أنقذوا «حنكوراب».. إنشاء فندق سياحي يهدد محمية «وادي الجمال»
شقيق برلماني يستولي على المحمية باللوادر والبلدوزرات

يبدو أن يد «التطوير» التي لم يسلم منها تراث مدينة القاهرة قد وصلت أخيرًا إلى أقصى الجنوب الشرقي لمصر وتحديدًا مدينة مرسى علم، حيث نشرت خلال الأيام القليلة الماضية على مواقع التواصل الاجتماعي الكثير من الصور التي تشير لوجود آلات حفر ومعدات ثقيلة داخل محمية وادي الجمال وبخاصة شاطئ حنكوراب، تمهيدًا لبناء فندق سياحي داخل الموقع الفريد.
الواقعة الأخيرة تبعتها ردود فعل كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي من جانب المهتمين بقضايا التراث والبيئة، الذين عبروا عن غضبهم مما يحدث، واعتبروا الأمر امتدادًا لمسلسل الهدر والتفريط المستمر الذي يعيشه تراث مصر -المادي منه وغير المادي- خلال السنوات الأخيرة. وقد وصلت هذه النقاشات لقبة البرلمان من خلال طلبات الإحاطة التي طالبت بضرورة تقديم تفسير لما يحدث داخل المحمية.
***
وبعد أيام من الصمت اضطرت وزارة البيئة المصرية لإصدار بيان صحفي حاولت من خلاله تبرير ما حدث، دون الإشارة أو تقديم أية تفسيرات للمخالفات التي جرت داخل موقع حنكوراب، ودون توضيح الخطوة التالية المتعلقة بفتح تحقيق من عدمه يخص المخالفات الأخيرة. وجاء في البيان أن أراضي المحميات الطبيعية تعد من ضمن أملاك الدولة العامة والتي يتم التعامل عليها وفق الضوابط والإجراءات المنصوص عليها بالقوانين المنظمة. وأضاف البيان أن جميع الأنشطة المسموح بممارستها تتم وفقًا لتلك الضوابط وبما يتفق مع الأغراض التي أعلنت من شأنها المحمية وبما لا يخل بالاستخدامات الطبيعية أو يحد منها أو الإضرار بالموارد الطبيعية بها!
وأضاف البيان الصحفي أن حنكوراب تعد أحد أهم المقاصد السياحية ذات الطابع البيئي، وهو ما يتطلب القيام بشكل دوري تطوير البنية التحتية التي يحتاج إليها الزوار مثل المظلات والمماشي البحرية وأماكن إعداد الطعام والعلامات الإرشادية ودورات المياه، بالشكل الذي يضمن تحقيق أقصى معدلات السلامة للزوار والحفاظ على الموارد الطبيعية وذلك في إطار خطة إدارة المحمية المعتمدة من مجلس إدارة جهاز شئون البيئة والتي تهدف إلى تحقيق التوازن بين متطلبات حماية البيئة وتعظيم الاستفادة البيئية والاقتصادية والاجتماعية من المحميات الطبيعية. وقالت الوزارة في بيانها إنها لن تسمح بأعمال أو إقامة منشآت تترتب عليها الإضرار بالمحمية وأن ذلك سيتم وفق اشتراطات بيئية تضمن ذلك!
على الجانب الآخر وحتى كتابة هذا الموضوع لم تقم وزارة البيئة بإزالة أيًا من التعديات التي جرى تنفيذها داخل موقع حنكوراب وذلك في تضارب واضح لبيان النفي الذي أصدرته يوم الثلاثاء الماضي!
بداية الواقعة
كيف بدأت الواقعة؟ سؤال طرحناه على الدكتور أيمن طاهر الخبير في مجال السياحة البيئية والغوص بالبحر الأحمر وأجاب: «الواقعة بدأت عندما أراد البعض فرض سياسة الأمر الواقع على شاطئ «حنكوراب» والذي يقع داخل نطاق محمية وادي الجمال إذ سعوا من خلال سياسة الأمر الواقع إلى بناء فندق داخل الموقع، وإرسال معدات ثقيلة داخله وذلك بالمخالفة لقوانين البيئة المصرية، ورغم التحذيرات استمرت المخالفات الصريحة لقوانين البيئة، وهذا الأمر دفع إدارة المحمية لتقديم بلاغ رسمي بالتعديات، التي تشمل إنشاءات غير مصرح بها داخل مناطق بيئية حساسة، ودون الحصول على أية تصاريح قانونية».
وأضاف «طاهر»: نتيجة لهذه المناوشات أصدرت نيابة القصير بمحافظة البحر الأحمر أوامرها بفتح تحقيق شامل حول البلاغ المقدم من إدارة محمية وادي الجمال بشأن التعدي على شاطئ حنكوراب وانتهاك القوانين المصرية الخاصة بالبيئة والمناطق المحمية، حيث جرى تسجيل البلاغ تحت رقم 2326 لسنة 2024 (جنح مرسى علم)، ووثقت إدارة المحمية قيام عدة جهات بالتعدي على شاطئ حنكوراب داخل نطاق المحمية الطبيعية.

قوة جبرية وطرد فوري
وأكمل: قبل أيام فقط من وقوع الانتهاكات وتحديدًا في نوفمبر 2024 أصدرت وزارة البيئة أول تصريح رسمي لإنشاء مشروع سياحة بيئية على شاطئ حنكوراب داخل محمية وادي الجمال، بالتعاون بين مجموعة استثمارية إيطالية والمجتمع المحلي المقيم داخل نطاق المحمية، بهدف تطوير وإدارة الخدمات السياحية في المحميات الطبيعية بشكل مستدام. لكن ورغم صدور التصاريح للمجموعة الاستثمارية الإيطالية إلا أنهم فوجئوا باستيلاء المستثمر «المجهول» على الموقع، وفرض رسوم دخول غير قانونية بقيمة 5 دولارات على كل زائر دون أي تصريح رسمي من الحكومة المصرية.
يرى أيمن طاهر أن السماح بالمشروع لن يؤثر فقط على النظام البيئي الفريد للمنطقة، بل سيضر أيضًا بمصداقية مصر على الساحة الدولية، خاصة في المحافل البيئية مثل مؤتمر الأطراف COPواتفاقية التنوع البيولوجي ومنظمة السياحة العالمية. إذ تمثل الشعاب المرجانية في شمال البحر الأحمر أملًا عالميًا في مواجهة أزمة المناخ، وهي تظهر مقاومة طبيعية للتغيرات البيئية التي تهدد 90% من الشعاب المرجانية في العالم بحلول عام 2050. هذه النظم البيئية تدعم ربع الحياة البحرية على كوكب الأرض، ويعتمد عليها مليارات البشر بشكل مباشر أو غير مباشر. لذلك فبناء منشآت سياحية داخل المناطق المحمية يهدد هذه الثروة الطبيعية، التي قد تكون يومًا ما مصدرًا لإعادة إحياء الشعاب المرجانية عالميًا.
ويستطرد: «رأس حنكوراب» هي وجهة مفتوحة لآلاف الزوار يوميًا، حيث تنظم الفنادق في مرسى علم رحلات منتظمة إليها، ما يجعلها مصدر دخل مشترك للعديد من المشروعات السياحية. وغلق هذه المنطقة أو خصخصتها من خلال تشييد فندق سيؤدي إلى تقييد الوصول إليها، وسوف يضر بالمستثمرين الآخرين والمجتمع المحلي. من ناحية أخرى، فالشعاب المرجانية في البحر الأحمر شعاب حافية، وهذا يعني أن الوصول إلى المياه العميقة يتطلب مناطق رملية نادرة مثل رأس حنكوراب، والتي تعتمد عليها العديد من المنتجعات في المنطقة.
إتاوة دخول (رسم دخول)
مصدر آخر مطلع بتفاصيل الواقعة حكى لـ«باب مصر» تفاصيل ما حدث وقال: فوجئنا ببعض الشباب من محافظة بورسعيد بالإقامة داخل منطقة حنكوراب بدون وجه حق ومعهم معدات تخييم وإعاشة. وقد استحوذوا على الأرض بوضع اليد رغم صدور تصاريح للمجموعة الاستثمارية الإيطالية «جورجونيا» باستغلال الموقع بشكل يتوافق مع طبيعة المكان.
وخلال تفقد المجموعة الإيطالية للموقع تم طردهم من جانب مجموعة الشباب السالف ذكرهم إذ تبين لاحقًا أن هؤلاء الشباب يعملون لصالح شقيق أحد أعضاء مجلس النواب. وقد اعتبروا أنفسهم الأولى باستثمار الموقع، وسمحوا بدخول معدات ثقيلة مثل اللودر مع إضافة رسم دخول للمصريين والأجانب بمعدل 5 دولارت للأجانب و25 جنيهًا للمصريين، وجرى تجاهل وزارة البيئة والمشرفين على المحميات. لذلك صدر قرار من جانب مسئولي المحميات بغلق منطقة الحنكوراب. لكننا فوجئنا بوزارة السياحة تسمح بإعادة فتح المنطقة مرة أخرى رغم أنها ليست الجهة المسئولة عن ذلك وهي ليست جهة تشغيل أصلًا داخلها!
طلب إحاطة
وكانت مها عبد الناصر عضو مجلس النواب قد تقدمت أول أمس بطلب إحاطة حول التقارير الصادرة بوجود تعديات كبيرة داخل منطقة رأس حنكوراب. وأوضحت النائبة أن التعديات لا تشكل خطرًا بيئيًا فحسب، بل تثير تساؤلات حول مدى التزام الجهات المعنية بتطبيق القوانين المنظمة للمحميات الطبيعية، وقدرتها على فرض سيادة القانون وحماية الثروات القومية.
وأوضحت النائبة البرلمانية أن محمية وادي الجمال، تُعد من أهم المحميات الطبيعية في مصر، حيث تتمتع بتنوع بيولوجي نادر وشواطئ بكر ونظم بيئية متكاملة، مما يجعلها وجهة سياحية وبيئية عالمية. ومع ذلك، أشارت إلى أن تقارير تفيد بوجود عمليات إنشائية مكثفة لإقامة منشآت فندقية وسياحية داخل المحمية، مما يهدد توازنها البيئي.
وأثارت النائبة تساؤلات عديدة حول كيفية تنفيذ هذه الأعمال داخل محمية طبيعية مصنفة رسميًا. وتساءلت عن موقف وزارة البيئة ومحافظة البحر الأحمر وشرطة البيئة من هذه التعديات، وما إذا كانت قد تمت الموافقة على هذه المشروعات بموجب تصاريح قانونية، وما إذا كانت هناك دراسات تقييم أثر بيئي تم إجراؤها وفقًا للقانون رقم ١٠٢ لسنة ١٩٨٣ بشأن المحميات الطبيعية.
وقالت عبد الناصر أن هذه التعديات ليست الأولى من نوعها، حيث شهدت المحمية انتهاكات سابقة، إلا أن استمرارها يشير إلى أن الإجراءات القانونية السابقة لم تكن كافية لردع المخالفين. وأشارت إلى أن هذه القضية لم تعد محل نقاش داخلي فقط، بل لفتت انتباه وسائل الإعلام العالمية، مما قد يؤثر على سمعة مصر في الوفاء بالتزاماتها الدولية لحماية البيئة.
وشددت النائبة على أن الحفاظ على المحميات الطبيعية ليس مجرد قضية بيئية، بل هو مسألة تتعلق بحماية مقدرات الدولة وضمان احترام القوانين. وطالبت الحكومة بإيقاف الأعمال التعدية فورًا، وتقديم توضيحات شاملة حول الإجراءات التى تم اتخاذها، وضمان عدم تكرار هذه الانتهاكات في المستقبل. وطالبت أيضًا بعرض الملف بشكل عاجل للمناقشة داخل مجلس النواب، واستدعاء المسؤولين المعنيين لتقديم إيضاحات واضحة، مع التأكيد على ضرورة التعامل مع القضية بجدية وحسم لحماية المحمية من أي استغلال غير قانوني.

سابقة خطيرة
من جانبها أطلقت العديد من الجمعيات المصرية المعنية بملف الحفاظ على البيئة والتراث حملات على وسائل التواصل الاجتماعي بهدف الحفاظ على المحمية. حيث أصدرت الجمعية المصرية لحماية الطبيعة بيانًا على الفيسبوك قالت من خلاله إن شاطئ حنكوراب والذي يعد أحد أجمل وأهم المواقع الطبيعية في مصر والعالم يتعرض لخطر جسيم يهدد مستقبله واستدامته بسبب تعديات غير قانونية تهدد النظام البيئي الفريد للمنطقة.
وأضافت الجمعية في بيانها أن الشاطئ المصنف عالميًا كوجهة رئيسية للسياحة البيئية والغوص، والذي يحتضن أنظمة بيئية نادرة من الشعاب المرجانية، وأماكن تعشيش السلاحف المهددة بالانقراض، أصبح اليوم مهددًا بسبب مشروع تجاري يجري تخصيصه لحساب منشآت خاصة على حساب البيئة وحق الناس في الوصول إليها.
وطالبت الجمعية في بيانها إنقاذ شاطئ حنكوراب من أية تهديدات ووقف الاعتداء واتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية هذا الكنز الطبيعي من أي تهديدات. كما وصف البيان ما يحدث بـ«سابقة خطيرة» قد تفتح الباب أمام تهديد أي مساحة عامة مستقبلًا لصالح استثمارات خاصة، أو حرمان الناس من حقها للوصول إلى أماكنهم الطبيعية والتراثية لصالح امتيازات حصرية للمستثمرين.
اقرا أيضا:
محضر رسمي ضد أعمال البناء في «حديقة المسلة» التاريخية بالزمالك