الباخرة كريم.. مائة عام من الإبحار في النيل
على إحدى جانبي نهر النيل بالأقصر، تقف الباخرة كريم النيلية، متحدية الزمن والآلات الحديثة والتكنولوجيا، حافظة أسرار عصور مضت، وحكايات تاريخية لا تنسى، إذ تستقبل السفينة نزلاءها من مختلف الجنسيات.
وشيدت المركب عام 1917 في اسكتلندا، والتي أهدتها بريطانيا برفقة مراكب أخرى للملك فؤاد الأول، ثم آلت من بعده لابنه الملك فاروق، قبل أن تؤول ملكيتها بعد ثورة الضباط الأحرار في 23 يوليو 1952 إلى القصر الجمهوري، حيث استخدمها الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، ومن بعده الرئيس الراحل محمد أنور السادات، وزوجته السيدة جيهان السادات، قبل أن يتم بيع المركب في مزاد من وزارة الري إلى شركة سبرنج تورز للسياحة التي تستخدمها الآن، في رحلاتها السياحية بين مدينتي الأقصر وأسوان.
ورغم قدم الباخرة كريم الأثرية، التي كان يستقبل زعماء مصر ضيوفهم عليها، إلا أنها تعد مقصدًا للمتعة والاستجمام، خاصة مع تصميمها العصري المضاف إليه لمسات تقليدية أضفت على المكان رونقًا منقطع الجمال، إضافة إلى عملها بالبخار حتى الآن.
الباخرة كريم الوحيدة التي تعمل بالبخار في مصر
يقول محمد كمال، مدير الباخرة، إن “كريم” هي الوحيدة التي تعمل بالبخار حتى اليوم على مستوى المراكب العاملة في نهر النيل، فالباخرة السودان أضيف إليها محرك “ديزل”، بجانب البخار، مما جعل الباخرة كريم هي الوحيدة التي تعمل بالبخار في مصر.
وحسب مدير الباخرة، كان يطلق قديمًا على الباخرة كريم “المحروسة 2″، لكن الرئيس الراحل السادات، غيّر اسمها إلى كريم، ويقال أن كريم هو أحد المقربين للرئيس الراحل وأطلق اسمه على المركب تكريمًا له.
ويضيف أن الباخرة استقبلت في العهد الحديث، شخصيات مشهورة وعالمية، مثل ولي عهد النمسا، وحفيد رئيس وزراء تايلاند، وملكة سويزلاند بأفريقيا، أما في العهد القديم فاستقبلت ملوك ورؤساء ومجلس قيادة ثورة 1952، حتى آلت ملكية الباخرة إلى شركة سبرنج عام 1992.
ويشير كمال إلى أن ارتفاع سعر الرحلة على الباخرة، يرجع لقيمتها التاريخية وللتكلفة العالية التي تتطلبها معدات البخار، ومع ذلك فإنها غير مربحة، لكن الشركة مازالت متمسكة بضرورة تشغيلها للمحافظة على هذا الأثر.
ويوضح أن الجنسيات الإنجليزية تعشق “كريم”، فهم أكثر السائحين الذين يقضون رحلات بها، أيضًا الأمريكيون اهتموا بها في الآونة الأخيرة، حينما بدأوا بالاهتمام بالتاريخ الفرعوني.
احتفالية كبرى للمركب بحضور شخصيات عالمية
ومن المقرر إقامة احتفالية كبرى بمناسبة مرور مائة عام على إبحار “كريم” أول مرة بنهر النيل، مع بداية الموسم الشتوي المقبل، ودعوة شخصيات عالمية ومشهورة من أولئك الذين قضوا رحلة في كريم، أيضًا دعوة كل المهتمين بالباخرة وتاريخها من مختلف دول العالم، من خلال صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي تسمى “أصدقاء كريم”.
ويطالب مدير الباخرة كريم ، بتوفير قطع غيار لها وصيانتها، لأن هناك قطع غيار غير موجودة في مصر، مثل “الغلاية” ومعدات البخار، التي يضطرون لشرائها من إنجلترا، مما يكلفهم أموال طائلة، أيضًا ضرورة تخصيص مرسى للباخرة ترسو عليه بمفردها، لأنها أثرية ويجب الحفاظ عليها.
عشق أكثر من عمل يوفر دخل مادي
أكثر من 16 عامًا قضاها محمد فواز عبد العال، قائدًا للباخرة كريم، متوارثا المهنة من والده، ورغم قلة الدخل المادي الذي تدره عليه المركب بسبب الركود السياحي، إلا أنه رفض التخلي عن عمله، عشقًا للباخرة الأثرية.
يقول “عُرض عليّ أن أعمل في مراكب أخرى براتب أعلى لكنني رفضت، ولا أدري هل السر في المركب أم في أن والدي كان يعمل بها”.
ويضيف عبدالعال، أنهم يتلقون دورات تدريبية وملاحية كل ثلاث سنوات، لاستخراج رخص ملاحية، إضافة لخضوع المركب كل أربع سنوات لصيانة دوية بالقاهرة.
ويذكر قائد الباخرة مميزاتها التي جعلتها متفردة دونًا عن غيرها، والتي تتلخص في أثريتها وعملها بالبخار الذي يتطلب إبحارًا هادئًا بطيئًا يُمتّع السائحين، فالرحلة الواحدة من الأقصر إلى أسوان، تستغرق على الأقل أسبوعًا كاملًا، ثلاثة أيام في الذهاب وأخرى في العودة فضلًا عن رسّوها يومًا بمدينة أسوان.
مقصد للأثرياء
تاريخ الباخرة كريم السياسي جعلها مقصدًا لكافة السائحين البريطانيين والأثرياء من سائحي أميركا نظرًا لقيمتها التاريخية ولمشاركتها في احتفالية السد العالي، والتي لازمت كافة الملوك والرؤساء منذ عهد الملك فؤاد الأول، أيضًا احتوائها على خرائط وكتب قديمة ومعالم تاريخية ودعوات لحفل زفاف الملك فاروق، جعلها حقًا شاهدة على تاريخ قرنين من الزمان.
على مدى عقود كانت “كريم” باخرة ملكية، عظمة بهوها تذكرك بالعهد الملكي القديم، فالباخرة حافظت على لمساتها القديمة الساحرة، التي استقبلت بها زبائنها الأوائل قبل عشرات السنين.
2 تعليقات