أين ذهبت قصور محافظة الأقصر؟
الأقصر، هذه الأرض التي يقسمها النيل إلى برين، الشرقي والغربي، لا تحتوي على ثلث آثار العالم فقط، بل تحتوي على تراث كبير من القصور المعمارية، أليست هي مدينة القصور، صاحبة الألف باب؟
كان بالأقصر نحو 40 قصرًا تعرض أكثرهم للهدم، منهم قصور لملوك وغيرهم لمرشدين قدامى وأعضاء بمجلس النواب والرأسماليين.
قصر باسيلي باشا
قصر باسيلي باشا كان يقع على النيل، بينما أصبح موقعه الآن “فندق أيتاب”، أنشأته الحكومة الفرنسية في عهد الخديوي إسماعيل، ليكون مقر قنصلها في الأقصر.
باسيلي باشا، هو شقيق أندراوس باشا، وعم توفيق أندراوس، نائب الأقصر، ووجيه باشا أندراوس، وهي أسرة نزحت من قوص، وكانوا من كبار ملاك الأراضي.
يقول عبدالمنعم عبدالعظيم، مدير مركز تراث الصعيد، إن هذه العائلة لها دور وطني، ويقال إنهم من دعاه ثورة 1919، وهم أول من أنشأ المنشآت السياحية بالأقصر، ونافسوا الأجانب في ذلك، إذ لم يكن في ذلك الوقت سوى فندق “الوينتر بلاس”.
ويتابع عبدالمنعم عبدالعظيم، مدير مركز تراث الصعيد، إن القصر أنشئ على طراز إيطالي بقصر يسى باشا أندراوس، الموجود حاليًا على النيل، حتى الرخام والطوب والخشب جُلب من فرنسا، وبعد ثورة يوليو كان هناك مقترح أن يتحول القصر إلى استراحة لرئيس الجمهورية، إلا أن عبدالناصر رفض ذلك الاقتراح.
ويضيف عبدالعظيم في عام 1964 اغتيل هذا القصر وهدم، وبيعت مقتنياته الثمينة النادرة، رغم أنه كان متينا وفي غاية الأبهة، بحسب وصفه، ليضاف هدم قصر باسيلي باشا إلى جرائم كثيرة هدمت فيها أفخر قصور الأقصر، وتراثها المعماري الفريد، إضافة إلى سرقة المقتنيات الخاصة بكل منهما .
قصر السلطانة ملك
كان يقع قصر السلطانة ملك في منطقة مميزة على نهر النيل فوق ربوة عالية، أنشأه عاشق الأقصر المستر سنجور، الهولندي الجنسية، كان هذا القصر الكبير من طابق واحد أنشئ على الطراز العربي، بنافوراته الرائعة، وحدائقه الزاهرة، بما يشكل تحفة معمارية مميزة.
وعند زيارة السلطانة ملك وهي الزوجة الثانية للسلطان حسين كامل، أول سلطانة لمصر بعد شجرة الدر، أعجبت بالقصر واستولت عليه، وكانت تقضي فيه الشتاء، وتقضي الصيف في إسطنبول .
كان يطلق على القصر قصر أبوشنب، نسبة إلى اليهودي “سنجور”، الذي بناه، وكان شاربه مميزًا.
عبدالعظيم يتابع أن هناك عدد من الباحثين يعتقدون أن القصر كان يقع مكان قصر فرعون، وأنه في نفس المكان الذي انتشلت فيه صندوق موسى عليه السلام، الذي تذكر بعض الدراسات أنه ولد في الطود أيضًا.
وفى الستينيات تسلمت وزارة التربية والتعليم القصر، واستخدم كمعسكر للطلاب، وكان يستقبل رحلات طلاب الثانوية العامة، التي كانت في ذلك الوقت رحلات ثقافية إجبارية، ليتعرف فيها الطلاب على تراث وآثار مصر.
وفي صفقة مشبوهة هدم هذا القصر، ومعه الملحق العسكري الخاص بالطلاب، وأنشىء بديلًا له فندق النوفتيل، كما استولى أيضا أحد الأهالي على مسجد كانت أنشأته السلطانة ملك في قرية الحبيل، كان يعرف بـ”مسجد البرنسيسة”، ليقام مكانه عمارة سكنية.
وفي عهد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، سلمت باقي أرض قصر السلطانة ملك، إلى إحدى شركات هشام طلعت مصطفى، الشركة المصرية للاستثمارات الفندقية، بحق الانتفاع لمدة 49 عاما، فى يونيو عام 2008، لإقامة فندق “فور سيزون الأقصر”.
قصر نفرتاري
يقول عبدالعظيم كان قصر نفرتاري، ملكا لنجيب بك ميخائيل بشارة، شقيق أندراوس باشا بشارة، وقد أنشئ على الطراز الإيطالي، وطليت جميع منشآته باللون الطوبي الفاتح، وحجراته باللون الأبيض.
سلم القصر لوزارة المعارف عام 1950، ليتحول إلى مدرسة ابتدائية، عقب موافقة مجلس الوزراء، وكان هذا قبل ثورة يوليو، وتحول بالفعل القصر إلى مدرسة، ثم أصبح بعدها معهد ترميم الآثار، وبحجة تطوير الأقصر هُدم القصر، وطرد الطلاب من المعهد.
بجانب ذلك فقد هدمت أيضا عدة مساجد وقصور ضمن مشروع المثلث الذهبي، إذ هدم قصر يسى باشا أندراوس، وقصر الثقافة، وجمعية الشبان المسلمين، ومقابر الكونجرس، وسبع مساجد منها مسجد المقشقش الأثري، ونادي الاقصر الرياضي، وثلاث مساجد، والعديد من مساكن الأهالي والمنشآت.
بيت الأقصر الكبير “قصر يسّى باشا”
هو القصر الثاني الذي تملكه عائلة أندراوس باشا بالأقصر، فقد أنشأ أندراوس باشا قصرين، أحدهما لابنه توفيق، الموجود حاليا خلف معبد الأقصر على كورنيش النيل، والقصر الآخر ليسّى باشا، الذي هدم رغم صدور قرار تسليمه للورثة عام 2002، وقرار بضمه للآثار من قبل اليونسكو.
ويقول فرنسيس أمين، الخبير الأثري، إن أهم القصور التي هدمت بالأقصر، التى كانت بالفعل مبان فخمة، وكان يجب الحفاظ عليها، إذ إنها مبان أثرية وتراثية، فالأقصر لا تمتلك آثار فروعنية فقط، بل بها آثار إسلامية وقبطية وحديثة.
ويتابع أن التراث ليس ملكا للأقصر فقط، بل لمصر جميعًا، لذا قبل هدم تلك المباني يجب إجراء دراسة جيدة للمكان وقيمته التاريخية، ولابد من وجود مؤسسة لتوثيق جميع التراث، حتى وإن تعرض الأثر للهدم، ليذكرها التاريخ وتعرفها الأجيال، كما أن ما يُسجل على أنه أثر يصعب هدمه.
وعن الأقصر، يضيف الخبير الأثري أنها سميت قديمًا لوجود معبدي الأقصر والكرنك بها، وجاءت القصور لتكمل القيمة التاريخية لها، التي كان ينبغي الحفاظ عليه.
ويشير إلى أن هناك هيئة من التوثيق الحضاري تعمل بالخارج لتوثيق التراث والمباني التاريخية في أرشيف، ومن المهم تعميم تلك الفكرة بالأقصر.
أدناه مجموعة صور قديمة للأقصر، تظهر فيها عدد من القصورة.