أيام الشقاوة: ذكريات سمير غانم
منذ أن بدأ حياته الفنية في منتصف الستينات حتى رحيله، استطاع سمير غانم مع فرقة ثلاثي أضواء المسرح وكذلك منفردا أن يحفر أسمه في ذاكرة المشاهدين، ممثل مسرحي يملك كل إمكانات المسرح، الحضور، التجربة، الوعي، ثم الفوازير التي أبهرت المشاهدين منذ عام 1966 مع فرقة ثلاثي أضواء المسرح حتى أن صلاح جاهين وصفهم بالأهرامات الثلاثة ثم عاد في عام 1983 ليشيد بتجربة فطوطة والتي نجحت نجاحا كبيرا وأصبحت من أيقونات شهر رمضان لعدة سنوات وسيظل يذكر الجمهور سمير غانم كواحدا من أهم نجوم الجيل الثالث بعد جيل الريحاني والكسار وإسماعيل يس ثم مدبولي والمهندس ثم الجيل الثالث جيل ثلاثي أضواء المسرح وعادل إمام وسعيد صالح، بعيدا عن تكرار ما يمكن كتابته عن سمير غانم وأعماله فهناك ذكريات ظريفة تبدو الآن مجهولة للبعض سردها لمجلة الكواكب عام 1972، ذكر فيها سمير غانم مغامراته الطريفة أيام الجامعة في كلية الزراعة والمقالب التي كان يقوم بها في الكلية هو وصديقه وزميله فيما بعد بفرقة ثلاثي أضواء المسرح عادل نصيف وكيف أنه كتب في كراسة الإجابة رسالة للدكتور يستعطفه فيها كي ينجحه وعندما أخبر الدكتور طلبته في العام التالي عن حكاية تلك الرسالة وجد في أوراق الإجابة 400 خطاب استعطاف تقليدا بما فعله سمير غانم، ويروي سمير غانم حكايات أخرى مع صديق عمره جورج سيدهم وتكوين فرقة الثلاثي ويحكي قصة عيد الميلاد الذي حضره مع جورج في بيروت وبه حدث موقف يشبه تماما مشهد جسده جورح في مسرحية المتزوجون التي اشتركا فيها بعد كتابة هذه الذكريات بعدة سنوات. هنا بعض من ذكريات أمير البهجة
ذكريات الجامعة
” أيام الشقاوة كنت طالبا في زراعة جامعة الإسكندرية وأبي ضابط بوليس ودخلت كلية الشرطة لأكون مثالا للضبط والربط وبعد سنتين كنت في كلية الزراعة ليس لي صلة بالكلية لكني كنت أدبي وعملت معادلة والكلية التي وجدتها هى الزراعة فدخلت، قلت أدخل المعمل وجدت أنبوبة اختبار وأحماضا كثيرة أمامي والطلبة يأخذون أحماضا ويضمونها في الأنبوبة وأنا مثلهم وهب فرقعة ضخمة في المعمل، وقفت أضحك.. والطلبة يتنافسون في الهرب إلى الخارج أما الدكتور فارتبك، وقف مبهوتا فلما وجدني لا أتماسك من الضحك نظر إلى وهو يهدد ويتوعد وقال لي اعتبر نفسك ساقط..
وكنت في أي مكان أكون فيه كان زملائى يطلبون مني أن أقلد لهم هذا الدكتور حتى انتشر ذلك بين طلبة جامعة الإسكندرية كلهم، وعرف الدكتور أنني أقلده وبالطبع كان يعرف أني لا أتواجد أبدا في محاضراته وجاء الإمتحان ورآني أجلس كأي طالب مجتهد فتوقف أمامنا جميعا وقال: طبعا ممنوع الغش، أي واحد يحاول الغش سأكتب على ورقته علامة “x”، إيه يعني علامة صغيرة زي دي.. بعد دقائق همست لزميلي الذي بالقرب مني:”ما تقولي يا ابني أكتب ايه؟” وسمع الدكتور وحضر مسرعا ووقف أمامي يسمعنا محاضرة في صفة الغشاش وأنه شرح هذه التجربة أكثر من مرة في المحاضرات، فقلت له صحيح يا دكتور، فهتف: “وادي سمير بيشهد لي” ومال على زميلي ليكتب على ورقته علامة ” x” ولم أتمالك نفسي، سخسخت على روحي من الضحك بينما زميلي يجاهد نفسه لينتزع ورقته من براثن الدكتور حتى لا يكتب عليها علامة x، أما مادة الرياضيات فأنني عندما تسلمت ورقة الأسئلة وجدت السؤال الأول سهلا وبدقة ونظام تفننت في كتابة الإجابة وتنظيمها، فلما قرأت السؤال الثاني والثالث والرابع لم أجد عندي ولا كلمة فقلت أكتب خطاب للدكتور وبدأت أكتب له:” أستاذي العظيم فلان الفلاني هذه هى المرة السادسة التي أمتحن فيها هذه المادة وإذا رسبت هذه المرة فسوف أتشرد وتتشرد معي عائلتي بأكملها، وستكون أنت المسئول.. ربنا يكبر لنا فيك وأنت تعلم أن الرياضيات ليس لها أهمية بالنسبة للزراعة والأرزاق على الله”.
