إعادة تعريف الفن في «سوق الجمعة»

سماح حمدي عن مشروعها الفني «عالق»: نعيش في «قفص»

«عالق» اسم مشروع فني جرئ تشارك به الفنانة التشكيلية سماح حمدي، في المعرض العام للفنون، ضمن فعاليات الدورة الـ44، والمقام حاليا في قصر الفنون بدار الأوبرا. تفضل سماح التمثيل الواقعي، إذ تعرض الفن الممزوج بالجانب النفسي لكل شخص في الشارع. فلا يتطلب الأمر الذهاب لمعرض أو جاليري ما، من أجل مشاهدة العمل الفني. وبذلك تقدم الفكرة بشكلها الواقعي من خلال الأشخاص دون رسم أو تلوين ولا نحت.

إعادة تعريف الفن في سوق الجمعة

على غير العادة، لم تشارك سماح في المعرض بلوحة أو تمثال، لكن بمشروع فني واقعي يتكون من جزأين، يكمل كل منهما الآخر. فهناك مشروع «عالق» وفيه تم تصوير جانب من القفص يتخيل فيه الزائر نفسه. ويتم عرضه بقصر الفنون، ويعلو الباب المصاحب للعمل عبارة «ادخل هنا بمفردك.. الدخول هنا على مسؤوليتك». أما الجزء الآخر للمشروع تم تصويره في سوق الجمعة بمنطقة السيدة عائشة. وهناك خاضت سماح تجربة غير مألوفة في السوق الشعبي.

فتاة عالقة!

في مشروعها الأخير ظهرت سماح وهي جالسة في قفص بسوق الجمعة، صامتة تماما، تنظر للمارة دون حديث. تعددت التفسيرات حول وجودها في هذا القفص، ولكن أول ما يتبادر لذهن من يراها أنها “فتاة للبيع”. خاصة أنها تتواجد في سوق يهدف لذلك بالفعل. يقترب منها المارة يسألونها: “ماذا تفعلي هنا.. لماذا تجلسين في القفص؟”. فتجيب على السؤال بسؤال: “ماذا تعتقد أنت؟”.

تعددت تفسيرات المارة، شخص يعتقد أنها للبيع فيسأل عن سعرها، وآخر يعتقد أنها مُختطفة. وتؤكد سيدات أنها ربما وسيلة لتأديبها، لكن بخلاف التفسيرات العديدة كان الهدف من المشروع أمر آخر. وتقول الفنانة سماح حمدي لـ«باب مصر»: “جاءت فكرة العمل من تجربتي الشخصية مع سوق الجمعة وسلوكيات البيع المتبعة فيه. أشعر وكأن الحيوانات داخل الأقفاص تعبر عن شعور نفسي مستمر بالإحساس بالاختناق، مثلما يشعر الإنسان في محيطه الاجتماعي أو المهني”.

وتتابع: كوني جزءا من أسرة محافظة، أو كعاملة في مجال يتطلب التعامل مع رجال، يخلق شعورا دائم بالضغط ومحاولة الهروب من القيود. هذه المشاعر تجسدت في فكرة التسليع، حيث تتحول الحيوانات داخل الأقفاص إلى مجرد سلع. شعرت أننا نتعامل مع الأمر بنفس الطريقة، لكن بشكل مختلف.

قفص في السوق

قررت حمدي التواجد بقفص في السوق، لتجعل كل شخص يراها يشعر وكأنه نفسه في القفص، ما الذي سيشعر به، وكيف سيفكر في التحرر. وتقول: “ربما من يراني يرى القفص المقيد به ويفكر في التحرر”.

اختارت حمدي تنفيذ العمل داخل سوق الجمعة لتبتعد عن الزيف والتمثيل. وفضلت أن تكون التجربة حقيقية وغير مصطنعة. وتقول: “أنا ضد التمثيل لأنه يفتقد التأثير العميق. أردت أن أكون في قلب الحدث، وأن أظهر كما أنا، دون تلاعب أو اختلاق. كانت ردود الفعل من الجمهور قوية ومثيرة”.

لم تقتصر التجربة على التصوير فقط، بل شملت أيضا رصد ردود الأفعال وإحصائيات حول نسبة المتفائلين معها من الرجال والنساء والأطفال، وهو الأمر المتبع في مشاريعها الخمسة.

تروي سماح كواليس الإعداد لتنفيذ المشروع الواقعي، وتوضح أنها بدأت بالتواصل مع بائع وجلب قفص كلاب كبير، وفي يوم السوق جلست داخله بالتنسيق مع البائع، وتولى الفريق المساعد لها مهمة التصوير ومتابعتها. كادت التجربة أن تستمر وتنجح لولا تدخل أحد المارة وإبلاغ الشرطة. واستكملت: “أفسد المشروع لكن يعتبر هو الشخص الوحيد الذي تصرف بشكل إيجابي في محاولة منه لإنقاذي”.

وتقول: “هذا الأمر لم يؤثر علي، خاصة أن المشروع لم يتم تصويره خصيصا للمشاركة بالمعرض، بل نفذته قبل فترة طويلة واحتفظت بالمادة البصرية بدون هدف، حتى موعد استخدامها بشكل مناسب”، وتابعت: “وجدت المعرض فرصة مناسبة لعرض الفكرة”.

تجسيدات بصرية

هذا ليس المشروع الواقعي الأول للفنانة سماح حمدي، إذ بدأت سلسلة المشاريع الفنية في الشارع قبل 9 سنوات، بدأتها بحمل لافتة ترفض قولبتها في إناء التناسل المجتمعي. ثم ظهرت في حديقة الحيوان باحثة عن الإنسانية. ثم ظهرت مصلوبة تتعرض لكرابيج الضغط النفسي والبدني. تترجم سماح مشاعرها وتجربتها الشخصية إلى أشكال ملموسة، كما لو كانت تحول الكلمات السيئة إلى تجسيدات بصرية، مثل الكدمات.

هذه الفكرة تجسدت في المشاريع السابقة، وبدأتها بارتداء فستان زفاف والتجول به في الشارع، وهو مشهد غير مألوف للعروس التي يحيط بها موكب أقارب وأصدقاء ولا تتنقل بفستان الزفاف في المواصلات العامة. تحدت بهذا المشروع الصورة المجتمعية لزواج الفتاة فور الوصول لسن معين. توضح: “كل من يراني يفسر الصورة بطريقته الخاصة، هاربة من الزفاف، أو رافضة الزواج”.

انتقلت بعد ذلك من التعبير عن رفض الزواج كأمر مجتمعي، للتعبير عن فكرة أخرى أكثر جراءة وهي التخلص من الضغط النفسي والبدني. وحمل هذا المشروع اسم “كورباج”، إذ ظهرت من خلاله في الشارع بينما تتعرض للضرب، وتضيف: “عند تنفيذه أول مرة رفض الكثير وجودي في الشارع فحاولت مرة أخرى واستبدلت الفتاة التي أجسد دورها برجل”. ويظهر في هذا المشروع شخص مقيد يتم ضربه أمام المارة، ولاحظت تقبل الجمهور له وكانت النسبة الأكبر من الداعمين النساء.

أما المشروع الرابع يحمل اسم “بيانو” وتم تنفيذه على عدة مراحل، حيث ارتدت سماح فستانا أحمر كلاسيكيا وعزفت مقطوعة لبيتهوفن في ثلاثة مواقع مختلفة: أولاً في عزبة الزبالين بالمقطم، ثم في هايبر شهير، وأخيرا في شارع المقطم.

والمرحلة الثانية من المشروع كانت في قاعة مغلقة مع عدد محدود جدا من المدعوين. حيث عزفت المقطوعة ذاتها بينما كان شخص يرسم على ظهرها باستخدام آلة حادة. حاز هذا العمل على جائزتين: الأولى في بينالي بلغاريا، والثانية في مهرجان بلجيكا. أكثر المتفاعلين مع المشروع كانوا الأطفال.

المشاعر والتضاد

أبرزت سماح في هذا المشروع التمثيلي الواقعي، العديد من المصطلحات المضادة. وعندما أدركت التناقض في المصطلحات، بدأت تفهم أن كل شيء يمثل عكس ما يعبر عنه. وتوضح: “بالنسبة للناس، فإن أماكن الزبالة تبدو قبيحة، بينما أراها أساسا للجمال. لأن المجتمع لولا وجودها لما كان أنظف وأكثر تنظيمًا، وهذا ما حاولت أن أبرزه”.

وتستكمل: مصطلحات التضاد مثل المعاناة والإبداع والجمال والقبح. كنت أتصور شيئا مختلفا، كنت أحلم باستمرارية الشخص الذي يرسم على ظهري بآلة حادة. وهو يمثل طريقة لمعالجة الصدمات التي تعرضت لها. بالنسبة لي، كانت الفنون وسيلة للإلهاء، و”مشهد الرسم” كان لوحة جميلة ولكنها دامية.

وتوضح: “هذا هو السياق الذي أعمل فيه، لأن المجتمع يعاني من اختناق كبير”. ورغم بداية الأمر كهواية لكن تطور بشكل أكاديمي وبدأت الدراسة الأكاديمية بدءا من المشروع الثالث، لتكون لدي معرفة واضحة بما أفعل في تقديم هذا التضاد بشكل شخصي. تعتبر سماح أن هذه هي لغتها للتعبير عن المشاعر، وفي المشاريع الأولى، لم تدرس أكاديميًا، وكان هدفها هو التعبير فقط وطرح الأفكار الفلسفية في سياقات غير متوقعة؛ ليست دائما في مكانها المعتاد. وتقول: “أرى أن كل مكان مناسب لطرح أفكاري”.

اقرأ أيضا:

فك رموز معبد «سوليب»: اكتشافات أثرية جديدة في أسوان| خاص

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر