إعادة اكتشاف «چون رويير» بمساحة شلتر بالإسكندرية
ربما كان العثور على مخطوطات المصمم الفرنسي «چون رويير» أمر أشبه بالمستحيل إذا ما فكر أحدهم البحث والتنقيب للعثور على مخطوطاته الأصلية تلك، فقد قادت الصدفة هذه المرة السيدة چنيانا هيريرا، القنصل العام الفرنسي بالإسكندرية، للعثور على مخطوطات التصميمات الأصلية لغرف القنصلية، بعدما كانت حبيسة أدراج القنصلية، والتي تعود لأربعينيات القرن الماضي، وهي من تصميم الفرنسي جون رويير.
وبمناسبة الاحتفال بالذكري الـ110 على تأسيس القنصلية الفرنسية بالإسكندرية، أقامت مساحة شلتر للفنون معرضًا فنيًا تحت عنوان «اكتشاف رويير»، في الفترة من 4 حتى 18 يونيو الجاري، إذ يأتي المعرض كنتاج ورشة عمل استمرت شهرين فتحت القنصلية الفرنسية أبوابها لفناني الإسكندرية مانحة إياهم فرصة الاتصال بتراث مدينتهم، وذلك لاستعادة ومعالجة ذلك التراث بأشكال أخرى جديدة.
استدعاء رويير
استوحى المشاركون – خلال الحفل – أعمالهم من روح المخطوطات الأصلية لصاحبها المصمم الفرنسي «جون رويير»، إذ عرضت 15 مخطوطة أصلية من تصميمه، والتي تم إعدادها في فرنسا من قبل المرممة «إيزابيل دريو لا روشل»، وهي المخطوطات التي استوحى من خلالها المشاركون أعمالهم والتي ضمت حوالي 40 عملًا تقدم بهم 18 فنانًا، وتنوعت تلك الأعمال بين «الفوتو كولاج والرسومات والأكواريل والفيديو آرت والألعاب الإلكترونية أيضًا».
وعن اكتشاف هذه المخطوطات، تقول چنيانا هيريرا، القنصل الفرنسي لـ«باب مصر»: كنا نقوم ببعض الترتيبات في البدروم السفلي للقنصلية، والذي كان يحوي العديد من الغرف، وهنا وجدنا شيء قديم للغاية بالمكان فتحناه ولم نكن نعرف ما بداخله، لكننا أدركنا أن ما بين أيدينا هو شيء نادر وهام، على الرغم من أننا لم نتعرف عليه، كذلك تساءلنا حول ما إذا كانت تلك المخطوطات أصلية أم لا، فطلبنا حضور خبراء من فرنسا كي يتعرفوا على تلك المخطوطات وعندما أتوا قالوا إنها مخطوطات أصلية، وتحتاج لعملية ترميم، فهذا الأمر كان من سبيل الصدفة ولم يحاول أحد من قبل العثور على تلك المخطوطات لأنه لم يكن أحد يعلم بوجودها بالقنصلية.
وتابعت: حين فكرنا بإقامة هذا المعرض أردنا أن نُعرف الناس بـ«رويير» خاصةً أنه لم يكن معروف عند الناس، لذلك أردنا مع مساحة شيلتر أن نستدعيه مرة أخرى من خلال المشاركين، ومن هنا بدأوا في البحث عن حياته وأعماله، وأبدوا اهتمام واضح حول أعماله، وأعتقد أن اكتشاف رويير لن يقف عند ذلك الحد لأننا نحتاج أن نقترب منه أكثر، فأنا لا أعرف ما إذا كان قد تأثر بالشرق من خلال أعماله أم لا، وأعتقد أن الأمر يحتاج لمؤرخ متخصص، لكن ما أعرفه أن رويير قد قرر أن ينشأ مكتبًا لشركته في مصر والأمر قد يكون دليلًا على تأثره بثقافة مصر، التي ربما أثرت على أعماله فيما بعد، لكني كما ذكرت أعتقد أن الأمر يحتاج لدراسات من جانب المؤرخين كي يوضحوا لنا الأمر.
وذكرت شيماء رمزي، مديرة شلتر، أن أهمية المعرض تأتي في تسليط الضوء على نقطة مهمة للغاية وهي أن مدينة الإسكندرية كانت مصدر إلهام مهم، وهذا ما انعكس عند الكشف عن مخطوطات چون رويير داخل القنصلية الفرنسية بالإسكندرية، لذلك نحن أردنا أن تكون المخطوطات هي مصدر إلهام من خلال إتاحتها للفنانين الشباب كي يعيدوا استخدامه ويعيدوا تطويره عبر نظرتهم لرويير، لذلك لم نرد فقط اكتشاف خبايا المدينة لكننا أردنا أن نوثق أحداثًا مرت بها المدينة من خلال الفن والإبداع وذلك بمشاركة الفنانين الشباب، وقد تم اختيار المشاركين من خلال الدعوة على مواقع التواصل الاجتماعي والتي عرضنا من خلالها فكرة المشروع، إذ لاقى الأمر تفاعلًا كبيرًا، وتم الإشراف على المشروع من جانب لجنة فنية من المختصين لتقديم الدعم لهؤلاء الشباب.
وأضافت، شلتر يسعى لإبراز جوانب خفية من مدينة الإسكندرية، وهذا ما يحاولون عمله، لكن الأمر يحتاج لمجهود نظرًا لأن المكان نفسه ظل مغلقًا لأكثر من 40 سنة، إلى أن اكتشف في عام 2017، وأخذنا نجهزه لمدة سنتين حتى عام 2019، فقد ظل المكان نفسه مخبئًا طوال تلك السنوات، وبالتأكيد نحن نعمل على الكشف عن الجوانب الخفية من المدينة، لأنها مليئة بالكثير من القصص التي تستحق الالتفات إليها بشكل كبير.
جولة داخل المعرض
ربما تكون الصدفة قد لعبت دورها مرة أخرى، فمساحة شلتر للفنون كانت مخبئًا أثناء الحرب العالمية الثانية وتم اكتشافه عام 2017، وبالتالي يمكننا القول أن شيلتر ورويير ظلا شتيتين لسنوات طويلة إلى أن تم العثور عليهم مرة أخرى، إذ ينتميا لنفس الحقبة التاريخية تقريبًا، فخلال حفل الافتتاح قابلنا نماذج مختلفة من الشباب المشاركين في المعرض إذ اتفقوا جميعًا على فكرة واحدة وهي؛ «استعادة رويير»، لكن جميعهم رأوا رويير بشكل مختلف عن الآخر، وهذا ما أضفى للمعرض تنوعًا أثرى الجانب الإبداعي والفني.
زياد فاوي أحد المشاركين في المعرض أثناء حديثه معنا قال: “إن العنصر الأساسي هو رويير، لأننا أردنا إعادة إحياؤه، وكل حسب تخصصه، وأنا كفنان تشكيلي ركزت على الأثاث الذي كان يصممه رويير، وقد تخيلت أن الأثاث هذا هو عبارة عن شخص وليس جماد، لذلك أردت أن أتخيل أن هذا الجماد قد يكون له مشاعر خاصة بهِ، يكتسبها من هؤلاء الذين يجلسون عليه وبالتالي يكوّن شعور خاص به، وهذا ما قصدته وما أردت أن أسجله من خلال اللوحات الخاصة بي، فإحدى اللوحات تخيلت من خلالها أن الكرسي بعدما ترك وحيدًا لفترة طويلة من الزمن قرر في النهاية أن يجلس بدلًا من أن ينتظر الناس ليجلسوا عليه، لذلك أنا كما ذكرت لك أردت أن أقوم بعملية شخصنة للأثاث، وفي إحدى اللوحات الأخرى قمت باستغلال بعض الفراغات الموجودة في تصميم الكرسي وتخيلت أن له عين تنظر من تلك الفتحات وتشاهد الجالسين والمارين عليه”.
أما رحمة علاء، فتقول: حين سمعت عن المشروع وعن اسم رويير بدأت بالقراءة عنه، فوجدت أنه كان شخصًا مرحًا وشجاعًا، لأنه استطاع أن يأخذ قرار شجاع في حياته عندما قرر تغيير مجال عمله في سن الـ29 من عمره، إذ كان يعمل في التجارة فقرر أن يتركها وبدأ يعمل في التصميم، وهذا ما لامس مع شخصيتها لأنها فعلت الأمر نفسه في نفس سنه تقريبًا، لذلك أرادت أن تقترب أكثر من شخصية رويير فرسمته وهو في مراحله الأولى من عمره وكذلك عندما صار شابًا، وهذا ما حاولت أن تعكسه من خلال أعمالها، وقد قدمت رحمة افتراضًا من خلال أعمالها مفاده؛ ماذا لو لم نعثر على مخطوطات رويير وبدلًا من أن نعثر عليها عثر عليها فأر، ليكتب نهايتها، فهو سيجدها وجبة دسمة، وبالتالي لن نتمكن أن نتوصل لتلك المخطوطات ولن نسمع عنها أبدًا.
ويوضح عبدالرحمن محمود، فنان تشكيلي مشارك بالمعرض، أنه بدأ المشاركة في المعارض منذ ما يقرب من السنتين، لكن عندما عرضوا عليه فكرة المعرض والتي تخص رويير أرادوا منهم أن يضعوا تصورًا نحو هذا العمل الفني. ويقول: أميل إلى رسم الشكل الإنساني لهذا بدأت أبحث في وجوه الناس الموجودة بالشارع فوجدت أن أشكالهم مختلفة وكذلك أزياءهم، فبدأت أوفق بينهم من خلال عمل فني، ووظفت الأمر لأني أرى أن الأثاث الذي يستخدمه الأغنياء ممكن أن يستخدمه الفقراء لأنه ليس حكرًا على الفقراء، وقد صمم چون رويير أثاث موجه لطبقة معينة وهي الطبقة الملكية في مصر، لذلك أردت دمج الطبقة العاملة البروليتاريا مع تصاميم رويير من خلال الدمج والمزواجة بين تلك الفئتين.
أما سلمى الحسيني، مهندسة معمارية، تقول: في البداية حاولت التعرف على رويير باعتباره مهندس ديكور لذلك أردت أن أطلع على أفكاره في التصميم لأنه مصدر إلهام بالنسبة إلىّ، فركزت على عنصر الإضاءة في أعماله والبساطة التي كان يضفيها على عمله، وهذا ما أردت أن أنفذه خلال عملي، لأني أردت أن أقترب أكثر منه وهذا ما انعكس على الاسكتشات التي حاولت رسمها، فأنا أرى رغم أن ورشة العمل امتدت لشهرين فقط، إلا إنها أضافت الكثير بالنسبة إليّ.
واتفقت معها في الرأي ريهام محمد، فهي ترى أن رويير كان يهتم بالبساطة فحين جاءتهم التصميمات الخاصة برويير أرادت أن تستخدم Line art لأنها لاحظت أن رويير كان مهتمًا بالبساطة من خلال تصميماته، وهذا أيضًا ما حاولت أن تطبقه من خلال عملها.
وقبل أن ننهي جولتنا بالمعرض قابلنا مؤمن محمود وهو مهندس معماري مشارك بالمعرض، إذ بدا تصميمه مختلفًا، فقد قدم افتراضًا دعمه بالـVR والتي من خلالها قدم فكرته، ويقول: حين بدأت الاطلاع على اسكتشات رويير بدأت تتولد عندي فكرة وبدأت أقدم سيناريوهات حول شكل المكان عندما قدم إليه رويير، وبدأت أتخيل كيف أن محيط المكان من الممكن من أن بتأثر بالعوامل المؤثرة، لهذا فقد أردت أخذ الناس إلى رحلة عبر الزمن لنرى التغيرات التي كانت من الممكن أن تحدث للمكان لو أن شخص يوناني اشتراه وعاش فيه خلال فترة الخمسينات من القرن الماضي، إذ رأيت أن هناك تفاعل ما سيحدث، لأنه عادة ما تتأثر عملية التصميم بالعوامل المحيطة بها، ويتفاعل الناس مع هذا التصميم ويضيفون إليه أو يطرحون منه، ليناسب متطلباتهم فمدينة بحجم الإسكندرية كانت قائمة على التعددية الفكرية والثقافية. وقد ضمت العديد من الجنسيات والديانات والتوجهات، لذلك قدمت تساؤل مفاده؛ «ماذا لو اشترى هذا المنزل شخص يوناني يعيش ويعمل في الإسكندرية خلال فترة الخمسينيات، وماذا لو انتقلت ملكية المنزل لرجل مصري تزوج ويبلغ من العمر حاليًا 71 عامًا؟»
تعليق واحد