وفي العام الدراسي الجديد حكى الدكتور للطلبة ما حدث مني، وفي الإمتحان وجد بأوراق الإجابة 400 خطاب استعطاف من كل الطلبة ورسبوا جميعا.. ولم يكن ذلك رادعا لي بالنسبة لغاز كبريتيد الأيدروجين ومعروف أن لهذا الغاز رائحة كريهة جدا ونفاذة وكان جهاز الغاز في ممر بالقرب من قاعات المحاضرات وفوقه تماما مكتب العميد ووكلاء الكلية وكان كل طالب يذهب إلى الجهاز ويأخذ ما يحتاجه أما العبدلله فيذهب إلى الأنبوبة ويفتحها ويتركها مفتوحة وبعد دقائق تسمع صراخ الأساتذة والطالبات والطلبة واللي جنبنا واللي فوق والعميد، لكن لم أفعل مثل عادل نصيف الذي كان يملأ زجاجات صغيرة من الغاز وعندما ندخل المحاضرة ولا تعجبنا يضع الزجاجة تحت قدمه ويدوس عليها لتتحطم وينتشر الغاز فلا يبقى طالب في المدرج.
تكوين فرقة الثلاثي
مرت الأيام وكونا فرقة الثلاثي وفي ليلة رفع الستار دخل جورج إلى المسرح ليؤدي دوره وما أن جاء دوري حتى كان جورج يمسك قلبه بيده، دخلت المسرح بدأت أمثل، قلت كلاما لجورج وصفق الجمهور وضحك، سكت الجمهور ولكن ناس في البنوار الأول بدأوا يصفقون وحدهم ويخرجون ألسنتهم وهم يضحكون ونظرت نحوهم.. جورج ما هذا؟ وانفجرت في الضحك.. أنهم ستة يحتلون البنوار والستة كلهم عندهم حول في عيونهم. قال جورج: حاول يا سمير.
حاولت أمثل.. الضحك ينفجر.. ستة عيونهم حول، مرة واحدة مش معقول.
نحاول ونمثل.. بعد أن يضحك الناس ويسكتوا يبدأ البنوار الأحول في الضحك وهم يخرجون ألسنتهم، وبعد أن يصفق الجمهور ويسكت يبدأ البنوار في التصفيق. والضحك يغالبني، فلا أستطيع أن أكتم الضحك، وفي الإستراحة قلت لهم أرسلوا إليهم البوفيه ليشربوا ما يريدون حتى تشغلوهم واستطيع التمثيل، لا تتصور مشهد 12 عينا كل عين تنظر وحدها في ناحية، وعدت أقول لهم أطلبوهم في التليفون أثناء التمثيل لينشغلوا ولكن المحاولات كلها ضاعت لأن الستة ظلوا في البنوار، أما أنا وجورج فقد باظت الليلة علينا في التمثيل لأننا تحولنا من ممثلين إلى متفرجين.
في يوم من الأيام أخبرت فؤاد المهندس أنني وجورج سنسافر إلى لندن فقال إطمئن خذا عنوان هذا البنسيون سيوفر لك الميزانية وأخذت العنوان وركبنا الطائرة ووصلنا، بعد أن خرجنا من المطار لاحظ جورج أن في التاكسي عدادين، قلت واحد للأجرة وواحد للبقشيش وأنا آخد بالي من عداد الأجرة، أول خطوة سجل 15 قرشا، يا خبر والكام خطوة مشوار كأنه بين العتبة والدقي كام؟ 150 قرش.. طارت الفلوس، ووصلنا البنسيون عليه ورقة مكتوبة من لهفة جورج أسرع يجري إلى الجرس وضع أصبعه عليه نسى أصبعه فلم يرحم الجرس، وقع خطوات على سلم داخلي.وانفتح الباب فإذا بعجوز ترطن
ماذا تقول يا جورج؟
ماذا تقول يا سمير؟
العجوز ترطن، لا نفهم حرفا وادعيت اني أفهم واخذت أترجم لجورج على مزاجي ولما يئست من أن نفهم أشارت إلى الورقة المكتوبة عليها تحذير ” لا توجد أماكن خالية”.
ذكريات بيروت
كنا في بيروت في ميدان الحمراء وفجأة توقفت عربة فارهة هبط منها شاب في منتهى الأناقة، عرفني قال أنه يتابع أفلامي وأنه معجب وأنه احتفالا بزيارتنا لبيروت يدعوني ومعي جورج لحضور حفل عيد ميلاده ومتى؟ غدا، وقال: غدا في السابعة مساء أمر عليكم وآخذكم في عربيتي، وعرفت منه أنه موظف كبير في مصنع ينتج ورق الحائط وقال أنه سيرسل عربة المصنع لنركبها ونطوف بها في أي مكان وأنه سيهدي 20 رول من الورق لكل منا.. اتفقنا.. اتفقنا؟
لم يكن جورج سعيدا بهذه الدعوة لأنه يفضل القيام بجولة في بيروت لكني أقنعته بأن مثل هذه الحفلة ستكون على مستوى يستحق أن نعطيه الوقت كله ويا جورج لابد نخلي عيد الميلاد ده فرح صحيح. وفي اليوم التالي استيقظنا في الرابعة بعد الظهر على رنين التليفون فإذا الشاب الأنيق يؤكد لنا الدعوة وفي السابعة مساء كنا في الحمراء ووصلت العربة الفارهة يقودها صاحبها الأنيق.
اتفضلوا…. وركبنا وانطقت السيارة، جورج يومها وصل وزنه 130 كيلو وبسبب الحفلة حرص على أن يكون في كامل أناقته فلبس البدلة كاملة، العربة تجري… والوقت يمضي.. نصف ساعة… ساعة.. أين نحن؟ قال الشاب نحن الآن فيما يماثل الصعيد عندكم. أي خطأ يعني.. وأشار بيده إلى رقبته.. يعني الدبح.
لا بأس فإن أمامنا سهرة رائعة
أخيرا وصلنا.. غريبة أنه زقاق.. وعشة مثل عشش الفراخ لا تزيد على مترين في متر،كل شئ فيها محشور، سرير ودولاب والستارة تخفي وراءها التواليت، ورجلان من عهد نوح، ثم أنا وجورج والشاب الذي لا يزال أنيقا..
ننتظر.. ربما
ثم وصلت الزوجة وهى لا تزال عروسة،ونظرت إلى جورج فإذا به ينظر إلى.. لا تستحق أن تكون عروسة ولا زوجة ولا حتى امرأة ولا حتى رجل…. يا ساتر لكن واحنا مالنا. وجاءت امرأة أخرى تجاوزت مرحلة أن تكون شمطاء لا يظهر شئ من وجهها، سمعها تقيل دخلت فقام الجميع، اتجهت إلى جورج وأراد جورج أن يظهر أنه مهذب فمد يده ليسلم عليها بحفاوة فلم تلتفت إليه، تركت يده في الفضاء وجلست بجوراه، وخطر لي أن أفتح الشباك فإذا به يخبط أحد العجوزين، رن في راسه ولم يتكلم.
إحنا فين؟ جورج غارق في عرقه بينما أحاول أن أفهم ولا أفهم فدأت أضحك!
ثم بدأ الإحتفال.. تورتة لا يزيد ثمنها عن 12 قرشا عليها 20 شمعة وهم حولها وكأنهم أرجوزات ثم طبق فيه ست قطع جاتوه، كل واحد حكموا عليه بقطعه كأنها قصدير، أما التبولة والخس فاختصوا بهما جورج.. الله يعينك والشمطاء الجالسة بجواره مثل المكنة استولت على التبولة تاخد كمية تضعها في ورق الخس وتدفعها إلى فم جورج وقبل أن يبلعها تلقمه الثانية وراءها الثالثة وجورح يكاد ينفجر ولكنه يبلع في تشنج كأنه يعضها، ثم قالوا نطفئ الشموع وصرخ جورج من الفرح وأطفأوا الشموع، وخرجنا.. أعادنا الشاب الأنيق إلى ميدان الحمراء، وما أن أنفرد جورج بي حتى هجم عليّ لينتقم وجريت وجرى ورائي وظل يجري.