البصّارة.. رحلة سالي لتوثيق شخصيات التاريخ المصري المنسية
32 عاما قضتها سالي “البصّارة” في مجال الإرشاد السياحي كانت ملهمة لبدء مبادرتها في البحث الأكاديمي وتدوين المعلومات عن التراث المصري المنسي.. خاصة في حقبة القرنين التاسع عشر والعشرين.. سواء رموز شخصية أو أماكن بعضها أصبح مهددا بخطر المحو من التاريخ. ونوعت الكتابات بين التعريف ودق ناقوس الخطر.. وجاء ذلك في صورة أبحاث وتدوينات موثقة بالمصادر الأصلية تصبح فيما بعد مرجعا للباحثين ومحبي الآثار.
رموز القرنين 19 و20
«قراءة الفنجان لمعرفة الماضي والتنبؤ بالمزيد عن المستقبل».. هذا هو المعنى التي استلهمت منه المرشدة السياحية سالي سليمان اسم “البصّارة” ليصبح عنوانا لمشروعها التوثيقي التي بدأته منذ عام 2012.. ذلك من أجل التنقيب بين أوراق الماضي ومعرفة تاريخ أشخاص تم نسيانهم بين طياتها رغم دورهم الهام في المجتمع المصري.
ترى سليمان أن أغلب الاهتمام يكون بتاريخ مصر القديمة فقط ثم التاريخ الإسلامي والقبطي.. بدرجة أقل وتنتهي المعرفة العامة بعهد محمد علي، وتقول لـ«باب مصر»: “القرنين 19 و 20 أرى أنهما سقطا سهوا من الدراسات.. وليس على معرفة بتاريخهم سواء المباني أو الأشخاص سوى المتخصصين.. رغم أن قطاع الآثار الإسلامي يضم القبطي واليهودي والحديث”.
قدمت الكتابات في صورة مدونة متخصصة تحمل اسم “البصَّارة” في عام 2012.. واعتمدت خلالها على البحث الموثق وصفحة عبر موقع التواصل الإجتماعي “فيسبوك”. وتقول: “المدونة أصعب خلال العمل على تقديم مقالاتها خاصة أن الآثار الحديثة بالنسبة إلى الأماكن.. فهي إما مهجورة او مبان حكومية أما الأشخاص الذين لعبوا دور هام في العصر الحديث غير معروفين”.
ومن الشخصيات الهامة في القرنين الماضيين، الحاج أحمد يوسف مرمم مركب خوفو.. والحاج علي بهجت الرائد الأول للآثار الإسلامية في مصر.. والذي لم يتم ذكره أو تكريمه في المتحف الإسلامي.. كذلك أحمد كمال أول أثري مصر وهو معلم سليم حسن، “وغيرهم كثير ممن أفتخر بأنني استطعت الحديث عنهم وتوثيق تاريخهم من أوراق الماضي.. وتسليط الاهتمام الإعلامي عليهم” كما قالت.
دق ناقوس الخطر
“سيدة المهام المتعددة” هذا هو دور سالي في البحث والتدوين وإعادة الصياغة والكتابة الأخيرة.. حتى أنها أصبحت مرجعا للباحثين سواء في مجال العمارة أو الفنون الجميلة والهندسة. وتقول: “أقوم بإعداد كبسولة متكاملة من خلال البصّارة عن القاهرة التاريخية والآثار الإسلامية التي بعضها مهمل تماما”.
جابت سالي أنحاء مصر بحكم عملها في مجال الإرشاد سابقا ثم بغرض البحث والتوثيق.. وخلال هذه الرحلة تنبأت بالكثير من الأحداث. وتقول: “مما تنبأت به مصير الأماكن المنسية مثل هدم طابية فتح في أسوان.. ومشاريع الجبانة الفاطمية التي تعد نادرة، ومأذنة بلال في أسوان، والبجوات في الوادي الجديد.. وهو أثر نادر مبني من الطين بحاجة إلى ترميم عاجل”.
وتضيف أن ما يحدث في القاهرة التاريخية من مشاريع تهدد المقابر والجبانات يعد أمرا مخيفا بحاجة إلى المزيد من الدراسة، خاصة أن كل شاهد قبر يعد بمثابة شهادة عن الشخص حيث يحمل الاسم وتاريخ الوفاة وبمثابة بطاقة تعريفية للشخص الذي قد يعد رمزا تاريخيا.
مرجع للباحثين
اعتمدت خلال المعلومات والأبحاث التاريخية على البحث والتقصي للوصول إلى كل معلومة منها توثيق معلومات لأول عن شخصيات هامة ف يالتاريخ المصري لم يعيرها أحد اهتماما مثل، واستغرق الأمر الكثير من المال والوقت والجهد وتقول: “بعض الكتب والأوراق الأرشيفية يصل ثمنها إلى آلاف الجنيهات ولكن اعتبرها كنز يستحق أكثر من ذلك”.
المزيج بين المعلومات الأكاديمية والصياغة السلسلة للقارئ غير المتخصص جعل مدونة وصفحة «البصّارة» مرجعا لمحبي التاريخ والتراث، وبعد ملاحظتها لاستعانة الباحثين بمعلومات منها أرفقت كل مقال أو بحث بمصادره الأصلية، “البحث الواحد قد يستغرق مني أعواما من العمل نظرا لصعوبة إتاحة المعلومات ولهذا قررت مساعدة الباحثين بالإفصاح المصادر حال استعانتهم بها أيضا”.
“لماذا لم تنشري الأبحث والتدوينات في كتاب حتى الآن؟”، أجابت برفضها للتوثيق في صورة كتاب، وأن الهدف الحقيقي من الأبحاث الإلكترونية هو إمكانية إتاحتها لأكبر كم من الجمهور العام لقراءة معلومات موثوقة وبشكل مجاني، ولم تكتف سالي بالبحث والتدوين حيث تواجدت على أرض الواقع للتوعية بأهمية التراث، وتقول: “شاركت في العديد من المبادرات للتواجد على أرض الواقع ونشر معلومات وبعد ذلك انطلقت العديد من المبادرات لخدمة الهدف نفسه”.