«قيمة التراث والتنمية المستدامة وآليات تنفيذها».. محاور منتدى التراث الأول بالقاهرة
تحت شعار “التراث والتنمية المستدامة” عقد جهاز التنسيق الحضاري منتدى التراث الأول، في إطار أولى احتفالات مصر باليوم العالمي للتراث، لمناقشة أهمية التراث وإمكانية الحفاظ عليه، وإيجاد عائد اقتصادي مناسب لضمان استدامة عملية التطوير، في حضور مهندس عاطف عبدالحميد، محافظ القاهرة، ودكتور غيث فريز، مدير مكتب اليونسكو بالقاهرة، وعدد من الخبراء المشاركين بالمحاور المختلفة، إضافة إلى نخبة من المعماريين وخبراء التراث من المجتمع المدني. وانقسم المنتدى إلى 3 جلسات أساسية.
المباني الأثرية
أكد الدكتور عباس الزعفران، عميد كلية التخطيط العمراني، متحدثًا عند دمج التراث العمراني بالتنمية الشاملة، أن أهمية التراث العمراني متمثلة في رفع القيمة الاقتصادية للمباني العقارية، وتأثير اجتماعي في منح ثقة الدول والأمة في نفسها بشكل عام وأيضًا أهمية حضارية وجمالية، مضيفَا أنه كلما زاد قدم المباني الأثرية زادت قيمتها.
وعرض الدكتور تجربة إنقاذ قصر البارون، التي حدثت بعد أن قامت وزارة الآثار بعرض اتفاق مع مالك القصر، الذي أراد أن يحدث فيها تطورات قد تخل بالقيمة الأثرية للمباني، وجاء الاتفاق بعمل تبديل بينهم، إذ منحت الدولة قطعة أرض تقدر قيمتها المالية بأكثر من قيمة القصر في سبيل الحصول على القصر ويصبح ملك للدولة حفاظًا على تاريخه وقيمته.
ومن هنا وجه الزعفران رسالة إلى أصحاب المباني التاريخية والعقارية قائلًا: في حالة التفكير ببيع المباني أو الانتفاع بها فلابد من عمل تعاون مع الدولة، من خلال تبديل يمنح مالك العقار قطعة أرض من أرض الدولة التي تقدر بملايين؛ في سبيل منحه للدولة كقيمة تاريخية لابد أن نحافظ عليه.
التجربة الإيطالية
أوضحت الدكتورة مونيكا حنا، خبيرة الآثار، والتي جاءت كلمتها عن التجارب العالمية في الارتقاء وإدارة المواقع التراثية، أنها شغلت منصب دكتورة في إحدى الجامعات في إيطاليا وعاشت حوالي 6 سنوات ونصف، متحدثة في البداية عن تجربتها الشخصية مع المباني الأثرية قائلة: “كنت أعيش في أحد البيوت الأثرية شكلًا وقيمة فكان محظور عليا أي عمل إضافي حتى ولو “دق مسمار”، فكانت هناك صعوبات كثيرة تواجهها في العيش داخل منزل لم يكن لها الحرية في تأهيله إلا أنها كانت سعيدة للقيمة الأثرية للمنزل.
وأشارت حنا أيضًا إلى تجارب عديدة لإيطاليا ساعدت على حفظ التراث بل زيادته، وذلك عن طريق تشكيل لجان قامت بحصر جميع ما تضمه البلد؛ وتحويله إلى أثر تبعًا لقيمته وتاريخيه أو شكل التراث، وعلى سبيل المثال أكشاك محطات القطارات تم تحويلها إلى أماكن وبازارات سياحية، يزورها آلاف السائحين الآن، وأيضًا محطة كهربائية كانت مهجورة من قبل العاملين، نظرًا لعطل المكان فيها إلا أنها تحولت أيضًا إلى تحفة أثرية، فضلًا عن تنظيم تشريعات تحمي المباني الأثرية.
22 عمارة عادت للحياة في وسط البلد
أما كريم شافعي، صاحب شركة الإسماعيلية لتطوير وسط البلد، قال إن الشركة تأسست عام 2008. نحب وسط البلد وأنها الرابط بين التسعينيات والوقت الحاضر ولابد من إنقاذ وسط البلد، بعيدًا عن المردود الاقتصادي الناتج عن ترميم العقارات، إلا أنه لابد أن تلتقي إرادة المجتمع مع فائده اقتصادية للمستثمر أو المجتمع، فتم عمل صندوق بإنشاءات العقارات وتطويرها.
