التشكيلي هشام عبدالمعطي: بدايتي كانت «حرامي صابون»!

تتواصل حتى السابع من أكتوبر فعاليات المعرض الفردي «مترو باريس» للفنان التشكيلي هشام عبدالمعطي، المقام في صالة العرض «ديستريكت فايڤ – مراكز» بجاليري تام. يضم المعرض نحو 20 لوحة من المقاس الكبير بجانب بعض الأعمال النحتية.

الفنان هشام عبدالمعطي هو فنان تشكيلي مصري وعضو مجلس نقابة الفنانين التشكيليين، ويعمل مدرسا في كلية التربية الفنية بجامعة حلوان. يعتبر هذا المعرض هو الرابع عشر له، وقد شارك في العديد من المعارض الجماعية.

أطلقت على معرضك اسم «مترو باريس» لماذا هذا الاسم؟

كنت في زيارة إلى باريس في الفترة الأخيرة، وفي أحد الأيام اصطحبني أحد الأصدقاء لزيارة أحد الميادين، ثم استقلينا المترو كانت الساعة الثانية عشرة منتصف الليل، ولاحظت مجموعة من الشباب الصغير لا تتعدى أعمارهم السادسة عشر، يقومون بتقطيع اللوحات الإعلانية التي انتهى عرضها، ويرسمون مكانها بعض الرسومات باستخدام الأقلام الملونة والإسبراي. حيث كانوا ينفذون ذلك بسرعة كبيرة ويجرون خارج المترو كأنهم في مهمة انتهوا منها.

أدهشني ما فعلوه، مما جعلني أذهب في اليوم الثاني لاكتشاف ما يفعلونه عن قرب.  بالفعل، ذهبت لمحطة أخرى، واكتشفت وجود مجموعة من الشباب. ولأنني متخصص في الفنون البصرية، شعرت بسحر تجاه تلك الرسومات، حيث كان هناك تداخل بين أجزاء من طبقات الإعلانات القديمة التي تم تقطيعها، وبين ما يقوم به الشباب من رسومات.

ظهرت نتيجة لذلك ألوان وتشكيلات مدهشة ومبتكرة، بالإضافة إلى طاقة الشباب. ومن هنا بدأت في متابعة الأمر ورصده والنزول يوميا لمحطات المترو كي أصور الإعلانات قبل التقطيع وبعد رسم الشباب عليها. وهذا ما جعلني أكتب عنوانا لما أراه وهو “ثبات الحيز الجغرافي وتغير المدرك البصري”. جاءت فكرة المعرض لعرض ما رأيته وألهمني في مترو باريس، لأرى تأثير ذلك سيكولوجيا ونفسيا على المشاهدين للمعرض.

يضم المعرض بجانب اللوحات بعض القطع النحتية. كيف كانت بداياتك مع النحت أم التصوير؟

 كانت بدايتي “حرامي صابون”!. منذ كان عمري 7سنوات بدأت في تشكيل أولى أعمالي، فكانت بدايتي كنحات وأنا طفل أقوم بجمع قطع الصابون من وراء والدتي وأشكلها. في الثمانينات، كانت هناك أزمة في الصابون، وكنت أشاهد أمي وهي تقوم مع سيدات الشارع من الجيران بتصنيع الصابون في المنزل لتجاوز تلك الأزمة. سارعت وأحضرت منحوتاتي من الصابون التي كنت أحتفظ بها دون علمها، وذهبت لأمي ودموعي تسبقني كي أعطيها منحوتاتي لفك الأزمة، لكنها رفضت أخذها وقالت لي: “لا يا حبيبي، هذه أشياء جميلة جدا، احتفظ بها”. كانت كلماتها وتشجيعها لي لها تأثير سحري وزرعت بداخلي منذ صغري أنني أملك شيئا مختلفا. لذلك، أستطيع القول إن بدايتي كانت كنحات.

وماذا عن التصوير؟

التصوير كان موازيا للنحت، حيث درست الفن في كلية التربية النوعية، وبعدها في كلية التربية الفنية. حصلت على الماجستير والدكتوراه في هذا المجال، مما ساعدني على دراسة الرسم والتصميم. كنت أقوم بعمل العديد من اللوحات، لكنني لم أعرضها بشكل احترافي، حتى طلب مني الكثير من الأصدقاء عرضها على الجمهور. ومن هنا بدأت في عرض لوحاتي.

وجدت أن عملية التوازي ما بين النحت والتصوير تعيد شحن طاقتي. عندما لا أجد أفكارا للتنفيذ كمنحوتات، يمدني التصوير بأفكار لإشباع ما بداخي، وبالعكس أيضا في حالة النحت.

في مدخل المعرض عدد من قطع الحصان الخشبي الملون التقليدي الخاص بالأطفال. هل لهذا دلالة ما؟

 استبدلت عربات المترو بالحصان الخشبي، وهو موروث مهم في ثقافتنا الشعبية كونها إحدى الألعاب الشهيرة للأطفال. لم أكن أريد عمل محاكاة كاملة ووضع أشكال من عربات المترو، فكانت الرغبة في استبدال عربات المترو، أحد منجزات التطور والحداثة، بتصميم قديم. وجدت أن الحصان الخشبي سيحقق ما أريد، بالإضافة إلى أثره الحسي والسيكولوجي داخلي. لذلك، أحضرت مجموعة من الأحصنة الخشبية وقمت بتلوينها لتكون مقابل عربات المترو الحديثة.

قلت إن «آدم وحواء» هو مشروع حياتك، ويوجد بالفعل داخل المعرض تمثالان لأدم وحواء. ماذا عن ذلك؟

 الكون من حولنا تم تسخيره من أجل آدم وحواء، وكل ما في الكون يمثل رجلا وامرأة. يضم المعرض تمثالا لآدم بجواره حواء، وتمثالا آخر لآدم وحواء تتكون بداخله مثل الشجرة. أعتقد أن أي معرض سأقوم به، لو تواجد فيه العمل الخاص بآدم وحواء، سيكون متماشيا مع المعرض، لأنهما أيقونة كونية.

أعمالك النحتية يمكن تصنيفها «نحت حديث»، وهو اتجاه يصعب فهمه على المتلقي العادي. هل هو موجه لفئة معينة؟

 أي نظام إبداعي في الحياة له مستويات للإبداع ومستويات للتلقي. حتى المبدعين والمتخصصين يتنوعون في مستوياتهم الإبداعية والثقافية. وأنا كفنان لست ملزما بالتنازل عن فلسفتي ورؤيتي الشخصية التي وصلت لها بعد عناء طويل، كي أضمن مستوى معينا من المتلقي. على المتلقي أن يرتقي بثقافته الفنية ويثريها من خلال زياراته للمعارض الفنية لاكتشاف الفنون بأنواعها.

وأنا لا أصمم لوغاريتمات أو طلاسم، لكن أعمالي تناسب مستويات معينة من المتلقين. قد يشعر العديد من المتلقين عند رؤية عمل ما بأنه يشبه شيئا يعرفونه، ويبدأون في البحث عن مرادف له. وأشير إلى أن الفن الحديث يشبه رسوم الأطفال، وأغلب سماته مأخوذة منها، مثل الرمز والشفافية والبساطة والتسطيح، والجمع بين زمنين أو مكانين، واستخدام الكتابة والتكرار، وغيرها من السمات.

لديك محاولات في كتابة الرواية. هل العمل في أكثر من جنس إبداعي، خاصة بالنسبة لك، نحت وتصوير وكتابة، قد يؤثر أحدهما على حساب الآخر؟

النحت بالنسبة لي هو جملة بليغة لا تحتمل الحكي أو الفضفضة. أما التصوير واستخدام اللون والرسم، فهو يحتمل الفضفضة بشكل ما، لأنه محدود أيضًا. الرواية تحتمل كل شيء، تحتمل أن تكون بليغة وبها فضفضة وسرد ووصف وانتقال بالزمن والمكان.

شخصيا، لم أكن مدركًا أن لدي موهبة كتابة الرواية، لكن لعلاقتي بجماعة “العابرون” منذ عام 1999، وهي مجموعة تضم العديد من الكتاب والأدباء والمثقفين، كان لها الأثر الكبير. حيث إن تشجيعهم وقراءتهم لمحاولاتي حفزني على الكتابة. كما ساهم حضوري ندوات ولقاءات الجماعة، التي كانت تناقش العديد من الأعمال الإبداعية في مجال الرواية والشعر، في زيادة قدرتي على الكتابة الروائية. إضافة إلى أن تقييمي لمنتجي الشخصي أصبح مختلفا، وكذلك تقييمي لإنتاج الآخرين، لأن تراكم الخبرة أفادني بشكل كبير. لذلك، فإن تشجيع الأصدقاء في جماعة “العابرون” كان دافعا ومحفزا للدخول في مغامرة الكتابة الروائية.

هل للكتابة الروائية تأثير على أعمالك الفنية؟ وهل تعيد تقييم الأشياء بداخلك كل فترة؟

 بالطبع، يحدث تغيير كل فترة عندما نصل إلى أشياء جديدة، والتقييم الداخلي يحدث بشكل مستمر وبشكل تلقائي، فهو خط ممتد بداخلنا، خاصة عندما نراجع ما أنتجناه في السابق لنحدد ما وصلنا إليه الآن. على سبيل المثال، أصدرت روايتين وبصدد إصدار الثالثة، وكان لدي أفكار لـ6 روايات، وقد بدأت بالفعل الكتابة لتنفيذ تلك الأفكار لكنني توقفت بسبب أن منظوري اختلف.

والكتابة تجعلني أنظر إلى الفن التشكيلي من منظور مختلف، كما أنها تنشط خيالي تجاه النحت والتصوير. كذلك، علمتني الكتابة اختزال اللون في التصوير، وهي استفادة من التكثيف في السرد والوصف في الرواية. بالإضافة إلى أن الكتابة الإبداعية، التي تتسم بالبساطة والعمق، انعكست في لوحاتي، حيث أصبحت أختار الألوان الهادئة، وأصبحت المساحات اللونية بسيطة دون تفاصيل كثيرة مرهقة.

أما النحت وحالة الهدوء والروحانية التي أكون فيها خلال العمل في قطعة فنية نحتية، فتفيدني في أن الجملة التي أكتبها في العمل الروائي تكون غير مترهلة، مما يجعل القارئ لا يشعر بالملل. في النهاية، أرى أن جميع المجالات الإبداعية تقوم بمد وتغذية بعضها البعض.

 بصفتك عضو مجلس إدارة نقابة التشكيليين، ماذا لديك على جدول أعمالكم؟

هناك بعض المقترحات الهامة التي سنعمل عليها خلال الفترة المقبلة، وأولها هو النظر للمعاش المتدني الذي يحصل عليه الفنان التشكيلي، والذي نخجل من ذكره وهو مبلغ 75 جنيهًا. فهل هذا يليق ببلد أصله فن وحضارة؟ “عيب”. لذلك، نتطلع في الاجتماع الأول لمجلس الإدارة لمناشدة مجلس الوزراء ومجلس النواب، بوضع وديعة تخصص لمرة واحدة باسم نقابة الفنانين التشكيليين، بحيث يُصرف العائد منها على معاش الفنانين التشكيليين، حتى يصل إلى الحد الأدنى على الأقل لما تقره الحكومة.

المقترح الثاني، هو التوفيق بين الفنانين والجاليريهات الخاصة والنقابة. هناك مقترح لإنشاء عقد ثلاثي للأطراف الثلاثة يضمن حق الفنان، ولن نُكلف الجاليريهات الخاصة شيئا، بحيث يقوم الجاليري بتوريد نسبة 2% من مبيعات الفنان إلى النقابة، وهو الحق القانوني للنقابة، وبالمناسبة لا يتم توريده أصلًا. في المقابل، سنعطي لأصحاب الجاليريهات الخاصة عضوية النقابة الشرفية. هناك أيضا مقترح بأن يقوم كل جاليري بعمل معرض فني داخل النقابة، ونقصد من ذلك جذب جمهور جديد من رواد الجاليرهات والمعارض إلى مقر النقابة بدار الأوبرا والتعرف على النقابة ودورها.

ما هو رأيك في الدور الذي تقوم به وزارة الثقافة وقطاع الفنون التشكيلية فيما يخص الفن التشكيلي في مصر؟

 أعتقد أن دوره محدود للغاية. ولو قمنا بسؤال رئيس قطاع الفنون التشكيلية أو وزير الثقافة أو أي من نوابه عن آخر 10 دول فازوا ببينالي فينيسيا، أتحداهم أن يعرفوا الإجابة، رغم أن هذا الحدث الذي يقام كل عامين، هو الأهم والأضخم. وحتى إذا كان هذا ليس من اختصاص وزير الثقافة، فلابد أن يعرف ذلك رئيس القطاع.

يتقدم الشباب كل عام بمشاريعهم لنقوم بالاختيار منها للترشح للمشاركة في بينالي فينيسيا. فهل يعقل أنه لم يتم تنظيم ندوة واحدة حتى الآن لتعريف هؤلاء الشباب بهذا الحدث وأهميته، وكيف فازت الدول في الدورات السابقة؟ حتى يكون لدى الشباب الراغب في المشاركة الوعي الكافي به وكيفية المشاركة فيه، وهذا شيء مخجل.أمامنا عامان من الآن للاستعداد للمشاركة القادمة، وأطالب وزير الثقافة ورئيس قطاع الفنون التشكيلية بتنظيم محاضرات أو ندوات شهرية بواقع محاضرة كل شهر عن 20 دولة فازت ببينالي فينيسيا، لتقديمها للشباب، وبعدها نستقبل مشاريعهم ونقيمها.

أما بالنسبة لجوائز صالون الشباب التي تقدم للفائزين من شباب الفنانين على شكل جوائز مالية تبدأ من 5 آلاف إلى 10، فهي مبالغ زهيدة. أرى أن من يفوز بالمراكز الأولى يجب أن تنظم لهم زيارات خارجية لمدة أسبوع، يتم خلالها زيارة المتاحف والمعارض العالمية، بهدف تبادل الخبرات والتعرف على أحدث المبتكرات.

وأخيرا، أقول: “لا يوجد بلد في العالم ينهض بلا ثقافة أو فن”.

اقرأ أيضا:

على مدار يومين.. ورش عمل ومعرض حرف يدوية في مهرجان «تراث الفيوم»

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر