التشكيلية إيمان حكيم: «أهلي كانوا شايفين الرسم تضييع وقت!»
«إيمان حكيم»، فنانة تشكيلية جمعت بين أصالة التراث المصري وحداثة الفن المعاصر. منذ طفولتها، عشقت الفن وقررت أن تسلك طريقه رغم التحديات. قدمت أعمالا فنية مستوحاة من روح الصعيد، وشاركت في معارض دولية مثل بينال فينسيا وبينالي آرت ماليزيا. كما فازت بجائزة الفنان الدولي للسلام وجائزة عالم الفن في دبي عام 2017.. «باب مصر» أجرى معها الحوار التالي على هامش معرضها الأخير.
-
حدثينا عن أول معرض خاص بك؟
أول معرض لي كان أصعب خطوة في مسيرتي الفنية. كان عام 2006 في متحف أحمد شوقي، وافتتحه الفنان محسن شعلان. كنت قد توقفت لفترة طويلة عن الفن بعد زواجي لتربية أبنائي، لكنني كنت أواصل عمل بعض اللوحات، وشجعني أساتذتي على عمل معرض خاص بي لعرض أعمالي. كان المعرض بمثابة أول درجة في سلم الفن والمعارض. انتابتني وقتها العديد من المشاعر المختلطة من خوف وقلق وفرحة وتوتر، لكن عندما جاءت ردود الأفعال من حولي إيجابية تشجعت وفرحت كثيرًا.
-
حمل معرضك الأخير اسم «أسرار صغيرة»، ما دلالة هذا الاسم وعلاقته بالمحتوى الفني الخاص بالمعرض؟
الأسرار بطلتها دمية عمرها 1800 عام، والتي تعد جزءا هاما من تراثنا المصري. كانت الدمية تعبر عن تقاليدنا وثقافتنا المصرية. الدمية الصغيرة “العروسة” التي صنعتها أيدي أمهاتنا وجداتنا من القماش أو الكتان قديما، هي نافذة إلى عالم مضيء مليء بالحنان، قبل أن تتطور في أشكال كثيرة معاصرة. العروسة هي كاتمة الأسرار، تستمع وتنصت دائما، وهي الصديقة الأولى في حياة أي بنت. نجدها في المعرض لتبوح لنا بمفاهيم كثيرة عشناها ومازالت عالقة في ذاكرتنا.
-
وكيف تم توظيف العروسة في لوحاتك بالمعرض؟
قمت بتوظيف العروسة بعدة أفكار وطرق متنوعة ومختلفة. وبداية من التحضير للمعرض عام 2020 كانت الفكرة الرئيسية عن عروسة تقليدية في يد إحدى البنات تلهو بها، ثم تطورت الأفكار مع الوقت وظهرت العروسة في مناطق أخرى وقصص ومدلولات مختلفة. سنجد العروسة المستخدمة في منع الحسد في تراثنا الشعبي، والزار والمولد وغيرها.
العروسة في ثقافتنا الشعبية لها طابعها الخاص، حيث يضع صانعها جزءا من روحه فيها، كما أن لها مدلولا نفسيا كبيرا على نفسية الطفل، وأتمنى أن تنتصر عروستنا التقليدية المصنوعة بحب، والتي تحاكي ثقافتنا المصرية على مثيلاتها العصرية. وأرى أنه من الهام قراءة ودراسة تراثنا المصري ومحاولة إظهاره وتطويره.
-
كيف تصفين أسلوبك الفني وهل هناك تيارات فنية أو مدارس محددة أثرت على أعمالك؟
في البداية، تأثرت بالمدرسة التأثيرية وخاصة الفنان العالمي رينوار. بدأت القراءة عن الفن ومدارسه، وتطور أسلوبي مع الوقت. فقد بدأت بتأثيرية، ثم انطباعية، ثم تعبيرية. ومؤخرا، يصف البعض أعمالي بالتجريدية أو السريالية. يأتي كل هذا دون قصد مني، ولكن مع كثرة القراءة وتطور العمل.
-
ما هي المصادر الأساسية التي تستمدين منها الإلهام «الطبيعة، التراث، التجارب الشخصية..»؟
بالفعل، أستمد أفكاري من كل ما سبق. بالرغم من أنني أعيش منذ سنوات بالقاهرة، إلا أنني اكتشفت بداخلي مخزونا هائلا لفترة نشأتي بالصعيد وطفولتي. فأنا من مركز ملوي محافظة المنيا، وظهر ذلك في معارضي، كما تؤثر علي أيضًا المواقف التي أقابلها في حياتي.
