أمين حداد في ندوة “البشر والحجر”: هكذا أثرت القاهرة على أشعار فؤاد حداد
أقيمت الأسبوع الماضي ببيت المعمار المصري الندوة الشهرية “القاهرة: البشر والحجر.. عن تراث المدينة والمجتمع”. انقسمت الندوة إلى جزءين، في الأول تحدث الشاعر أمين حداد عن القاهرة في شعر فؤاد حداد، وتحت عنوان “القاهرة سيرا على الأقدام” تحدثت مايسة مصطفى عن تجربتها في إعادة إكتشاف مدينة القاهرة، وتراثها. أدار الندوة الباحث في التاريخ عبدالعظيم فهمي، وعالمة المصريات الدكتورة فاطمة كشك.
المشاء العظيم
” كان مشاء عظيما” هكذا وصف أمين حداد والده الشاعر الكبير فؤاد حداد.. مضيفا: “كان يعرف شوارع القاهرة، وقد وصفها كثيرا من خلال أشعاره، إذ أن شعره دائما ما كان مليئا بأسماء شوارعها. فقد أراد أن يحتضن كل مفردات الحياة وكل ما مر به. وقد ساعدته أيضا نشأته داخل حي الظاهر على ظهور شخصيته تلك. إذ عاش في عدة أماكن داخل القاهرة، وكان دائم الانتقال، وبجانب ذلك أمضى ثماني سنوات في المعتقلات، فلم يسافر خارج مصر أبدا ولم يركب الطائرة طوال حياته. وقد أحب مصر دائما وأهدى إليها أشعاره حتى أصبح الشباب يعيدون اكتشافه بعد أكثر من 37 عاما على وفاته.
دور تاريخي
يضيف: كتب فؤاد حداد حوالي 30 ديوانًا بالعامية والفصحى وسلك طرق جديدة في الشعر. كما ابتكر أشكالًا شعرية لم تكن موجودة من قبل، استنادًا إلى تراثه من الشعر والنثر العربي وكذلك الفلكلور المصري والعربي وإلى ثقافته الواسعة، وبالإضافة إلى موهبته. فقد عاش حياته كلها داخل القاهرة، ولم ينفصل عنها أبدا، فقد كانت بمثابة سكنه ومعيشته وعمله وتاريخه الشخصي أيضا. وقد فهم دورها التاريخي التي لعبته طوال تاريخها.
تراث شعري
ويستطرد: الحكاية بدأت من سنة 1969، وذلك حين احتفلت الجمهورية العربية المتحدة بذكرى مرور 1000 عام على تأسيس مدينة القاهرة. فقد عمرت وقتها المكتبات بالكثير من المؤلفات التي كتبت حول القاهرة. وبدأت الفعاليات الثقافية في كافة أرجاء الوطن، وسمي أول معرض للكتاب باسم “معرض القاهرة” وحينها طلب من فؤاد حداد أن يقدم تاريخ القاهرة عبر “البرنامج العام” بالإذاعة من خلال 30 حلقة لتقديمهم في رمضان، وكان ذلك تحديدا بعد هزيمة 1967.
وتابع: أثناء حرب الاستنزاف كان حداد يثق في عبور تلك الهزيمة مستندا إلى النور في تاريخ الأمة المنتصر. وتحدث خلال برنامجه عن تاريخ القاهرة، واختار شكلا للبرنامج يبدأ براوي يحكي ثم أغنية، وينتهي بمقطوعة شعرية. فذكر خلال إحدى البرامج الإذاعية. وقال: “فعلت كما فعل بيرم، في ملحمة الظاهر بيبرس؛ بدأت بالراوي، ثم أتبعته بأغنية لكني كتبت كلام الراوي موزونًا. وهذا يؤكد على مدى ارتباط فؤاد حداد بتراثه الشعري والفني والتاريخي والمكاني”.
إعادة قراءة
وينهي أمين حداد حديثه ويقول: “ورثت عن والدي مكتبة تراثية ضخمة، حوت على الكثير من الكتاب التاريخية، وذخائر الكتب العربية. وبجانب ذلك فقد كان مشتركا في المركز الثقافي الفرنسي. وكان يستقدم كتب ومجلات فرنسية منه، فهو صاحب ثقافة موسوعية، ساعدته على عملية تكوينه والتي أثرت شعره”.
وتابع: أما فيما يخص أسباب “إعادة اكتشاف” فؤاد حداد دائما. فيجب أن نعرف أن فؤاد حداد لطالما فرضت عليه حالة “تعتيم” في سبعينيات القرن الماضي. فقد اعتقل في سنة 1953 إلى 1956. ثم من سنة 1959 إلى 1964. والحقيقة أنه خلال تلك الفترة تحديدا كان يتم وضع الخريطة الثقافية لمصر، ولأنه لم يكن موجودا بسبب تواجده في السجن أثر ذلك على تواجده في الخريطة الثقافية التي وضعت خلال هذا الوقت.
أما في فترة السبعينيات، فلم يكن هناك أي تفاعل بين الدولة وبين حداد. وفي ثمانينيات القرن الماضي عندما أصيب بالجلطة، قرر أن يعود مرة أخرى وكتب الشعر إلى أن توفى. فحين رحل عن عالمنا لم يكن قد نشر سوى نصف أعماله فقط الأدبية، وبدأنا كأسرة جمع هذه الأعمال ونشرنا الأعمال الكاملة له في الهيئة العامة لقصور الثقافة سنة 2006. ثم في سنة 2010 نشرتها في الهيئة العام للكتاب. وأعتقد أن عملية نشر كتبه تحديدا هي ما جعلا الكثير من الشباب يلتفون لشعر فؤاد حداد. إذ إنه لم يكن متاحا من قبل كي تطلع عليه الأجيال، وعندما أصبح شعره متداولا تهافت الكثيرين نحوه وأعادوا قراءته وقراءة أعماله مرة أخرى.
إعادة اكتشاف المدينة
ومن جانيها تحدثت المرشدة السياحية مايسة مصطفى عن تجربتها “القاهرة سيرا على الأقدام”. إذ حكت عن بداية تعلقها بالقاهرة كمدينة، وكذلك إعادة اكتشافها للقاهرة من خلال جولاتها المستمرة داخل المدينة. وذكرت أنها درست الصيدلة مثلما قررت عائلتها. فقد كان والدها نقيبًا للصيادلة، وكذلك جميع أقاربها، لكن ظهر حبها للتاريخ في فترة مبكرة من حياتها إذ تسلل هذا الحب إلى وجدانها، فوالدها دشن نادي للصيادلة، وكان من ضمن أهدافه هو التعريف بمصر من خلال تخصيص زيارات مستمرة لمعالم مصر. ومن هنا نشأ هذا الحب، وقررت ترك الصيدلة لحبها في دراسة التاريخ.
نظرة مختلفة
تأثرت مايسة بالسينما وكانت لها وقع كبير على حياتها. إذ جذبتها وأحبت فيلم “غرام في الكرنك”. وقد كان ذلك بمثابة تحفيز لها للدخول في صلب العملية.
تقول: “ما حدث هو أنني حين التحقت بكلية الصيدلة لم أستطع أن أكمل سوى أربعة أشهر داخلها، وقررت مغادرة الكلية للالتحاق بكلية السياحة والفنادق قسم الإرشاد السياحي. وقتها لم تتقبل العائلة الأمر، إلا إنهم رضخوا لرغبتي، بل أن والدي عاش فخورا بهذه التجربة التي سلكتها فقد تعلمت الكثير من الأمور خلال رحلتي التي قررت أن أقطعها. فالإرشاد السياحي كان بالنسبة إليّ صاحب أيادي بيضاء في حياتي، إذ أصبح المعتاد غير معتاد؛ بمعنى أنني عرفت الجمال وزاد انبهاري بهذه الأماكن وبالناس أيضا. فتكونت لي نظرة مختلفة وبدأت تتسلل داخلي رؤية جديدة لمصر عن طريق عيون زائريها”.
وجهات نظر
لطالما أرادت مايسة السعي للبحث عما وراء الأثر من حكايات. فقد قررت أن تجري وراء “الحدوتة”. وهذا ما أرادت أن تقدمه دائمًا للناس. تقول: “بدأت اقرأ التاريخ من وجهات نظر مختلفة. وهذه الأمور أضافت إلي الكثير. لكني في النهاية وجدت أن المصريين لم يكونوا متواجدين داخل الأماكن الأثرية سواء في القاهرة أو الإسكندرية خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي. لكني رغم ذلك كنت أجد أن هناك عطش ورغبة حقيقية للمعرفة. وهنا اكتشفت أن المصريين محرومين من معرفة تاريخهم، فهم لم يدرسوه أبدا. شعرت بحجم الكارثة لأن المصريين كانوا بعيدين عن معرفة تاريخهم، بل أن الأجانب وحدهم كانوا هم من يأتون لمشاهدة تاريخنا”.
فترة فارقة
عقب ثورة 25 يناير تبدل الأمر لدى مايسة. إذ ظهر اهتمامها خاص بالتراث والثقافة وكذلك الحكي، “استطاعت الصفحات الموجودة على مواقع التواصل الاجتماعي، أن تساهم في نشر هذه الأمور بصورة جيدة، لذلك أرى أن هذه الفترة كانت فارقة في تاريخ الثقافة والتراث داخل مصر”.
قيمة التراث
تضيف: بعد ثورة يناير حصلت على منحة في ألمانيا. إذ التحقت بقسم الدراسات التراثية. وتقول: “كانت تلك هي المرة الأولى بالنسبة إليّ التي اسمع فيها اسم “تراث” بدلًا من آثار أو تاريخ، فالتاريخ هو دراسة كل الماضي، أما التراث فهو ما نقلته لنا الأجيال السابقة وله “قيمة”. وبعد سنة 2011 أسسنا مبادرة باسم “الأثر لنا”، وقمنا بتنفيذ العديد من المبادرات لأننا أردنا أن يتعرف الناس على ثقافتهم، التي ربما لم يتعرفوا عليها أبدًا.
اقرأ أيضا
«العمارة الجنائزية»: مقترح بحفر أنفاق تفاديا لاختراق جبانات القاهرة في المحاور الجديدة