“أوبافيون دي فلوريل”.. أقدم محل لبيع الزهور في الإسكندرية
“يا بدع الورد يا جمال الورد .. من سحر الوصف قالوا عالخد..الورد الورد يا جماله” تلك الأغنية الشهيرة التي كتبها حلمي الحكيم ولحنها فريد الأطرش وغنتها المطربة أسمهان، تعبيرا عن حبها وعشقها للورود والإزهار التي تحولت إلي رسائل غرام وحب بين المحبين في مختلف المناسبات.
في شارع فؤاد شرقي الإسكندرية يقع “بافيون دى فلوريل”، أول وأقدم محل لبيع الورود في الثغر، وفي مصر أيضًا.
“أو بافيون دى فلوريل”، تعني بيت الزهور باللغة الفرنسية، هذا الاسم اختاره الخواجة اليوناني عبده مرسي هو وشريكه المصري المعلم حميدو منذ نحو 102 عام، ليكون عنوان لأقدم محال الورد بشارع فؤاد العريق.
بعد أن رحل اليوناني عبده مرسي عن مصر، وعاد إلى بلاده، انفرد بالمحل حميدو، وأصبح هو المالك الوحيد للمحل، محتفظًا باسم المحل الرئيسي، الذي لم يتغير حتى الآن.
يقول سيد عبدالحميد الفخراني، نجل المعلم حميدو، إن والده كان يعشق الزهور، كما أن كل أسرته كانت تعمل في هذا المجال، الذي لا يعمل فيه إلا عشاق الزهور وعشاق الحياة، كما أن محلهم اصبح من المحلات الأثرية، إذ مر عليه أكثر من مائة عام.
ويضيف الفخراني أن المحل الثاني في الإسكندرية بعد محل والده كان محل “زهور فيوليت” بشارع فؤاد، ثم يأتي بعده محل “برغوت”، بباب شرقي، ليصبح الثلاثة أقدم محلات الزهور في المحافظة.
وعن تراث وشكل المحل يتابع الفخراني، أنه لم يتغير أية ديكورات في المحل منذ افتتاحه، وحتى لا تضيع معالمه أجريت بعض الترميمات لأجزاء ورسومات في جوانبه.
في عشق الورد
صبري محمد الشهير بـ”صبري الفار”، بائع ومنسق زهور قديم بالمحل، يقول أعمل في مهنة بيع وتنسيق الزهور منذ سن السادسة، والتحق بالعمل في محل “أو بافيون دي فلوريل” وأنا في عمر الـ15 عامًا، ومنذ ثلاثين عامًا أعمل في ذات المكان، حتى أتقنت المهنة.
صبري يتعامل مع تنسيق بوكيهات كتعامل فنان مع لوحة فنية، ليبهر “زبائنه”، يقول: أتعامل مع مختلف الأذواق، وبذلك أصبحت أعرف ما يريده العميل دون شرح طويل.
ويصف المحل بأنه “مدرسة” للعاملين في مجال بيع الورود، وفي أوقات ماضية كان يصل عدد العمال إلى 45 عاملًا، أما الآن فلا يوجد غير 3 عمال فقط.
النجوم والأزهار
مدام فوقية، تعمل في محل “أو بافيون دى فلوريل” منذ 55 عاما، تقول أعمل هنا في هذا المحل العظيم منذ زمن طويل لعشقي للزهور وتنسيقها ولحبي الشديد لهذا المكان، الذي جعلني أقابل أكثر نجوم زمن الفن الجميل، الذين كانوا يأتون خصيصا لشراء الورود والأزهار من المحل، وكانت تعمل معى في تلك الفترة فتاة يونانية تدعي “يولندا”، لكنها رحلت مع الراحلين إلى بلادها.
وتضيف أن من أبرز النجوم الذين كان يأتون لشراء الزهور من المحل كانت النجمة الجميلة مريم فخر الدين وليلي مراد وزهرة العلا و شادية وفاتن حمامة وسعاد حسني وأسمهان، ومن الرجال كان دائم التردد العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ، الذي صور في المحل أحد مشاهد فيلمه “موعد مع السعادة”.
تتابع فوقية من النجوم الذين كانوا يترددون على المحل الفنان عماد حمدي وموسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب وفريد الأطرش، والفنان الكوميدي إسماعيل ياسين، كما أن كوكب الشرق أم كلثوم كانت تأتي لشراء الورد من المحل بصفة دائمة أثناء وجودها في الإسكندرية.
مع إسماعيل يس
ومن المواقف التي ترويها مدام فوقية، تقول “في يوم دخل علينا المحل النجم الكبير أسطورة الكوميديا آنذاك اسماعيل ياسين، وطلب مني إحضار باقة ورد كبيرة، وكان مختلف تماما عما يظهر في أفلامه الكوميدية الساخرة، بل كان عصبي، وحينما رأيته بالطبع فرحت وسعدت بلقائه ومعاملته الراقية، ووقتها طلبت منه أن يقول لي “نكته” فضحك ضحكة صغيرة وقال “بلاش دلوقتى عشان مزاجي متعكر وهيبقي دمي ثقيل” ورفض بالفعل وأخذ باقة الورود ورحل”.
الزمن تغير
صبري محمد، يقول إن حجم بيع الزهور اختلف كثيرًا منذ 40 أو 30 عاما، إذ كانت حركة بيع الورد كبيرة جدًا، أما الآن فقد انخفضت نسبة المبيعات بنسبة تصل إلى 70% عما كانت عليه، مرجعًا أسباب ذلك إلى الظروف الاقتصادية الصعبة.
ويوضح أن أسعار الورود ارتفعت أيضا، ما جعل بعض أنواع الورد ترتفع بشكل كبير، مثل زهور الأوركيد والتيوليب والجرميرا، فقد بلغ سعر الوردة الواحدة ما بين 20 إلى 30 جنيهًا.
ويختم صبري، حديثه قائلا: “تغير الزمن وتغيرت الناس وتغير عشاق الزهور وتغير الذوق العام، واختلفت الحياة التي كانت تلونها الورود والأزهار في كل المنازل”.