-
ما دلالة تكرار شكل الطاووس كثيرًا في أعمالك؟
كنت أعيش لفترة في دبي، وكان الطاووس منتشرا بشكل كبير من حولي. ويمتاز الطاووس الذكر بالتباهي والاختيال لجذب الإناث حوله، وهو ما جعلني أربط بينه وبين الرجل الشرقي المتعدد العلاقات أو الزيجات، والمختال بمنصبه أو ما لديه من أموال لجذب السيدات الضعيفات. وقمت باستخدام تيمة الطاووس في العديد من لوحاتي كرمز للرجل. كان هناك معرض منفرد له تحت مسمى “الريشة”، ومعرض آخر تحت مسمى “الكوتشينة”. وكانت اللوحات عبارة عن لعبة الصراع ما بين الرجل والمرأة، ومن سيفوز؟ وهل ستنساق المرأة وراء الإغراءات التي يقدمها الرجل، أم ستنتصر لشخصيتها وكيانها الشخصي وقدراتها؟
-
ما هي التحديات التي واجهتك كفنانة، وهل تختلف تلك التحديدات عن تلك التي يواجهها الفنانون الرجال؟
تختلف التحديات التي تواجه الفنانات التشكيليات عن تلك التي يواجهها الرجال. يتمثل أولها في ضرورة تأكيد الفنانة وإصرارها على إثبات الذات، وفي نفس الوقت الحفاظ على الأسرة والمنزل ومسؤولية الزواج والأولاد وتربيتهم، وهو التحدي الأكبر. كما أن النظرة للفنانات من قبل الأفراد العاديين تكون نظرة سطحية. فقد كانت توجه لي الانتقادات من أفراد العائلة عندما يروني أرسم إحدى اللوحات. وكان ما يدور في أذهانهم “أنني ألعب وأضيع الوقت”، لم يدركوا أن لدي مشروعي وهدفي الخاص الذي أسعى لتحقيقه. وكان التحدي أن أجعلهم يحترمون ما أقوم به، ونجحت في تغيير ذلك بشكل ملحوظ.
-
الكثير من الفنانات يعملن بالتدريس في الكليات الفنية. هل ترين أن ذلك يجعلهن طوال الوقت مرتبطات بالفن والحركة الفنية، أم أنه يمثل عبئا خلال مسيرتهن الفنية؟
أنا فنانة حرة، لست مرتبطة بوظيفة ما. ولفترة ما كان يشغلني أنني لم أحصل على وظيفة حكومية، لكن مع الوقت أدركت أن المفيد هو أن أكون تشكيلية حرة، ولدي الوقت الكافي لإنجاز مشاريعي الفنية. وقد قمت بتجربة التدريس في وقت ما حيث حولت شقة صغيرة في منطقة شبرا إلى استوديو صغير كنت أعطي فيه دروسا في الفن، لكن ذلك كان أمرًا مرهقًا للغاية، بالإضافة إلى ضياع الوقت. وكان من نتيجته أنني لم أتمكن من إنتاج أي أعمال فنية، فأغلقت المكان ولم أفكر في العودة إلى تلك التجربة مرة أخرى، رغم إلحاح الكثير من الصديقات أن أعاود فتح الاستديو. لكنني قررت أن لا يكون الانشغال بالفن فقط ممارسة وإنتاجًا وليس تدريسًا.
-
هل هناك تعاون بين الفنانين في مجال الفن التشكيلي؟
أرى الآن أن العمل فردي، وليس هناك تعاون بين الفنانين بشكل كاف. وهناك مجموعات منهم منغلقة على بعضها فقط، وأصبحوا يشكلون “شللًا” لا يستطيع الكثير من الفنانين من خارج هذه المجموعة اختراقها، لكن قناعاتي هي أن العمل المتميز يفرض نفسه على الساحة، والأهم عدم انشغال الفنان بالسلبيات حتى لا يتعطل مشروعه الشخصي. الحل هو التجاهل وعدم التركيز في المشاكل، والنظر إلى الأمام.
-
هل تشعرين أن هناك موضوعات معينة تميل الفنانات المصريات لمعالجتها وطرحها؟ وما الذي يدفعهن لذلك؟
تتأثر الفنانات كثيرًا بالبيئة من حولهن، بما في ذلك العادات والتقاليد والموروثات الثقافية والمجتمعية. ويكون لدى الفنانة مخزون هائل من بيئتها التي نشأت فيها. المميز أن الفنانات يتعاملن مع الكثير من الموضوعات بعاطفتهن بشكل أكبر من الرجال، وخاصة فيما يخص قضايا المرأة والبعد الإنساني.
على سبيل المثال، عشت فترة في حي شبرا، كنت أذهب للسوق وأتجول فيه، وأنظر إلى بعض البائعات وهن يفترشن الأرض، وبعضهن يحملن أطفالهن أثناء البيع. كنت أتأثر كثيرا بتلك النماذج، ففي إحدى المرات رأيت بائعة تجلس مستندة إلى شجرة، واضعة يدها على خدها كأنها تحمل هم السنين. رسمتها وتخيلتها في إحدى اللوحات، وهي تجلس وأمامها “قرنبيط” على شكل جبل أو هرم، وتنظر بعيدًا. في خلفية اللوحة، رسمت أمها وأولادها وزوجها، وكأنها تعمل من أجل كل هؤلاء.
