أصحاب الدم النقي.. كيف تُدار ثروة الخيول الأصيلة بمحطة الزهراء التاريخية؟
تعد الخيول المصرية العربية الأصيلة في محطة «الزهراء» التاريخية واحدة من مصادر الثروة القومية في مصر، نظرا للقيمة المرتفعة للخيول في السوق العربي والعالمي. وتتميز المحطة عن غيرها من المزارع الخاصة للخيول الأصيلة لامتلاكها خمسة أنسال من أهم خمس عائلات للخيول، وهي الصقلان، الكحيلان، الهدبان، الصقلاوي والعبيان الذي يعد من أندر الخيول في العالم.
معدل الدخل
تستعد المحطة حاليا للنقل إلى مدينة “مرابط” للخيول في العاصمة الإدارية الجديدة. وتضم المحطة التاريخية خيول عربية أصيلة تتنوع ما بين الفرسات و الطلائق (ذكر الخيل). وعن التنظيم الإداري يوجد ثلاث إدارات مسؤولة عن رعاية الخيل، والعنابر الخاصة بالخيل والاسطبلات ومدرسة للفروسية، وساحات واسعة على أجزاء متفرقة لحركة الخيل.
والجزء الأهم في إدارة المحطة ويعد مصدر دخل يقدر بالملايين هي توثيق نسب الخيول من المحطة وخارجها. إذ تعد المكان الوحيد لمنح الخيل الأصيل شهادة ميلاد في مصر. وتبدأ في أعمار صغيرة للخيول من خلال تسجيل “الأمهار”، ويتم تنسيب الخيل من خلال ختم كل مُهر بواسطة ختم خاص على رقبة كل مُهر.
ويقول د. محمد معتوق، المستشار الطبي لمحطة الزهراء لـ«باب مصر»: “هذا الختم يتضمن رقم الحصان وتاريخ الميلاد ورقم المزرعة وحروفها، ويكون على الجلد بالتبريد، من خلال شفرة خاصة بتسجيل الخيل وتكون معتمدة من قبل منظمة الواهو الدولية للخيل العربي. ويتم استكمال عملية توثيق نسب الخيل من خلال وضع شريحة إلكترونية تحت جلد الرقبة من الجهة اليسرى وهي شريحة إلكترونية تتضمن بياناتها تتم قرائتها بواسطة جهاز مخصص”.
وتتحصل المحطة على مليون جنيه شهريا نظير تسجيل الخيول من المزارع الخاصة. فضلا عن مصدر دخل آخر وهو عقد مزادا سنويا بالمحطة لبيع الفائض من إنتاج المحطة من الخيول. ويتم تسعير الخيول وفقا للجنة فنية متخصصة، ويتوقف تحديد السعر وفقا للنسب والعمر والنوع والجمال. ويعود على المحطة أكثر من 5 ملايين جنيه.
ثروة قومية
وبرغم أهمية المحطة والثروة التي يتم التحصيل عليها منها إلا أنها أصبحت مكانا غير ملائما لاستمرار تربية الخيل الأصيل. ويوضح د. مسعد قطب، الرئيس السابق لمحطة الزهراء والرئيس الحالي للإدارة المركزية للزراعات المحمية، متطلبات الخيل وقال بحكم إدارته السابقة للمكان: “المكان الحالي غير مجهز بالمستشفيات والعنابر واحتياجات يتطلبها الخيل العربي الأصيل المُرفه ذو المستوى العال”. لافتا إلى أن الهيئة الزراعية المصرية بإمكانياتها البسيطة لا تستطيع توفير احتياجات الخبل ومنها رعاية خاصة وتوفير ظروف مثالية للخيل.
وأضاف في تصريحات لـ«باب مصر»: “ومن هنا تأتى ضرورة الانتقال الى مكان جديد مناسب ومجهز للوفاء باحتياجات الخيل الذي يعد ثروة قومية كبيرة”. إذ ينقسم الخيل الأصيل إلى الخيل العربي الأصيل. والخيل المصري العربي الأصيل يعد الأول على مستوى العالم نظرا لتاريخه العريق والنسل الممتد إلى الهكسوس.
وضرب مثالا عن قيمة الخيل المصري العربي الأصيل، عند تصديره لدول الخليج أو باقي دول العالم يكون ذو سعر مرتفع. ويقول: “عُرض على وزير سابق لوزارة الزراعة – شيك على بياض – لشراء واحدة من الطلائق وهي “تي” نسبة للملكة تي المصرية القديمة ولكنه رفض رغم أن سعرها كاد يصل إلى ملايين الدولارات”.
تكمن قيمة المحطة التاريخية التي يعود تاريخها إلى ما يزيد عن 90 عاما، في قيمة الخيل نفسه وشهادة نسبه الموثقة والممتدة إلى 70 جد والذي لن يتأثر بفكرة النقل- على حد وصف المدير السابق للمحطة-. ويتابع: “البيئة تؤثر على شكل النمو ولكن لا تؤثر الجينات نفسها، وأعتقد أن المكان الجديد سيكون أفضل لتوفير ما يفتقره الخيل في محطة الزهراء من مستشفيات مجهزة، وعنابر وتدريبات، وطرق تغذية وبدورها ستجعل جسد الخيل أفضل وتعمل على إبراز العضلات”.
أصحاب الدم النقي
لا يقتصر وجود الخيل الأصيل في محطة “الزهراء”. إذ يتواجد أكثر من 300 مزرعة خاصة لتربية الخيول العربية الأصيلة وكما أوضح فإن الفارق هو تمتعهم بالحرية في التلقيح والاحتفاظ بالبويضات. أما الزهراء تتبع الأسلوب التقليدي في التربية بسبب الخوف من عملية الخلط.
إدارة ثروة خيول الزهراء
لا تقتصر قيمة الخيول الأصيلة خاصة النادر منها على بيعها حية فقط. فمن الممكن الاستفادة من الخيول الأصيلة حتى بعد وفاتها، وذلك من خلال بنوك الجينات التي تعد أحدث صيحة لحفظ السلالات النادرة من الإنقراض. من خلال تجميع السائل المنوي للخيول وحفظه في النيروجين السائل في درجة حرارة تصل إلى 72 درجة مئوية تحت الصفر. ويمكن استخدامه لفترة تزيد عن 100 عاما بدون تغيير في الصفات الجينية.
وتكمن إدارة ثروة خيول الزهراء عن طريق الاستفادة من استمرار النسل وتحسينه، باستخدام التقنيات الحديثة المتبعة للاستفادة من ثروة الخيول القيمة ذات المواصفات المثالية.
وعن إمكانية استخدام التقنيات الحديثة في المحطة التاريخية يتحدث د. محمد دربالة، أستاذ مساعد بمعهد بحوث التناسليات الحيوانية ورئيس وحدة الأشعة التشخيصية والمناظير ومستشار إدارة الخدمات البيطرية بالقوات المسلحة. ويقول لـ«باب مصر»: “الخيول المصرية الأصيلة تعد ثروة قومية يتطلب الحفاظ عليها بكل السبل”.
ويتم الحفاظ على نسل الخيول العربية والمصرية الأصلية من خلال تقنيات مُتبعة لتطوير السلالات والحفاظ على استمرارها مثل نقل الأجنة، تجميد السائل المنوي، حفظ الطلائق الموجودة وغيرها من السُبل.
حفظ السلالات النادرة
ويتابع: الخيول العربية تخضع لهذه التقنيات البيولوجية وبالتالي يجب الحفاظ على حالتها الصحية في حالة جيدة من خلال تطور مناخ التربية المناسب للطلائق واتباع طرق حديثة في التربية.
وتتطلب هذه العملية توافر معامل خاصة. ويضيف مؤسس أول بنك لحفظ السائل المنوي المجمد للخيول العربية في مصر: “أعتقد أن القوات المسلحة تعمل على توفير المطلوب لتنمية هذا المشروع وقاموا ببناء المعامل الخاصة وتوافر الأجهزة الحديثة المطلوبة، لاستخدام تقنيات المعمل على مدار أجيال وأجيال من الخيل”.
وبرغم تكلفة استخدام هذه التقنيات، لكن على حد وصفه فإن العائد سيكون ذو دخل مكافئ. ويتابع: “أتوقع حدوث طفرة في تربية الخيل المصري العربي الأصيل، حال نجاح تطوير السلالات الموجودة وزيادة إنتاجها والعمل على تصديرها لدول عربية وأجنبية وتصدير السائل المنوي المجمد”.
موضة الخيل
تقنية تجميد السائل المنوي للخيول مُتبعة في دول العالم قبل 40 عاما. ولكن مؤخرا أصبحت الاتجاه المتوقع اتباعه في مصر لمواكبة متطلبات السوق العالمي. إذ يعتمد اقتصاد بعض الدول على دخلها من صناعة الخيول.
“ما الفارق لاختيار حصان دون آخر للتلقيح ؟”. أجاب قائلا: “تتوقف عملية البيع على سلالة الحصان، وصفاته الوراثية، وبرنامج التربية والإنتاج في بلده، وندرة الفصيلة نظرا لتصنيفها عائلات. وعامل آخر لارتفاع سعر البيع و الإقبال على استخدامها هو هل الحصان حي أم ميت. لأن سعر السائل المنوي المجمد يرتفع وفقا للكمية المتاحة وكلما كانت أقل ارتفع السعر”.
وعلى سبيل المثال، وصل سعر عملية التلقيح الواحدة للحصان “إيمراج” في الولايات المتحدة إلى 10 آلاف دولار. ويستكمل: “الخيل مثل موضة السيارات وكل بضع سنوات يتطلب تنفيذ عملية تلقيح صناعي من أحد أنواع الخيول لتحسين السلالة”.