أوراق الإمام محمد عبده المجهولة: وثائق تكشف جوانب جديدة لتاريخ مصر
نظمت مكتبة الإسكندرية ندوة بعنوان «أوراق الإمام محمد عبده المجهولة»، للحديث عن مجموعة من الوثائق المكتوبة بخط الإمام، التي تم اكتشافها مؤخرا في جامعة الآغا خان بالمملكة المتحدة. وقد صدرت هذه الوثائق مؤخرا عن دار الشروق في كتاب بعنوان «مشروع استقلال مصر: من أوراق محمد عبده» للدكتور عماد أبو غازي ووليد غالي.كما ألقت الندوة الضوء على دور الإمام محمد عبده في الإصلاح الفكري والتنويري، وأثره البارز في حركة التحديث والتغيير الفكرية.
وثائق بخط الإمام
في البداية أكد الدكتور أحمد أبو زيد، مدير مكتبة الإسكندرية، على دور الإمام محمد عبده الإصلاحي والتنويري. حيث يعد أحد أبرز المجددين في العصر الحديث وأبرز دُعاة الإصلاح الفكري وساهم في تحرير العقل من الجمود. كما تأثر به العديد من رواد النهضة، مشيرا إلى أن الندوة تتناول عرض مجموعة من الوثائق والصور والأوراق المحفوظة بخط يد الإمام محمد عبده. والتي تم اكتشافها في جامعة الآغا خان بالمملكة المتحدة. وكان قد دونها بعد عام واحد من الاحتلال البريطاني لمصر.
وأضاف، من المعروف عن الإمام أن من أهم توجهاته صناعة الكوادر والأفكار. فهو واحد من المفكرين الذين ساهموا في نشر الأفكار المتجددة والفكر التنويري. فلقد كان مفكرا شارك بكل جهده في نهضة بلاده، ومازلنا في حاجة لتراثه المتجدد حتى اليوم.
مشروع استقلال مصر
ثم عرض الدكتور عماد أبو غازي، الأستاذ بكلية الآداب بجامعة القاهرة ووزير الثقافة الأسبق، الوثيقة التي تضمنها الكتاب وتتضمن مشروعا لاستقلال مصر. تطرح الوثيقة العديد من التساؤلات، ربما أهمها: هل كتبها الإمام محمد عبده أم شارك في كتابتها؟ أم أمليت عليه لتوجيهها إلى الحزب الوطني الأهلي الذي قاد الثورة العرابية. من ثم تكون أساسا للحكومة الأهلية في مصر إذا وافقوا عليها؟ أم كانت وثيقة هدفها التمويه إذا سقطت في يد السلطات؟ فالوثيقة تطرح تساؤلات وأفكارا كثيرة. ولكن من المؤكد أنها بخط يد الإمام محمد عبده.
يقول «أبوغازي»: “من أهم بنود الوثيقة تبعية مصر للدولة العثمانية، ومنح قناة السويس لأي دولة أخرى تُديرها بخلاف مصر، وأيضاً منح السودان للحركة المهدية ورفع ولاية مصر عنها. فبعد عام من الاحتلال البريطاني لمصر كان هناك تفكير داخل بريطانيا بالانسحاب والعمل على استقرار مصر. ولكن الفكرة انتهت بعد أسابيع قليلة بعد أحداث السودان آنذاك”. مشيرا إلى أن مصر احتلت السودان في عهد محمد علي، ولابد أن نعترف بذلك. كان من حق الشعب السوداني أن يختار ويأخذ القرار، ورأيي أن هذا قرار صائب تماما. ولكن الأمر مختلف مع قناة السويس، فهي شريان الحياة لمصر”.
وأشار أبو غازي إلى أن الوثيقة تلقي الضوء على تلك الفترة الدقيقة من التاريخ المصري، وتثبت أن الحراك السياسي في مصر لم يتوقف بهزيمة الثورة العرابية والاحتلال البريطاني للبلاد.
نشأة الإمام
وعن نشأة محمد عبده تحدث الدكتور وليد غالي، الأستاذ بمعهد الحضارة الإسلامية بجامعة الآغا خان في المملكة المتحدة وقال: “ولد محمد عبده في قرية محلة نصر التابعة لمركز شبراخيت بمديرية البحيرة عام 1849م، ينتمي إلى أسرة عرف عنها التمرد. تلقى تعليمه في كتاب القرية ثم أكمل دراسته في الجامع الأحمدي بطنطا، ثم انتقل إلى الأزهر ودرس فيه لمدة عامين”. وأرجع «غالي» نقطة التحول في حياة محمد عبده عندما ارتبط بالسيد جمال الدين الأفغاني فتتلمذ على يده. وأخذ منه علم الكلام والتصوف والأصول والفلسفة وعلوم الرياضة والأخلاق والسياسية.
واستطرد حديثه: “في بداية عصر الخديوي توفيق، عينه رياض باشا، رئيس مجلس النظار، محررا في جريدة الوقائع المصرية ثم رئيسا لتحريرها. وكتب فيها عشرات المقالات العلمية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية. ومنذ بداياته كان يتبنى رؤية إصلاحية، وانضم للجناح الثوري عام 1881. وتم ترشيحه للسفر للتفاوض مع السلطات البريطانية في عام 1882. وتمت محاكمته بعد هزيمة الثورة العرابية، وصدر له حكم بالنفي لمدة ثلاث سنوات. ثم عاد الإمام إلى مصر عام 1889 بعفو من الخديوي توفيق. وعمل بالقضاء وشارك في تأسيس الجمعية الخيرية الإسلامية، وانضم إلى مجلس إدارة الأزهر، ثم تولى منصب مفتي الديار المصرية، وتوفي عام 1905 في الإسكندرية”.
مدرسة فكرية خاصة
واختتم «غالي» حديثه عن الإمام محمد عبده، بأنه ليس له مدرسة فكرية علمية خاصة به. فقد عمل في إعادة تحقيق التراث. وأول من جمع أعمال محمد عبده كان رشيد رضا. لكنه قاد تاريخه ناحية الفكر السلفي. وهذا لم يكن فكر محمد عبده إطلاقا. ثم استكمل العمل بعده الدكتور محمد عمارة الذي كان يؤكد دائما أنه انتهى تماما من جمع أعمال الإمام محمد عبده. وأنه لا توجد وثائق أخرى مجهولة حتى اكتشفنا هذه الوثائق المجهولة.