أرى أن الفنانة قد تتناول هذا المشهد بشكل إنساني وعاطفي من الداخل، أكثر من الفنان الرجل، الذي قد يصوره من الخارج كمنظر تركيبي للسوق أو وسط الطبيعة. براعة الفنان تكمن في تصوير الشخصية من الداخل، وليس فقط تصوير الملامح الخارجية.
-
التشكيليات المصريات العظيمات: إنجي أفلاطون، جاذبية سري، مارجريت نخلة، تحية حليم، عفت ناجي، وغيرهن كثيرات، هل ترين أن الفنانات المصريات الآن امتداد لهن؟
بالطبع، هناك فنانات معاصرات على الساحة الفنية الآن يتمتعن بالموهبة، مثل الفنانات “هيام عبدالباقي، ميرفت الشاذلي، سعاد عبدالرسول، أسماء دسوقي، هالة الشافعي”، وغيرهن الكثيرات. وقد أصبح للعديد منهن بصمة واضحة على الساحة الفنية، وهن يعبرن بقوة عن ثقافتنا وبيئتنا المصرية بشكل كبير.
-
هل ترين أن هناك وعيا كافيا لدى المجتمع بالفن التشكيلي؟
ليس بالقدر الكافي. أغلب الناس في المجتمع لا يعرفون عن معارض الفن التشكيلي شيئًا. على سبيل المثال، كنت أقوم بدعوة البعض لزيارة معرضي الخاص، واندهشت كثيرًا عندما سألوني عن تذكرة الدخول. ليس هناك ثقافة فنية، واقتصرت الثقافة الفنية على التمثيل والغناء، وليس على الفن التشكيلي. والدليل على ذلك هو كم المهرجانات الخاصة بالسينما والغناء، في حين أن الفن التشكيلي يقتصر في أغلب الأحيان على المعرض العام، الذي يتواجد فيه الفنانون المشاركون وأصدقاؤهم فقط، دون جمهور، ومع ذلك، هناك بعض المبادرات التي تهدف إلى جذب الجمهور إلى معارض الفن التشكيلي، مثل إقامة معارض في المولات التجارية أو خارج الصالات المغلقة.
-
وما هو الحل من وجهة نظرك؟
الحل أن يهتم الإعلام بالفن التشكيلي بشكل أكبر، من خلال برامج ولقاءات لفت الانتباه إلى هذا الفن. لماذا لا تهتم القنوات المعروفة ذات نسب المشاهدة العالية بإنتاج برامج عن الفن التشكيلي ورموزه؟ ولماذا لا يتم استضافة الفنانين التشكيليين في البرامج الشهيرة على غرار نجوم السينما والتلفزيون والغناء؟ لماذا لا يتم عرض بعض الأعمال الفنية الشهيرة لفنانين مصريين بين الفواصل، على سبيل المثال، لزيادة نسبة المشاهدة؟ ولما لا تهتم الدولة بإنتاج أفلام عن قصة حياة الفنانين التشكيلين ومسيرتهم الفنية، كما هو متبع في الغرب؟ لدينا العديد من الأسماء الشهيرة في مجال الفنون التشكيلية التي تستحق ذلك، مثل الفنان يوسف كامل، الذي أسس كلية الفنون الجميلة عام 1908، وعفت حسني، وسعد الخادم، ومحمود خليل، وغيرهم الكثير من الفنانين أصحاب القصص الملهمة.
-
هل هذا هو ما جعل بعض الفنانين يعتمدون الآن على صفحات السوشيال ميديا للترويج لأنفسهم وأعمالهم؟
قد تكون وسائل التواصل الاجتماعي مفيدة في تواصل الفنان مع الجمهور، ومعرفة المعارض الدولية والمشاركة فيها. لكنها أيضًا قد تكون ضارة في بعض الأحيان، حيث يتم من خلالها سرقة الأفكار والأسلوب. على المستوى الشخصي، تم سرقة بعض موضوعاتي عبر السوشيال ميديا، وهو ما جعلني أعرض أعمالا أقل وليس بكثافة.
-
هل تختلف تجربتك في عرض الأعمال الفنية داخل مصر مقارنة بالمعارض الدولية؟
المعارض في الخارج تمتاز بالتنسيق الجيد، كما أن أسلوب وطريقة العرض والاهتمام بالأعمال وصيانتها يلمسه الفنان بوضوح. في مصر، نفتقد إلى بعض هذه التفاصيل، مثل المساحات الكافية بين الأعمال، وأحيانا لا يتم الاهتمام بالإضاءة رغم أنها عنصر هام من عناصر إبراز جمال الأعمال الفنية، وخاصة اللوحات.