التحقيقات مستمرة في فرنسا: من يسترد تمثال رأس كليوباترا؟
اتسع التحقيق في قضية “شاهدة توت عنخ آمون” الجرانيتية المُحتمل أنها مسروقة، ليطال آثار مصر المُهربة في العالم، وبدء تحقيق دولي حاليًا لبيع قطع مصرية بقيمة 56 مليون دولار إلى متحف «اللوفر أبو ظبي» ومتحف «متروبوليتان للفنون» خلال الفترة من عام 2013 حتى 2017.
مستجدات التحقيق مع مدير «اللوفر»
استمرت التحقيقات الفرنسية، على مدار الأسبوع، مع «جان لوك مارتينيز» المدير السابق لمتحف اللوفر الفرنسي بتهمة الاحتيال وغسيل الأموال وشراء قطع أثرية يُزعم أنها مسروقة وضمها لمتحف «اللوفر أبو ظبي».
ووفقا لصحيفة “ذا آرت نيوزبيبر” قال مارتينيز خلال تحقيقات المكتب الفرنسي ضد الاتجار بالفنون: “أنفي بشدة جميع المزاعم، أنا أثق أنه ستتم تبرئتي من التهم الموجهة إلي”.
ورغم ذلك فإنه قيد الاستجواب المستمر، للتأكد من الشكوك التي أعرب عنها عالم مصريات عام 2019 عن مصدر شاهدة نادرة تحمل اسم توت عنخ آمون، والتي باعها كونيكي قبل ثلاث سنوات لمتحف اللوفر أبوظبي وقدم وثائق تدعي أنها تم تصديرها في عام 1933.
تقع التهمة الاكبر على مارتينيز باعتباره مشاركا في رئاسة لجنة المقتنيات الثنائية لمتحف اللوفر أبوظبي، ورغم أن مارتينيز ومتحف اللوفر ليسا مسؤولين قانونيًا عن بيع وملكية القطعة، إلا أنه ستتحمل النتائج كاملة دولة الإمارات.
ويضيف مصدر قانوني بالقضية للصحيفة الأمريكية: “لم تطالب مصر بأي تعويض، رغم أن هذه الآثار معروضة منذ افتتاح المتحف عام 2017″، وفي الوقت نفسه رفض متحف اللوفر أبوظبي الإدلاء بأي تعليق.
شاهد رئيسي
كذلك كشفت التحقيقات أيضا أن عالم المصريات الفرنسي «مارك جابولد» المتخصص في تاريخ مصر القديمة والأستاذ في جامعة بول فاليري في مونبلييه، هو المُحرك الرئيسي للقضية.
وبحسب مستجدات القضية، والتي نشرتها مجلة “إي آر تي” الأمريكية للفنون، فإن شهادة “جابولد” عن الشاهدة الجرانيتية والوثيقة الخاصة بها حال أنها مزورة أو أصلية سيكون لها النصيب الأكبر من حسم القضية.
ترجع جهود مارك في هذه القضية إلى قبل عدة سنوات إذ أبلغ متحف اللوفر عن المصدر الغامض لشاهدة “توت عنخ آمون” الجرانيتية، واشتهر بالتحقيق في القطع الأثرية المصرية المفقودة.
«لوفر أبو ظبي» ينضم للتحقيق
بعد ذلك، أعلن متحف «اللوفر» الفرنسي، أنه قدم التماسًا للانضمام إلى التحقيق الجنائي بصفته طرفًا مدنيًا، أملا في الحصول على تعويض مالي حال صدور حكم يدين المتحف مع عصابة آثار الشرق الأوسط المسروقة، وجاء القرار في سياق “شراء متحف اللوفر أبوظبي للآثار المصرية”.
ويضيف البيان: “يود متحف اللوفر التأكيد على الالتزام المطلق والثابت والمتواصل لخبرائه العلميين في مكافحة الاتجار غير المشروع بالأعمال الفنية. لا يزال العمل المُنجز على المستويين الوطني والدولي يمثل أولوية من أجل محاربة الجريمة المنظمة المتزايدة”.
متروبوليتان الأمريكي ينتفض
لم تتوقف آثار قضية “اللوفر” على فرنسا أو الإمارات فقط، إذ فجرت هذه القضية، اهتمام كل المتاحف حول العالم بضرورة التأكد من شرعية الآثار التي تمتلكها، وكان على رأسها متحف «متروبوليتان للفنون» الأمريكي. وبحسب مصدر مطلع على التحقيق، سافر محققون فرنسيون إلى نيويورك هذا الأسبوع للاستماع إلى عدة شهود، من بينهم ممثلو متحف متروبوليتان للفنون.
هذه الخطوة تعد مفاجأة سارة بعودة الآثار المصرية حال إثبات عدم شرعية خروجها من مصر، إذ يتولى مهمة التحقيق “ماثيو بوجدانوس” رئيس وحدة تهريب الآثار في مكتب المدعي العام، الذي بدأ التحقيق في التجارة بآثار مصر في عام 2013.
ووفقا لمجلة “اي آر تي نيوز”، كانت قد أدت جهوده إلى إعادة تابوت “الكاهن نجم عنخ” الذهبي إلى مصر، بعدما باعه الخبير الفرنسي “كريستوف كونيكي” مقابل 3.5 مليون يورو في عام 2013.
وعن كريستوف كونيكي هو نفسه الذي تم اتهامه، قبل عامين في باريس بتهمة التآمر والاحتيال وغسيل الأموال، مع شريكه اللبناني المتجنس بالألمانية، روبن ديب، مدير معرض “ديونيسوس” في هامبورج المملوك للتاجر “سيروب سيمونيان”.
وكدليل قوي على تساقط شبكة الاتجار بالآثار المسروقة من الشرق الأوسط، فإن “سيمونيان” ما زال محتجزا في باريس، منذ مارس الماضي، بنفس التهم.
بوجدانوس يتولى التحقيق
من جهة أخرى فإن تقارير بوجدانوس، أوضحت أن كونيكي وديب وسيمونيان هم جزء من “عصابة دولية لتهريب الآثار” والتي كانت قيد التحقيق على مدى السنوات التسع الماضية.
ويدعي بوجدانوس أن لديه أدلة على اللصوص المحليين في الشرق الأوسط، وكشف عن طرق التواصل مع التجار خارج مصر عبر إرسال صور عالية الجودة للآثار المصرية إلى ديب وسيمونيان عبر البريد الإلكتروني.
ويتكمل المحقق الأمريكي: “ولاتخاذ القرار عن شراء القطعة، يستشير ديب، كونيكي، وحال الموافقة يتم تهريب القطعة بعد ذلك غالبا عبر دولة مجاورة إلى هامبورج، حيث يتم ترميمها”.
ويصف روبن ديب بأنه مبتكر تاريخًا من التزييف ونسب ملكية الآثار، لبيع القطع الأثرية المسروقة في سوق الفن الدولي، ولكن دائما ما يتهرب ديب بادعائه أن هذه الآثار يتم بيعها من قبل مصدرين مصريين لهواة جمع الآثار الألمان.
كنوز مصرية تبحث عن وطن
بالعودة إلى متحف متروبوليتان، تثبت مستندات المبيعات للمتروبوليتان للفترة من عام 2013 إلى 2015، وجود 5 قطع مصرية مشكوك في شرعية بيعها، كان قد اشتراها المتحف الأمريكي عبر دار “بيير بيرجي”.
وهذه القطع هي لوحة لوجوه الفيوم لسيدة مقابل 1.5 مليون يورو، وخمس أجزاء من سفر الخروج المقدس مرسومة على الكتان مقابل 1.3 مليون يورو، وشاهدة جرانيتية تجسد الغناء أمام مائدة قرابين للإله حتحور مقابل 50 ألف يورو، وتمثال جيري للإله كيمت مقابل 250 ألف يورو.
ولكن حتى الآن رفض متحف متروبوليتان التعليق على مصير هذه القطع، واكتفى بسحبها من كتالوج العرض على الإنترنت. ولكن في الوقت نفسه يدعي متحدث باسم متحف متروبوليتان أنه تم خداع المتحف بهذه المؤامرة الإجرامية وأن المتحف كان متعاونًا بشكل كامل خلال هذا التحقيق وسيظل كذلك”.
6 قطع قد تكون مسروقة في “لوفر” أبو ظبي
بعد إتمام “كونيكي” عملية البيع لمتحف المتروبوليتان، بدأت اتصالاته لإتمام صفقة جديدة مع متحف “اللوفر أبو ظبي”، وتكونت من بيع 6 قطع بمبلغ يزيد عن 50 مليون يورو.
وبالفعل في عام 2014، اشترى المتحف لوحة من وجوه الفيوم لرجل مقابل ما يقرب من 2 مليون يورو، والمجموعة الجنائزية لأميرة من الأسرة 22 مقابل 4.5 مليون يورو.
في عام 2015، تم شراء “فرس نهر” صغير باللون الأزرق مقابل مليون يورو تقريبًا وتمثال لقارب جنائزي مقابل 200 ألف يورو، وفي عام 2016 تم إتمام صفقة شراء شاهدة جرانيتية للملك توت عنخ آمون.
من يسترد رأس كليوباترا؟
لم يتوقف كونيكي بهذا الحد، إذ نجح في عام 2018 في إتمام صفقة مع متحف أبو ظبي، واشتروا تمثال للجزء العلوي لتمثال رخامي لملكة بطلمية من المرجح أنها الملكة كليوباترا، مقابل أكثر من 35 مليون يورو.
هذا التمثال البطلمي كان يضعه كونيكي في منزله الفاخر في “أفينو مونتين” في باريس، ويبلغ ارتفاع 70 سم مما يعني أن طول التمثال كاملا بحجمه الحقيقي قد يتخطى 5 أمتار.
ولكن رغم إتما الصفقة بنجاح فإن وثيقة شراءها لا تتضمن مكان أو تاريخ الاكتشاف، ويذكر فقط نصا منسوبا إلى عالم المصريات الألماني “جونتر جريم”، والذي ادعى أن تاريخ العثور على الرأس البطلمية يرجع إلى عام 1971 أو عام 1972. بالإضافة إلى نص آخر للباحث “روبرت ستيفن بيانكي” يصف هذا التمثال بأنه يجسد الصورة الكاملة الوحيدة لكليوباترا.
هل سُرق خلال ثورة 2011
يظن الخبراء أن المطالب ستتزايد لضرورة التأكد من وثائق التمثال البطلمي أيضا، وهل واجه مصيرا مشابه للمصير المحتمل لتهريب شاهدة توت عنخ آمون خلال ثورة يناير 2011. رد الخبراء على هذا التساؤل، وأوضح خبيرا أثريا ألمانيا لصحيفة “ذا آرت نيوز بيبر” أنه شاهد هذا التمثال في ألمانيا عام 2008، وبالتالي لم يسرق خلال الثورة. وكان قد أصدر كونيكي شهادة موقعة من مايكل هوفيلر مولر، تفيد بأن تمثال توت عنخ آمون وتابوت الأميرة قد عُهد بهما إلى المتحف المصري بجامعة بون قبل عام 2010، ولكن لم يرد المتحف حتى الآن.
اقرأ أيضا:
ما وراء سجن مدير «اللوفر».. أوراق من قضايا مافيا آثار مصر في فرنسا