما سأل التلميذ: “ما يدريني أني أزلت ما ينبغي أن أزيل؟”، قال الأستاذ: “اصعد بتمثالك إلى قمة الجبل وألقه إلى السفح، فما تراه يتحطم من التمثال يكون زائدا عليه، وما يظل سليما يكون تمثالك الحقيقي”.

هل تفضل العمل على مساحات كبيرة أم الأعمال الصغيرة؟

هناك مشكلة قد يواجهها بعض الفنانين ذوي القدرات المحدودة عندما يقررون عمل لوحة كبيرة جدا أو تمثال، لكن النتيجة قد لا تكون ناجحة. يمكننا الحكم على نجاح العمل من خلال رؤيته في صورة. إذا شعرنا أن العمل في الصورة أكبر من حجمه الطبيعي، فهذا يعني أن الفنان قد نجح في خلق تأثير أكبر من الحجم الطبيعي، وقد يشير إلى أن العمل ليس بنفس القوة التي كان يجب أن يكون عليها. ولو كانت الصورة  أصغر من تخيلنا عند رؤيتها على الطبيعة فهذا يدلل على فشل الفنان، وهذا معناه أن طاقة العمل أقل من حجمه.

حدثنا عن تجربة «التل الأزلي»، والتي استخدمت فيها لونا واحدا في جميع اللوحات. ولماذا ابتعدت عن النحت في تلك الفترة؟

بالفعل، ابتعدت كثيرا عن النحت خلال تلك التجربة، التي بدأت عام 2002 واستمرت حتى 2010. وكنت خلالها مشغولا بتجربة فنية مختلفة. إذ كانت الأعمال عبارة عن لوحات تصويرية بأسطح بارزة أو مجسمة، يتم تعليقها على الحائط. استلهمت فكرة المعرض الأول من الفن المصري القديم وما يسمى “التل الأزلي” في عام 2002، ثم بدأت التجربة الأهم من عام 2003 إلى 2010، وعرضت في مركز الجزيرة. وقد استخدمت فيها لونا واحدا فقط، وهو اللون الأحمر الغامق ” لون الدم أو القلب”.

جاءت فكرة استخدام هذا اللون من معتقدات المصري القديم حول “التل الأزلي”، الذي كان يصور بداية الكون كمحيط أزلي من الماء، وأول ما يظهر من اليابسة هو التل، وهو بداية الحياة. فكرت أن أول لون يمكن أن يظهر مع بداية الحياة هو اللون الأحمر الغامق، لون الدم، الذي يمثل ضخ الحياة. استمرت هذه التجربة باستخدام هذا اللون الواحد لمدة 7 سنوات، وعرض المعرض في عام  2010.

وماذا عن النحت قبل تلك التجربة ومشاركتك في سمبوزيوم أسوان؟

شاركت في سمبوزيوم أسوان مرتين، الأولى عام 1998، والثانية عام 2000. في المرة الأولى، استفزتني فكرة أن أول ضربة على سطح الجرانيت الناعم تشبه ضربة السندان الخاص بالحداد، الصوت مشابها جدا. فقررت أن أشكل سندانا من الحجر، وكان يشبه الحيوان الخرافي.

أما في عام 2000، جاء العمل الذي شاركت به نتيجة ارتباط خاص وشخصي للغاية وعلاقته بالتاريخ نفسه. فقد مر على ميلاد المسيح 2000 عام، وكنت وقتها قد أكملت 33 عامًا، وهو نفس سن المسيح عندما توفي. ومن هنا جاءت فكرة العمل النحتي “العشاء الأخير” الذي شاركت به.

كانت المعالجة لهذا العمل مختلفة، حيث نفذت 12 كرسيا من الحجر تمثل عدد الحواريين، ومن بينها كرسي باللون الأسود به عرق باللون الأحمر يمثل كرسي يهوذا. كما أنني نفذت منضدة مائلة، أما بالنسبة للمسيح فلم أضع له كرسيا. بل قمت بحفره على مفرش المنضدة الذي يتوسطهم، على شكل التحديد الذي تقوم به المباحث الجنائية عند العثور على جثة، بحيث يكون المفرش محاطا بخطوط مقطعة تشبه الحلقات. كما أن هالة الشمس التي توجد فوق رأس المسيح لم تكن في مكانها، وكانت مقطعة هي الأخرى. كان الهدف من العمل هو أن ما حدث للمسيح من خيانة هو حادثة تتكرر يوميًا.

وماذا عن استخدامك خامات غير تقليدية في أعمالك الفنية مثل أنابيب الألوان وغيرها؟

بالفعل، استخدمت أنابيب الألوان، وأنابيب معجون الأسنان لعمل مجسمات وتماثيل وشخصيات، في بدايات أعمالي. قمت بعمل معرض لذلك عام 1992، وكان عبارة عن صياغة لأعمال الفنان مايكل أنجلو باستخدام الأنابيب. وفي عام 2000، كانت هناك احتفالية مشتركة لقاعات الفنون الخاصة، وشاركت فيها بعمل صياغة للوحة “العشاء الأخير” لدافنشي بشكل معاصر باستخدام الأنابيب.

