«إياك والزواج من كبيرة القدمين»: كيف رأت «مينيكه شيبر» النساء في الأساطير؟
تحلل الكاتبة والباحثة الهولندية «مينيكه شيبر» موضع ومكانة المرأة في الأساطير. تحركها أسئلتها، حول جذور تكون الفكر الذكورى من خلال هذه الأساطير التي أصبحت بديهية حتى ندر مسائلتها. يغري “شيبر” تتبع التحول الذي تسبب في تغيير دفة السيطرة والقيادة. لا تمل من التحدث عن أصل الحكاية، وعن أصل الخلق وعن الأنثى.
ناقشت “مينيكه شيبر” في مكتبة الإسكندرية، كتابها الجديد “تلال الفردوس- تاريخ الجسد الأنثوى بين السلطة والعجز”. الصادر عن دار صفصافة، ومن ترجمة الشاعر والكاتب عبدالرحيم يوسف. الذي ترجم وعلق على المحاضرة.
هذه ليست أول زيارة لـ”شيبر” في مصر لكنها الأولى في الإسكندرية.
تلال الفردوس
درست “مينيكه شيبر” الفرنسية والفلسفة في جامعة أمستردام الحرة. ثم درست الأدب المقارن في جامعة أوتريخت. وبدأت حياتها المهنية في تدريس الأدب الفرنسي والإفريقي في جامعة الكونغو الحرة (بين عامي 1964 و1972). وحصلت على درجة الدكتوراه في أمستردام عام 1973، وكتبت الأطروحة الأولى في هولندا عن الأدب الإفريقي. وفي عام 1988 أصبحت أول أستاذة للدراسات الأدبية بين الثقافات في هولندا، في جامعة أمستردام الحرة. وفي عام 1993 انتقلت إلى جامعة ليدن.
يقول عبدالرحيم: “اهتمت شيبر في كتابها المكشوف والمحجوب، بفكرة الخجل من الجسد عند الرجل والمرأة. وفي كتابها الثاني -من بعدنا الطوفان- كان تركيزها منصب على حكايات الخلق”.
ويرى أن الثلاثة كتب الذين ترجمهم لـ”مينيكه شيبر” مرتبطين بكتاب “إياك والزواج من كبيرة القدمين”، الذي يناقش كيف تنظر الأمثال الشعبية في ثقافات متعددة للمرأة وجسدها في مراحل مختلفة من حياتها. ويخبرنا أن كتاب تلال الفردوس مختلف، حيث تُلقي “شيبر” فيه نظرة واسعة المدى على القصص والأساطير، المتعلقة بأجزاء الجسد والقدرات التي منحتها الطبيعية للنساء.
فيما تخبرنا “شيبر” أن عنوان كتابها الجديد مستوحى من أغنية لطالب من العصور الوسطى. تقول كلماتها:
صدرها البدري يضيء بنعومة
والنهدان يرتفعان برقة مثل تلال الفردوس
آه من متع هذا الامتلاك.
اقرأ أيضا|بدرية السيد وحميدة موسى في معرض «سلام إسكندراني»
ما نتشاركه وما لا نتشاركه
سؤال “شيبر” الأساسي في كتاب تلال الفردوس هو ما الذي نتشاركه نحن البشر سويا؟ فبالرغم من الاختلافات الثقافية الكبيرة، هناك تشابهات تجمعنا. لكن عبر تاريخ الإنسانية جرى تغير في السلطة والعجز لكلا الجنسين.
تجادل “شيبر” أنه بالرغم من هذه التقلبات السلطوية، إلا أنه قليلا ما كان لدى النساء تأثير واضح على التراث المكتوب. وأن الأساطير لعبت بطريقة ماكرة دورا رئيسا في تشكيل أفكارنا عن أنفسنا. وتخبرنا أن أغلب ما قيل وكتب عن الجسد الأنثوي يعود في الأصل إلى مصادر ذكورية أو تلون بوجهات نظر ذكورية.
تعطي “شيبر” مثالا على هذا فتقول: “في يومنا هذا يتم الامتثال للأساطير وللأمثال الشعبية حينما يتعلق الأمر بالعثور على زوجة. فيمتثل الرجل بوعي أو بطريقة لاشعورية لهذه الأمثال، فيبحث عن امرأة أقل منه في المكانة أو التعليم”.
وتستطرد: هناك مثل صيني يقول: “امرأة بدون مواهب تبلي بالفعل بلاءًا طيبًا. ومثل إفريقي يقول: إياك والزواج من امرأة قدمها أكبر من قدميك. أرى أن الأمر له علاقة بالمواهب لا بالقدم الكبيرة تحديدًا، بمعنى أدق إذا كان للمرأة مواهب فعليها تغطيتها”.
النساء والحجر
تذكر “شيبر” أنه قبل تدوين أقدم الصلوات كان هناك بالفعل صورا للنساء منقوشة على الحجر أو العظام أو العاج. نساء ذوات أثداء وبطون وفروج بارزة. يبلغ عمرها عشرة آلاف إلى عشرين ألف عام، عثر عليها في أماكن كثيرة حول العالم.
وتابعت: في عام 2008 عُثر في تجويف صخري غرب ألمانيا، على تمثال صغير منحوت على ناب ماموث خشن، بارتفاع حوالي 6سم، مكسور إلى ثمان قطع. عمره بين 35 إلى 40 ألف سنة. وهو الأقدم في سلسلة من تماثيل الأمهات التي يدعوها الأثريون “فينوس”.
هذه التسمية لا تعجب “شيبر” فتقول: “هناك مفارقة تاريخية وإشكالية في هذه النقطة، ففينوس “إلهة الحب” هي مجرد واحدة من الربات الرومانيات ممن لهن إله له مكانة سامية، وأتت بعد زمن طويل من نحت هذه التماثيل، لذا فإن التسمية بتمثال الأم الحامية وربة الخصوبة يبدو أنسب لهن”.
الربة كأم
يبدو أن صورة البشرية الأولى عن الحياة تتمثل في الأمومة. حيث تظهر صور الولادة والرضاعة بشكل متكرر عبر العصور في ثقافات متعددة.
تشير “شيبر” أثناء المحاضرة لصورة معروضة على الشاشة، لتمثال امرأة ذات ثدي وبطن بارزة، جالسة على كرسي، بينما ذراعها متكئة على لبؤتين كدعم لها أثناء الولادة. ترى “شيبر” أنه رغم انعدام الصلة بين البشر في العصور الأولى، إلا أن الربة القوية المتمثلة في شكل أرض أو أم، حاضرة في كل الثقافات وهي تلد أو ترضع وهي محاطة بفهد أو لبؤة أو خنازير.
تقرأ “شيبر” نص قديم عثر عليه في منطقة نيو ميكسكو يصور ما تجادل فيه، فتقول: “متجلية على الأرض وفي الماء والهواء، كانت الأرض جسدها راقدا ممتدا حتى الأفق. وكل ما هو موجود كان يخصها، أنجبت وأطعمت الحياة كلها. دون أي تدخل أو مساهمة من إله رجل، ليس فقط النباتات والأشجار والحيوانات هي التي خرجت من قنوات ولادتها، بل الكائنات البشرية الضئيلة أيضا”.
تغيير دفة الربوبية داخل الأساطير
عاشت “شيبر” في الصين فترة واكتشفت أن معنى كلمة “إله” في اللغة الصينية القديمة هو “القدرة على الحمل بالأطفال”. فتعلق: “اختفى تماما هذا المعنى في الأساطير الصينية، وانتهى الأمر بالآلهة الأم بأن تصبح شريكة لإله ذكر أو تغيرت هي نفسها لتغدو إله ذكر”.
وكمثال تحكي أسطورة مصرية منقوشة على مقبرة، يعلن فيها “آتون- إله الشمس” نفسه كخالق مستقل، يقول النص:
“قبل أن تأتي السماء إلى الوجود، قبل أن تأتي الأرض إلى الوجود، قبل أن يخلق الأديم والزواحف هنا، كنت العظيم الذي جئت إلى الوجود من نفسي، وحدي تماما حققت رغباتي تأملت في قلبي وخططت في رأسي، كيف سأشكل وأخلق الأشكال اللانهائية؟ لذا كنت أنا من بصق “شو” وتقيأ “تفنوت” حدث هذا عندما كنت مازلت وحيدا، استمنيت بقبضتي، ضاجعت يدي وبصقت من فمي، من نفسي”.
التحول
وجدت “شيبر” تكرارا في هذا النمط من التحول، ليس آتون وحده من فعل ذلك، لكن أيضا زيوس الذي ولد بالاس أثينا والإله بومبا في الكونغو، الذي تقيأ من أعماق جوفه وخلق الوجود كله.
فتقول: “هكذا يجري تحويل الافتقار لقدرة الإنجاب لدى الذكر إلى قصص نجاح عن نظام إلهي وذكوري يتغلب على الفوضى الأنثوية وينظمها”.
ويعلق عبدالرحيم: نظر الرجال لقدرة النساء على الإنجاب على أنها قدرة خارقة. مما جعل السلطة تميل ناحية هذه القدرة.
تذكر “شيبر” أسطورة من الهند، فتقول: كانت الأرض أكبر من أن يضمها السماء بين ذراعيه، فقال: “رغم إنك زوجتي فإنك أكبر مني كيف يمكنني أن أنالك؟ اجعلي نفسك أصغر.
أنعمت الأرض، وبفضل قدرتها على التكيف جاءت إلى الوجود الجبال والوديان. أصبحت الأرض صغيرة وتمكن السماء من ممارسة الحب معها وبممارستهما للحب، جاءت إلى الوجود كل أنواع الشجر والعشب وكل المخلوقات الحية”.
تعلق “شيبر” على هذا النص فتقول: “هذا ما تفعله نساء كثيرات طوال قرون، حيث كان على المرأة -المتمثلة في شكل الأرض-أن تصير أصغر لتفسح الطريق للإله الذكر المتمثل في شكل -السماء”.
وتستطرد: الطرف الذي يمنح الحياة أقوى ممن يتلقاها لهذا انفصل تدريجا إعطاء الحياة أو خلقها عن الأم. هذا ما نراه يحدث في القصص، وبعبارة أخرى تحول الإنجاب أي خلق الحياة والولادة إلى نشاط ذكوري بشكل حصري. فيمكن أن نرى في الأساطير المبكرة التي تبجل الخصوبة الأنثوية من ربة الثعابين وربة العذارى أو ربة تصنع البشر من الطين. إلى تبجيل لخالق ذكر.
مخاوف ذكورية
جزء من كتاب “تلال الفردوس” يحمل عنوان: الفروج الحامية إلى الفروج المهددة، كتبت فيه “شيبر”: “كانت الأعضاء الأنثوية في الأزمنة الأولى تستخدم لاستحضار القوى الشريرة أو لتهدئة الكوارث الطبيعية. كانت الأشكال الأنثوية ذات الفرج المكشوف تستخدم كتمائم في الأزمنة القديمة في أجزاء عديدة من العالم. حيث كان على البيوت تماثيل لنساء بفروج بارزة للحماية، حيث ترمز الفروج لمدخل البيت. هذه التمائم استخدمت لتجنب الصواعق وإنزال المطر”.
وتعلق: من منطلق الرهبة والخوف من الشهوة الأنثوية بررت القصص الأسطورية وفرضت عادة ختان الإناث. حيث سيطرت قوى خفية على الذكر وإخافته من الشهوة الأنثوية، التي ظن أنه لا يمكن إشباعها. في عدد من القصص دار تخيل العضو الأنثوي بصفين من الأسنان العنيفة أو رحم مليء بأسراب من الأسماك المفترسة. والرجل القادر على التعامل مع كل ذلك يصبح بطلا حقيقيا.
تستطرد: هكذا في القصص وفي العالم الحقيقي يجد المرء تنويعة من المخاوف والاضطرابات الذكورية الهائلة. تجلت هذه المخاوف في السلوك الذكورى، في نطاق عالمي، في نقطتين أساسيتين. أولا: من ناحية التقليل من النساء وإخبارهن أنه بسبب دم الحيض والولادة لم تكن لديهن مواهب أخرى. ومن ناحية أخرى آلية تحذير الرجال أحدهم للآخر من قوة النساء المدمرة. تعلق “شيبر” على هذه النقطة فتقول: بالطبع تناقض الآلتين إحداهما الأخرى، لكنهما نجحا بشكل مشترك في إبقاء النساء في مرتبة أدنى.
عبودية المظهر
كل هذه الرسائل المقللة من شأن المرأة، كان المقابل لها أن يكون الجنس الأنثوي مهددا بالخوف والارتياب بقدر أكبر. وبشكل قهري تشاغلت النساء بمظهرهن، واختزال أنفسهن في التنافس على جذب انتباه الرجال.
هذه الفكرة مُررت من قبَل الأمهات القلقات لبناتهن، فأصبح صوت النساء الداخلي عبر العصور، هو صوت الرجل الذي في البداية وضع نمط محدد لشكل النساء.
تقول شيبر: “الإخفاء الإلزامي في التقاليد الأبوية للجسد الأنثوي والتكشف المستمر، هما وجهان لعملة واحدة تعرف باسم عبودية المظهر. وكلاهما يصرفان نظر الأنثى عن الاهتمام بمواهبها”.