البهنسا أرض الشهداء وقباب "السبع بنات"
تصوير: أحمد دريم
مقامات دينية وجوامع تاريخية وكنائس قبطية وآثار رومانية وفرعونية تجمعوا في منطقة واحدة، مرت البهنسا بأكثر من حقبة زمنية كان بدايتها العصر الفرعوني ثم اليوناني الرومانى ثم القبطي نهاية بالعصر الإسلامي.
تقع البهنسا على بعد 16 كيلومتر من مركز بني مزار غربي المنيا، وبعد أن اجتزنا تلك المسافة، مستقلين أكثر من وسيلة مواصلات، التقينا سلامة زهران، مدير مفتشي آثار البهنسا، لتبدأ جولتنا من عند قبة محمد بن أبى ذر الغفاري، الذي يقع ضريحه أمام مكتب الآثار مباشرة.
توجد قبة محمد بن أبي ذر الغفاري، والتي بنيت على أعلى تل أثري داخل القرية، لنصعد إليه من خلال 3 سلالم فنصل للباب الخشبي الرئيسي وندخل بعد ذلك لنجد غرفة القبر على بعد متر تقريبًا.
الغرفة عبارة عن باب مربع من الداخل والخارج يعلوه 4 حنايا ركنية، لتدخل وتجد قبة الضريح وتحتها قبر محمد بن أبي ذر الغفاري، والذي يرجع نسبه إلى قبيلة بني غفار بالجزيرة العربية.
وفي الواقع لم نستطع أن نميز آثار البهنسا جيدًا، لأن أكثر تلك الآثار يقع وسط البيوت السكنية وبين الشوارع الضيقة والمنازل البسيطة.
انتقلنا إلى أهم مسجد في البهنسا وهو مسجد الحسن الصالح بن علي زين العابدين بن على بن أبى طالب، والذي أنشئ في القرن السادس الهجري والثانى الميلادي.
تقسيم هندسي
يحيط بالجامع – الذي يرجع إلى عام 332 هجريا- أربع واجهات، تضم الرئيسة الباب الرئيسي لدخول المسجد، وتنقسم الشرقية إلى ثلاث أقسام: الأوسط يتمثل في مدخل المسجد، أما القسمين الجانبين يحتوي كل منهما على ثلاثة شبابيك منافذ، وقد غطوا بمصبعات خشبية من الخرط، ويعقد مدخله والدخلات الحائطية بعقد ثلاثي.
تتميز واجهته بـ”السيمترية” أو “التطابقية” أو “التماثل”، أي نفس العدد في كل واجهة بالشكل والعدد والتكوين، والعقد نفسه في كل واجهة، كذلك يلاحظ أن الفنان المعماري وضع عمود في الزاوية احتراما وتنظيًما للطريق.
توجد مجموعة من الدوائر المستطيلة المفتوحة تسمى قمرية في أعلى واجهة الجامع، بينما ينتهي بمثلثات تسمى شرفات مسسنة على أشكال مثلثة.
فيما تحتوي الواجهة الثالثة “الشمالية” على مدخل، ولكنه ليس المدخل الرئيسي، إضافة إلى مدخل آخر يؤدي إلى الميضأة.
داخل الجامع
أما الجامع من الداخل فيتكون من صحن أوسط مكشوف يحيط به أربعة أروقة أكبرهم رواق القبلة، يشتمل على أربعة “باكات” أي مربعات تحدد الباكة؛ وهي المساحة المحصورة بين صفين من الأعمدة، البالغ عددهم 6، أما الروقان الجانبيين يشتمل على باكة واحدة، ورواق آخر 3 باكات.
كما يحتوى الجامع على أعمدة رخام وحجرية، تشتمل على تيجان مختلفة منها ما يشبه أوراق الشجر، وأخرى تشبه ورق العنب، والكورنسية، يعلوها صف من العقود النصف دائرية، ثم سقف خشبي مكون من براطيم خشبية، يضم دكة المبلغين، من الأساسيات ومكتبة جديدة.
أما عن القبلة فهى تتكون من محراب معقود بعقد نصف دائري، يليه المنبر وهو مستحدث خشبي، والمنبر القديم محفوظ في متحف الفن الإسلامي.
يضم الجامع مجموعة من المتويات الزجاجية حديثة الصنع للإضاءة، ولكن أهم ما يميز المسجد الكتابة على أحد الأعمدة نص تاريخ إنشاء المسجد وصاحب التأسيس من دم الغزال.
خطوة بخطوة نبتعد عن المدينة السكانية لنصل إلى التلال الرملية والحشائش الصحراوية، والتي تضم بداخلها عدد من القباب لشهداء من الصحابة والتابعين، أميزهم هي:
قبة فتح الباب
بعيدًا عن المنطقة السكنية وعلى أطراف القرية، سرنا على الطريق غير الممهد والحشائش الجبلية الشوكية لنصل إلى قبة فتح الباب.
فتح الباب هو عبدالرازق الأنصاري، وسميت قبته باسم فتح الباب لأنه عندما توجه الجيش الإسلامي إلى مدينة البهنسا كان أول من تسلل ودخل إلى الأسوار وفتح باب الحصن أمام الجيش، واستشهد ودفن في هذا المكان.
التخطيط المعماري
تبدأ القبة بقاعدة مربعة وتعلوها مناطق الانتقال وظيفتها تحول القاعدة المربعة إلى شكل مثمن، عبارة عن بلاطات من جذوع النخيل والأشجار يعلوها خوذه القبة دائرية، ويوجد بكل منطقة انتقال نافذة أو داخله حائطية معقودة بعقد منكسر، التركيبة خشبية أسفلها القبر أما باب الغرفة فهو حديث.
قبة أبان بن عثمان بن عفان
هو حفيد سيدنا عثمان بن عفان، تؤكد ذلك وثيقة ترجع إلى 973 هجريًا، وكان بالقبة مصحف شريف مكتوب بالخط الكوفي.
نزل إبان البهنسا، وكان معه خمسمائة ناقة و260 دينار ذهب و2 من العبيد وجارية.
قبة أبو سمرة والمئذنة
بعد قبة فتح الباب تفترش الأرض بأعشاب شوكية تأخذك إلى قبة أبو سمرة، أعلى تل جبل، حيث الأعمدة الخشبية الخاصة بترميمها.
داخل الأعمدة – الدالة على أعمال ترميم – توجد قبة عبدالغني بن سمرة البهنسي أحد علماء الفقه في العصر المملوكي، الذي تميز بعلمه وورعه ونبله ووقاره.
غرفة الضريح
عبارة عن بناء من الطوب الأحمر، تشتمل على قاعدة مربعة، أهم ما يميزها اتساع قطر الجدار، وهي التي تساعده على البقاء حتى الآن، وتوجد به منطقة انتقال تعلو القاعدة المربعة وهي عبارة عن عقود نصف دائرية، في كل ركن 4 عقود يتحول الجزء المربع إلى مثمن “8 أضلاع”، كل نافذة موجودة في كل ركن من الـ8 يعلوها خوذة القبة.
خوذة القبة عبارة عن خوذة دائرية تشتمل على العديد من الشروخ والانهيارات، وتشتمل أيضا على 4 أعمدة رخامية من الوسط، وتركيبة خشبية يوجد بأسفلها القبر، وتحتوي على زاوية صلاة وخلوة.
المئذنة
تتكون من 3 طوابق تقع في الركن الشمالي الشرقي من المسجد، تشمل الطابق الأول؛ عبارة عن قاعدة مربعة يعلوها طابق مثمن الشكل، به ثمان دخلات حائطية معقودة بعقود منكسرة، يعلوها شرفة خشبية دائرية يعلوها الطابق الثالث هو طابق أسطواني الشكل يعلوه قمة المئذنة؛ عبارة طابق أسطواني أيضا، أما الجزء الأخير يتمثل في الجوسق.
قبة أهل بدر
تحتوى على 10 قباب للذين شاهدوا غزوة بدر وجاءوا مع الفتح الإسلامي للبهنسا واستشهدوا، تحتوي على خلوه سقفه ملحقة بالقبة كان يقرأ فيها القرآن وترجع إلى العصر العثمانى.
وهى تسمى قبة محمد بن عقبة بن عامر الجهني،وفيها أسماء عديدة مثل عقبة بن عامر الجهني، القعقاع بن عمرو، وميسرة بن مسروق العبسى، ومالك الأشتر الربعي، وذو الكلاع الحميري، وهاشم بن المرقال.
السبع بنات
هى أرض صحراوية بها زواية ميل وانحدار، شيع عنها العديد من الرويات ومن بينهم أن هناك 7 بنات قتلوا على أيد الفرنسين وسالت دماؤهم على الأرض وصارت مباركة، وعلى هذه الرويات أنشأ الأهالي ضريح به 3 قباب في المنطقة، فأصبحت السيدات من جميع أنحاء المحافظات تأتي إلى السبع بنات لـ”الكحرته”، من أجل الحمل.
يقول سلامة مهران، مفتش آثار البهنسا، إن قرية القباب بقرية البهنسا تعاني من إهمال ترميمها منذ سنوات طوال، وعدم تحديد حرمها بأسوار يجعل منها مزارات لكل العامة، بالإضافة إلى أن الطرق غير ممهدة.
ويطالب مفتش آثار البهنسا إنشاء لوحات إرشادية لكل أثر، وعمل شبكة إنارة كاملة، وتركيب أبواب خشبية على القباب والاهتمام بالناحية التجميلة حول الآثار ووضع أسوار حديدية تحيط بالأثر.
البهنسا
كانت تسمى قبل الإسلام بمج أو بمجة وهى كلمة قبطية وينطق الحرفان الأخيران منها (م.ج) بالعربية و(هـ، س) ومن هنا سماها العرب المسلمون البهنسا، وفي أواخر العصر الإسلامى عرفت بالبهنسا الغربية تميزًا لها عن قرية صندفا التي عرفت بالهنسا الشرقية.
الفتح الإسلامي للبهنسا
عندما انتهى عمرو بن العاص من فتح مدن الوجه البحري أرسل إلى عمر بن الخطاب يطلب منه فتح الصعيد فأشار إليه إذا اردتم فتح الصعيد فعليكم بالهنسا وإهناسيا، وذلك لأنها كانت تُمتع بحصن منيع، وبلغني أن بها بطريقا طاغيًا سفاكًا لدماء يقال له البطليوس، كما أنهما معقل الروم إذا سقطتا سقط الروم جميعًا، فذهب عمر بن الخطاب لفتح البهسا وحاصرها حوالي 4 أشهر، وبعدها بدأت معركة طويلة قتل بها 280 رجلًا من قوات عمرو بن العاص، ثم فتحت البهنسا.