“جنة من غير ناس ماتنداس”.. هكذا أكد وحكى عن رحلة التطوير، فوسط البلد هي المكان الذي يمر من خلاله جميع الطوائف والطرق شمالها وجنوبها وشرقها وغربها وفيها محطة القطار الرئيسية والمترو، إنها حقًا قلب العاصمة، تضم تراث عمراني ضخم مصمم على الطراز المعماري على إيدي مصريين ومصممين عالميين في النصف الثاني من القرن العشرين، المهم أن هناك فرصة لتحقيق قيمة اقتصادية.
أما عن السلبيات، تحدث الشافعي عن مشكلة ملكيات الأفراد؛ “كانت ملك لعائلات كبيرة أوي وورثتها كتيرة جدا، مما يصعب أخذ قرار تجاه العقارات سواء بيع أو شراء أو استغلال، غياب الصيانة تمام ونقص الخدمات مما جعل حالة المباني سيئة، إضافة إلى أن النسيج العمراني بدأ ينهار، 30% من الوحدات تم شراؤها من المالكين، و20% كانت مهجورة، و45% نشاطات إدارية وتجارية، و5% سكان فقط، والنشاطات الاقتصادية ضعيفة جدًا، تم شراء 22 عمارة في وسط البلد من أكتر العقارات المميزة في وسط البلد تاريخيا ومعماريا، تحقيق رؤية أن وسط البلد هي ملتقى جميع شرائح المجتمع، وعليه تم تطوير وسط البلد لكي تكون عامل جذب لجميع الشرائح حتي القادمين من الخارج”.
عملت الشركة على 3 مراحل لتطوير المبنى، مرحلة دراسة تاريخ المبنى من خلال صور قديمة أو حكي المواطنين على العقار بهدف استعادة الشكل القديم للمبنى، تحديد الاستخدام الجديد مكاتب أو فندق أو سكن، وأخيرًا منهجية الترميم، عقار أفينوس تقاطع شارع شامبيون مع محمود بسيوني، كان مبنى أيام قصر سعيد حليم مبني قبل ما يفتح، وهو ملك لرجل أعمال لبناني اسمه محمد صباغ وبعده قام ببيعه لآخر لبنابي، وكان هناك فندق في الثمانينيات اسمه أفينوس وبعدما تم إزالته أصبح العقار بهذا الاسم، وعملت الشركة على تطويره وسيتم تسليمه خلال أسابيع لمستأجر شركة نقلت حوالي 350 موظفا نظرًا لتميز الموقع، بالإضافة إلى مر كودك، وعقار 22 عبدالخالق ثروت، وعقار 33 شارع شريف.
الثقافة والفن من أهداف الشركة أيضًا لأنها هي التي تجمع الناس، فيتم عمل جولات في القاهرة التاريخية صباح كل يوم جمعة، مرشد يقوم بجولة لشرح مباني وسط البلد، وعمل مهرجان “ديكاف” في 2011 كمهرجان فنون معاصرة بدأ بـ4 آلاف زائر، وهذا العام أكثر وصل لأكثر من 50 ألف زائر.
ترميم البشر قبل ترميم الحجر
الدكتور محمد الكحلاوي، أستاذ الآثار والعمارة الإسلامية بكلية الآثار، الحارس الأمين على التراث المصري، قال “نرمم الحجر ونترك البشر”، الكل تحدث عن استثمار التراث وأهميته، وقليل من يتحدث عن المجتمع، مصر فقدت 30% من تراثها في الخمس الأعوام الماضية، في رأيه أن التراث أقدم من العقارات لأن الأثر صور عاكسة للتراث وليس العكس.
وأضاف أن القرآن الكريم أول من أشار إلى التراث، فالمجتمع لا يتعامل مع التراث على أن حرمه تحت مبدأ “الحي أبدى من الميت”، متابعًا كان في مشروعات لإعادة الحلول المقترحة للحفاظ على المناطق والأحياء، من خلال تطبيق قانون 4 لعام 1996 على أصحاب العقارات التي تم حصرها وتحصنت بقبول التظلم عليها؛ بأن يترك لأصحابها حرية تحديد المدة والقيمة الإيجارية، وبذلك سيشجع الملاك على التقدم للدولة لحصر مبانيهم والمحافظة عليها وصيانتها بدلا من العبث بها.
الثقافة هي الوحدة الأساسية للتراث
قالت الدكتورة نهلة إمام، إن الاحتفال باليوم العالمي للتراث بدأ منذ الثمانينيات، وبدأ الاهتمام بالتراث الثقافي منذ 1972 وأنصب الاهتمام بالآثار فقط، إلا أن اليونسكو بدأت في التوجيه إلى الاهتمام غير المادي وهو تفكير الناس بتراثهم وعاداتهم وتقاليدهم، وبدأت اتفاقية 2003 و2005، وهنا جاءت فكرة تسجيل التراث.
تسجيل التراث ليس فقط هو من يصونه، هناك سباق في تسجيل الآثار لا يوجد مجال لأنه ضيق جدًا، ومعايير اليونسكو مرنة وأهما أن اختيار القواعد والشروط التي تتفق من ثقافتك، وأضافت إمام مصر كلها تراثية لا يوجد منطقة بعينها تراثية وأخرى لا، بل بالعكس كلما زادت العزلة كلما كانت القرية ذات تراث أغنى وأعمق ومحافظة عليه من ناس وليس من الدولة، مؤكدة أن كل شيء له وحدة أساسية تمنحها الحياة، فالثقافة وهي الشيء غير المادي المانح للتراث المادي الحياة، وهي أيضًا الوحدة الأساسية للتراث.
توثيق تراث الصحافة المحلية
وجهت فاطمة فرج، مؤسس شركة ولاد البلد للخدمات الإعلامية، في بداية الحديث الشكر لجهاز التنسيق الحضاري، لأنه سمح أن يكون الإعلام جزء أساسي من المناقشة على غير عادة، دون الاقتصار على التغطية، وأن يكون من ضمن الأطراف الفعالة في معادلة إمكانية الحفاظ على التراث.
عرفت فرج “ولاد البلد” بأنها متخصصة في الصحافة المحلية، تعمل خارج القاهرة في أكثر من 11 محافظة، من مرسى مطروح حتى الأقصر منذ عام 2012، هدفها تقديم نموذج متخلف عن الصحافة المقدمة في القاهرة مبنية على تنمية مهارات الصحافيين المحليين لتقديم محتوى مهني وعالي الجودة لخدمة المجتمعات الخاصة بهم.
حملة عمارة البلد، كانت أولى محطات الشركة في الحفاظ على التراث، عن طريقها جرى التركيز على التراث المعماري الموجود في الأماكن المختلفة بعدة محافظات، قد تكون مسار اهتمام ولابد الحفاظ عليه أكثر من ما عليه في الوقت الحالي، من خلال الحملة تم توثيق المباني الأثرية في أماكن خارج الخريطة، ما جعل الجمهور يفتح مناقشة مع القائمين على الحملة عن أماكن معمارية متسائلين إذا كانت من الممكن ضمها للحملة.
تراث مدينة إسنا
مشروع إعادة اكتشاف الأصول التراثية لمدينة إسنا، هي محور عمل كريم إبراهيم، بشركة تكوين، بهدف الحفاظ على التراث العمراني بالمدينة وبصعيد مصر أيضًا، واستعادة أهمية الاقتصاد المحلي الذي مُنع بسبب قلة الدخل السياحي، والعمل على ترويج مفهوم السياحة الثقافية، والعمل على إحداث توازن بين التخطيط العمراني ومتطلبات التنمية المستدامة.
الإعلام والتوعية الأثرية
يقول عبدالمنعم، رئيس مجلس إدارة المصري اليوم السابق، إن التراث قضية أكبر من المناقشة، وهناك أربع ثروات متجددة منها الشمس، والمياه؛ والإنسان لابد أن يعلم جيدًا أن الله منحنا الثروة للحفاظ عليها، وفي حالة خيانة الأمانة فهو بذلك وقع في المعصية.
وأضاف أن الإعلام لم ينجح بعد في التوعية الأثرية، لأنها قضية تحتاج إلى تكاتف أكثر من ذلك من المجالات الأخرى كالتعليم.
التوصيات
قال الدكتور محمد أبو سعدة، رئيس جهاز التنسيق الحضاري، إن التوصيات التي خرج بها المنتدى كانت عديدة من أهمها وضع خطة عمرانية متكاملة تشمل نشاط السياحة الثقافية والاجتماعية، وتفعيل نص قانون 4 لعام 1996 على أصحاب العقارات التي يتم حصرها، ودعم الدولة لملاك الأماكن التراثية، والعمل على توعية وتنظيم ندوات للتوعية والإرشاد، والنظر إلى التراث وعدم إهماله، مع ضرورة الحوار والتواصل مع سكان الأماكن التراثية، والالتزام بقوانين حماية التراث التي أقرها المجتمع الدولي، فهم الشعب وتراثه الفكري وعاداته ومعتقداته وطرق الحفاظ على هذه الثروة الفكرية، من خلال تطور المعلومات الخاصة بالأماكن التراثية.