هل هناك فجوة بين الفن التشكيلي والجمهور العادي في مصر؟ وكيف يمكن زيادة وعي المجتمع بالفن التشكيلي؟

بالفعل هناك فجوة. فعندما نفتح مجلة ونجد صورة للوحة فنية مكتوب تحتها “بريشة الفنان فلان”، فنحن أمام مشكلة كبيرة. لأن الريشة كانت تستخدم قديما للكتابة وليس للرسم. لا يزال الفن في الوعي المجتمعي يرتبط بالريشة التي كان يستخدمها الخطاطون قديما، كما يعتقد أن الفن هو فن الخط العربي، وهذا ما لم يتجاوزه المجتمع، رغم ما يراه من لوحات فنية.

بدأت المشكلة من السبعينيات، حيث شهدت كليات الفنون الجميلة موجات من التحريم، مثل الموديل العاري الذي كان مهما في دارسة الترشيح. للأسف، شارك بعض الفنانين الكبار في تلك الحملة. وأرى أن التراجع ليس فقط في الفن، بل في منظومة التعليم، لم يعد هناك من يقرأ، ولا يمكن زيادة هذا الوعي بالفن إلا عن طريق الاهتمام بالتعليم أولا.

هل ترى أن للفن التشكيلي الآن فرصًا أكبر مع وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة والمنصات الرقمية؟ وهل يؤثر ذلك بالسلب أم بالإيجاب؟ وكيف يستطيع الفنانون الاستفادة من ذلك؟

كل شيء له فوائد وأضرار، فهناك فنانون يدخلون على مواقع وصفحات فنانين آخرين، ويقومون ينسخ أعمالهم ونسبها إلى أنفسهم. أصبح هذا يحدث كثيرًا للأسف. على سبيل المثال، عندما كنت في لجنة تحكيم صالون الشباب، اكتشفت أن بعض الفنانين نقلوا أعمال فنانين آخرين وشاركوها في المعرض. تواصلت مع الإدارة لرفع تلك الأعمال من المعرض. ومع ذلك، هناك بعض الإيجابيات في تواصل الفنانين مع جمهورهم.

هل توجد تحديات أمام الفنانين المصريين تحول دون الوصول إلى العالمية؟ وهل هناك فجوة بين الفن المصري والفن العالمي؟

هذا الموضوع معقد للغاية، وهو ليس مرتبطا بالجودة فقط، فمنذ أكثر من 50 عاما، هناك العديد من المجالات التي شهدت تراجعا. من المهم أن يكون الفن محليا وخالصا. هناك أسماء لفنانين مصريين حققوا مبيعات وأرقاما فلكية في المزادات العالمية مثل “محمود سعيد، الجزار، وآدم حنين، عادل السيوي، محمد عبلة، صلاح طاهر ، عمر النجدي” وغيرهم. هؤلاء الفنانين في فترة ما لم يكن لهم تواجد عالمي، والسوق العالمي يتغير باستمرار. وسائل الإعلام تساعد في نشر الفن الآن، كما حدث مع الفنان عبد الهادي الجزار، حيث قامت مالكة إحدى القاعات الفنية في التسعينات بعمل معرض استيعادي له بالتعاون مع ورثته، مما  ساعد في تسويق أعماله وبيعها. أرى أن التسويق من أهم الأشياء للفنانين.

هل تختلف قاعات العرض المحلية في مصر، سواء المملوكة للدولة أو الخاصة، عن المعارض الدولية؟

هناك ملاحظة هامة لفت انتباهي لها أحد الزملاء، وهي أن جميع قاعات العرض الموجودة في مصر ليست قاعات عرض في الأساس، بل هي بيوت أو شقق تم تحويلها إلى قاعات عرض. حيث يتم دهانها باللون الأبيض وتوضع فيها إضاءة. لم تصمم أي من هذه القاعات منذ البداية لتكون قاعة عرض. باستثناء قاعة قصر الفنون بعد الزلزال، لكن يرى الكثير من الفنانين أنها سيئة، حيث إن المكان غير مناسب للعرض، ولا يتمكن الزوار مع رؤية بعض الأعمال المعروضة.

لديك مجموعة من المقالات في مجال الفن، كيف ترى تأثير الكتابة النقدية على تطور المشهد الفني في مصر. وهل ترى أن هناك ما ينقص النقد الفني اليوم؟

بالفعل، هناك مأساة في الكتابة النقدية، حيث تميل أغلب الكتابات إلى العاطفية أو تعاطف الكاتب مع الفنان، وتمجيد أعماله دون نقد يذكر. وهناك حالات أخرى قد يصل النقد إلى سبب الفنان.

في تجربتي مع الكتابة، طلب مني رئيس تحرير مجلة “فنون” كتابة مقال ثابت للمجلة، وكان ذلك في بدايتها. شعرت بالقلق لأن الكتابة بالنسبة لي حالة مزاجية لا يمكن استدعاؤها بالطلب والالتزام بها. كان أول مقال عن الفنان الوشاحي، وتواصل معي بعض الزملاء من الفنانين للكتابة عنهم، لكني رفضت. لأنني أرى أننا بحاجة أولا إلى الكتابة عن مفاهيم الفن وتصحيحها من المصطلحات والأفكار، وليس التركيز على فنان بعينه، وهو ما يجعلنا نقيم الأعمال والفنانين فيما بعد. ولا أحب تصنيفي كناقد، وجميع الفنانين ممن تحدثت عنهم ليسوا على قيد الحياة.

اقرأ أيضا:

التشكيلي هشام عبدالمعطي: بدايتي كانت «حرامي صابون»!

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر