إيفا هابيل أول سيدة تتقلد العمودية في الصعيد: “اعطي ما لقيصر لقيصر وما لله لله”

إيفا هابيل .. فى الحلقة الثانية من سلسلة “عين الأعيان” نلقي الضوء على سيدة مصرية ملهمة لتفانيها فى حب الوطن وخدمته وايضا لكونها أول امرأة تتقلد منصب “عمدة” فى صعيد مصر.
تصوير: أحمد دريم

راجل بشنب وصوت خشن، تلك الملامح التقليدية لصورة العمدة وهو ذلك الرجل الحكيم المهاب ذو الجلباب البلدي والعباءة السوداء والعمامة الموضوعة على رأسه، الذى يلجأ إليه الجميع فى قرى الصعيد للفصل بينهم، ولكن تاتى إيفا هابيل كيرلس، ابنة كومبوها بمركز ديروط بمحافظة أسيوط لتطيح بتلك الملامح وتُقلد بمنصب أول عمدة سيدة بصعيد مصر.

تقول إيفا هابيل كيرلس، إنها تقلدت منصب عمدة قرية كومبوها لمركز ديروط في 2006 وقضت في العمودية عامين بصفتها عمدة رسمي للقرية وثلاثة أعوام آخرين قائم بأعمال العمدة بالقرية، وهي تعبتر أول سيدة تقلد بمنصب عمدة بصعيد مصر.

وتشير إلى أنها عينت عضوة بالمجلس المحلي بمركز ديروط من 1996 إلى 2002، وعضوة مجلس محلي محافظة اسيوط من 2004 إلى 2008، وعضوة بمجلس الشورى، 2010، منوهة بأن كرمت من قبل السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، في احتفالية المرأة المصرية عام 2017م .

إيفا هابيل من الإبتدائية حتى الكلية كيف كانت تلك المراحل بالنسبة لسيادتكم؟

كنت فتاة عادية جدا بسيطة، أخواتى الفتيات لم يكملن تعليمهن بسبب عدم وجود مدرسة وأنا أول دفعة تلتحق بمدرسة بديروط بعد افتتاحها، وقد قضيت في القرية حوالي 6سنوات وسافرت إلى القاهرة لإكمال تعليمي وبعد الانتهاء من المرحلة الثانوية التحقت بكلية الحقوق بجامعة عين شمس، وتخرجت من الكلية وعملت كمحامية بإحدى مكاتب المحاماه بالقاهرة، وقررت السفر إلى العراق والإقامة مع بنات عماتى لتحقيق ذاتى واستقلالي المادي.

وتؤكد أن والدها قابل قرارها السابق بالرفض التام، مضيفة “كان لدي إصرار على قرارى فجعلت أحد رجال الدين بالقرية يتدخل حتى يجعل والدي برصى، فقال له: هى كدا كدا في القاهرة ومتغربة والغربة في القاهرة زى الغربة في العراق خليها تروح تحقق حلمها، وبالفعل استطاع التاثير على والدى وسافرت إلى بغداد مع بنات عماتى وعملت بمكتبة تصوير وطباعة الأوراق”.

وتضيف أنه في بداية العمل وجدت صعوبة في التعامل مع آلة التصوير ولكن سريعا ما تعلمت، وفي يوم تقابلت مع أحدهم وتحدثنا وقال لى إن هناك شركة ببغداد تتطلب “خريجى حقوق” وبالفعل تقدمت وتم قبولى للعمل بالشركة واستطاعت من خلال ذلك العمل تحقيق ما كنت أرغب به وعند مرض والدى قررت العودة.

عايزين نتعرف على سيرتكم الذاتية والمؤهلات الدراسية الحاصلة عليها؟

حصلت على ليسانس الحقوق جامعة عين شمس عام 1980 م وحصلت على الكثير من الدورات التدريبية من المجلس القومي للمرأة، وسافرت خارج البلاد لتلقي دورات تدريبية للمرأة، وكنت عضوة بالحزب الوطني في عام 1994، ثم تقلدت منصب أمينة المرأة بالقرية، وبعدها ترشحت لعضوية مجلس محلي لمركز ديروط، ثم ترشحت لعضوية مجلس محلى المحافظة عن الحزب الوطني، وتم تكليفي بالقيام بأعمال أمينة المرأة بالمركز، ثم تقدمت في 2006 لمنصب العمدة، وفي 2010 أصبحت عضوًا بمجلس الشوري بالتعيين.

 ما هى المهام التي يقوم بها العمدة في القرية؟

للعمدة مهام كثيرة بالقرية من ضيافة وخدمات ومتابعة والحفاظ على أمن القرية ولكن الأهم من كل هذا هو المقدرة على حل الخصومات والمنازعات بين الأهالي.

ما هى الجهة الرقابية التي يتبع لها العمدة؟

الجهة الرقابية التي يتبع لها العمدة وزارة الداخلية.

كيف تم اختياركم للتقلد بمنصب عمدة قرية كومبوها؟

توفي والدي عام 2002م وفتح باب الترشح لاختيار العمدة الجديد للقرية وتم اختياري لمنصب عمدة قرية كومبوها بمركز ديروط من بين 5 مرشحين، من بيهم أخي الذي كان يعمل ضابط جيش ويقيم بالقاهرة، وأربعة آخرين، أحدهم يعمل ناظر مدرسة والثانى مدرس والثالث موظف بوحدة غسيل الكلى.

وتضيف: كنت أرى أننى الأصلح للعمودية بين الخمسة مرشحين فأنا حاصلة على ليسانس الحقوق وكان لى خبرة بالمشاركة السياسية الإيجابية وتم تكليفي كأمينة المرأة بالمركز ، وعملت عضوة بالمجلس المحلى ، وعضوة بالحزب الوطني وفي إحدى اجتماعات الحزب تقابلت مع الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك وأعلنت له ترشحي لمنصب العمدة للقرية فابتسم الرئيس والحضور، ما شجعنى على الصمود على قرار الترشح، وبالفعل تقدمت قبل غلق باب الترشح بقليل، وكان في ذلك الوقت نبيل العزبى محافظا لأسيوط الذي قابل فكرة العمودية لسيدة بالقبول، وبعد إعلان النتيجة تلقيت اتصالا هاتفيا من الوزارة يفيد باختيارى للتقلد بمنصب عمدة كومبوها.

 كيف كانت بداية مشوارك في العمودية؟

والدي كان عمدة وفى نهاية 2001 تقريبا كان مريضا ودرجة حرارته عالية تصل إلى 40 درجة مئوية، ونشب خلاف بين شخصين بالقرية المجاورة إلى قريتنا ففر أحدهما هاربا ولاحقه الاخر يحمل سلاحا حتى وصل إلى الشارع وأطلق عليه النار وأصابه وهرب، وبسبب الظروف المريضة لوالدى لم يستطع الذهاب لموقع الجريمة،  فأتى إليه مشايخ القرية بروون له ضخامة الموقف، وفي تلك اللحظة قال لى “قومى انزلى وشوفي الوضع هناك إيه علشان لما أكلم المركز أكلمه بالوضع الموجود” وبالفعل ذهبت مسرعة إلى مكان الحادث للمعاينة فوجدت شخصا ملقا على الأرض ملطخا بالدماء، وهو شبه ميت، وعدت إلى المنزل ووصفت لوالدي ما رأيته والخفر الواقفين في أماكنهم حول مسرح الجريمة، وكان هذه هي بداية قرارى للترشح حيث إن المرأة تستطيع أن تكون في أي مكان ولا يصعب عليها شئ.

كيف كانت نظرة أهالى القرية للمرأة كعمدة؟ 

كنت واحدة منهم ولست بعيدة عنهم، وأهالى القرية لم ينظرون إطلاقا بمنظور أن هذه سيدة وهذا رجل ولكن ينظرون دائما إلى من يمكنه أن يكون أمينا في المنصب، وكان لدى أبناء القرية وعيا ثقافيا مرتفعا، ونسبة التعليم بها عالية وكانوا يتعاملون معى بكل ثقة، غير أننى كنت أعمل بالمحاماة وذلك ساعدنى كثيرا، وعند تقلدى منصب عمدة القرية كان الأهالى في قمة السعادة ، وكان الأكثر تقبلا لى كعمدة الرجال الذين كانوا يأتون منزلي للفصل في الخلافات، وكنت أجد سهولة فى الفض بين منازعات الرجال عن خلافات السيدات، ففي الحالة الأولى كان أحد الطرفين يتنازل والآخر يقوم بالتعويض، بعكس السيدات فكل سيدة لا تقبل التنازل إطلاقا.

كيف تقيمين تجربتك فى العمودية؟ وما هى رسالتك لمن تريد خوض التجربة؟

تجربة ناجحة جدا من وجة نظرى، حيث قضيت عامين كعمدة رسمية للقرية وثلاثة سنوات قائم بأعمال العمدة وعضو مجلس شورى، وأرى أننى استطاعت في الفترة التى تقلدت فيها منصب العمدة أن أثبت للسيدة المصرية الأمينة قدرها، حيث يمكنها أن تكون في أي مكان أو منصب، ورسالتى لمن تريد خوض التجربة أن تكون أمينة وتعرف مقدار نفسها وقبل الترشح لأى منصب سواء أكان العمودية أو منصب آخر، يجب عليها أن تسال ذاتها هل أنا أصلح لذلك المنصب؟ هل يمكننى أن أكون أمينة فى العمل به؟

من أكثر سيدة أثرت في حياتك؟

ليس هناك أى سيدة من سيدات المجتمع أثرت في حياتى، لأننى أرى أن لكل سيدة شخصية تختلف عن الأخرى وبطبيعة شخصيتها تستطيع أن تخوض التجارب ولا أرى أي منهم يستطيع أن يكون مثل أعلى لى لأنى أجد فى والدى المثل الأعلى دائما فهو الشخص الوحيد الذى استطاع أن يؤثر في شخصيتى بشكل كبير.

ما هى أكثر مقولة أو حكمة أثرت في رحلتك؟

“اعطى ما لقيصر لقيصر وما لله لله” وهى المقولة التى أستطيع من خلالها الفصل بين الدين والدولة، لأن الدين لله والوطن للجميع.

“لو العمدة قوي ما بيصعدش الأمور للداخلية” كيف تعاملتي في ضوء هذه العبارة؟

بالفعل العمدة الأمين والحكيم هو الذى يستطيع وأد المنازعات والخلافات بين الأهالى بالقرية دون التصعيد للجهات الأمنية.. وفترة تولي منصب العمدة لاتوجد مشكلة من مشاكل القرية تم تصعيدها للداخلية.. لأن المشكلة عندما تصل للأمن تدخل فيها النيابة والقضاء وجهات أخرى.. وكنت دائما أحل المنازعات بالقرية دون تصعيد، لاسيما مع ايمان الأهالي وتقبلهم لحلولي.

نشب خلاف بين شاب مسلم وقبطي كاد أن يصل الى فتنة طائفية.. كيف استطعتى إنهاء تلك المشكلة؟

انا لا أسمى تلك المشكلة بالفتنة الطائفية.. هي مجرد خلاف بسيط نشبت من شابين أحدهما قبطى والآخر مسلم.. وحلها كان بسيطا جدا بالنسبة لى.. حيث أخذت الشابين إلى منزلى، وصرفت جنيه الاهل.. وكان الأهالي متخوفين من أن أسلم الشاب للأمن.. لكن كل ما فعلته أن تركت الشابين 9 ساعات بإحدى غرف المنزل فدخلنا إليهم.. لنجدهما جالسين بجوار بعضهما البعض متصالحين يتحدثون وانتهى الخلاف بينهم نهائبا.

ما هى أكثر المعوقات التى واجهت سيادتكم فى فترة تقلدك بمنصب عمدة؟

لم اجد أى من الصعوبات أو المعوقات في فترة عملي عمدة قرية كومبوها.

ما هى أجمل حاجة في الصعيد؟

الهدوء والهواء النقي.

وما هو أكثر شئ يحتاجه الصعيد؟

الصعيد مفقود بالنسبة للدولة، وهناك الكثير من مطالب الأهالى، من رصف الطرق وتوفير كوب ماء نظيف وصرف صحى.. وبالنسبة للدولة فالمدن المميزة هي القاهرة والاسكندرية والجيزة والعواصم الكبرى في بحري فقط.

رغم وجود عمدة آخر لقرية كومبوها، هل يلجأ لك الأهالي عند الوقوع في مشكلة؟

العمدة الحالى له منى كل احترام وتقدير، وربنا يكمله له مدته بخير.. نعم هناك بعض أهالى القرية يأتون لي لسماع رأيي فى بعض المشكلات.. ولكن ليس باعتباري عمدة بل باعتباري الأستاذة إيفا المحامية.

رسالة حضرتك لجموع الشعب المصري؟

على الشعب المصر التحلى بالأمانة والصبر.. وأن كل فرد فى المجتمع يقوم بدوره بأمانة ليس أمام ضميره فقط بل أمام الله.. لأن الضمير يختلف من شخص لآخر.. كما يجب تنشئة الأطفال على الأمانة والانتماء للوطن.. لأن من وجهة نظرى أن الفساد ليس السرقة فقط.. بل إنه يتمثل في صور كثيرة كفرد يأكل اللب ويلقى بالقشر في أرض القطار.. وسيدة تلقي بمياه الغسيل على طريق رصف حديثا.. وتخريب معالم البلد الجميلة، فلو تم الحفاظ على كل هذه الأشياء سيوفر على الدولة الكثير من الأموال.. كما أدعو جموع الشعب المصري بالحفاظ على كل ماهو جميل ببلدنا مصر.. لأن من تغرب خارج البلد سيعرف جيدا قيمة كل تلك الأشياء.. والانتماء للوطن ليس بإلقاء الأناشيد والأغانى الوطنية بل بالعمل وبذل الجهد للارتقاء بالبلد.

مشاركة

تعليق واحد

  1. تنبيه: fenix168

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر