«أسوان».. معابد النيل

في أسوان يمكنك أن تشرب من النيل مباشرة دون حاجة إلى تنقية المياه، ربما وبشكل استثنائي تلك هي صورة أسوان، المدينة النقية في طبيعتها والتي انعكست على براءة أهلها ورقي تعاملهم مع الزوار والغرباء. تقف أسوان كواحدة من أجمل المدن المصرية وأكثرها تأثيرا في عمق النفس، برمالها الصفراء ونيلها النقي الأزرق الذي يختلط بالأحجار الجرانيتية السوداء في مشهد يعبر عن تفرد الطبيعة وجمالها في أسوان.

الإله حورس

في مدينة إدفو التي تقع شمال محافظة أسوان، يقع المعبد الذي سمي على اسم المدينة، والذي أنشئ في الأساس لعبادة الإله حورس بحدتي، الإله الذي مثل على هيئة صقر. يقف هذا المعبد المهيب كأحد أكثر المعابد اكتمالا في الحضارة المصرية القديمة. وهو يشتمل على قاعات مخصصة للبخور والعطور، وحظيرة مواشي خصصت لتقديم القرابين. فضلا عن الخمائل التي تحتفظ بالصقور المقدسة، وغرف الكهنة وأرباب المعبد.

إن الدخول إلى قاعات هذا المعبد وتفقد نقوشه على الجدران كفيل بأن يوقع في قلب المرء شيئا من المهابة. بالرغم من أن المعبد تم تأسيسه في الفترة البطلمية إلا أن نمط البناء والعادات الدينية التي نقشت على جدرانه مصرية. فلقد جرت العادة أن يحتفظ المصريون بطقوسهم الدينية كاملة كما هي حتى في تلك الفترات التي لم يكن فيها الحكم مصريا.

لا يختلف الطريق الموصل إلى المعبد كثيرا عن المعبد ذاته، فهو يقع وسط المدينة وتصل إليه عن طريق عدة طرق ملتوية ومتعرجة. ثم تتفاجئ به على نحو كبير قائما أمامك في صورة مبهرة. وبينما يتقدم الإنسان في المسير من قاعة إلى قاعة، يرتفع مستوى المعبد شيئا فشيئا. وفي نفس الوقت ينخفض مستوى السقف بنفس الدرجة، يهيئك للدخول نحو قاعة العرش، قدس الأقداس حيث تقدم القرابين والعبادات. وأثناء مسيرك نحو المعبد تلحظ عددا هائلا من النقوش والكتابات على جدران المعبد الضخم.

مناظر مختلفة

فعلى الصرح الأكبر في الخارج تلاحظ الملك يمسك بيده اليسرى أعداءه، ويضربهم بيده الأخرى، يستعرض قوته وانتصاراته المتعددة أمام آلهة مصر كلها. ومنظر آخر في الداخل يقوم فيه الملك بطليموس الرابع برش الملح على الأرض قبل تأسيس المعبد أمام حورس. ومنظر آخر يعكس انتصار حورس العظيم على ست انتقاما لوالده الإله أوزوريس؛ إن هذه النقوش تنبض بالحياة بين ثنايا المعبد وتيجان أعمدته الجميلة.

وإذ تسيطر عليك رهبة الجدران الضخمة والتفاصيل الغنية فإنك تلمح أحد النقوش المهمة في المعبد. فحيث جرت العادة في المعابد المصرية على تصوير رحلة الحج المقدسة بالمراكب عبر النيل إلى أبيدوس، انفرد معبد إدفو بقصة لا تقل إثارة عن تلك الرحلة المحفورة في وجدان المصريين القدماء. فهنا عبر قاعات المعبد الداخلية تم نقش رحلة الإلهة حتحور من معبدها القائم في دندرة إلى إدفو. حيث تقوم بزيارة راعيها حورس لتتم عملية الزواج المقدس الذي يشهده الملوك والكهنة، في صورة طريفة ومنفردة. خاصة في تلك اللحظة التي يتم فيها ربط المركبين ببعضها البعض.

فالمعبد يعبر عن تاريخ كبير من العادات المصرية التي توارثتها الأجيال جيلا بعد جيل وحفرت على صفحات تاريخه. هكذا تميز معبد إدفو وانفرد. ولكي تكتمل القصة الكاملة لتاريخ المحافظة لابد من الانتقال بعد ذلك لمعبد آخر.

معبد تمساح النيل

يمتلك الجنوب كما الشمال تماما، معبدا مهيبا خصص لتمساح النيل الإله سوبك، وكذلك الإله حورس. معبد كوم أمبو المطل على نهر النيل، أحد أهم المعابد البطلمية يعبر هذا المعبد عن هوية المدينة قديما. والتي عرفت باسم بر سوبك أي مدينة سوبك. لم يتفرد بموقعه فقط بل تفرد كذلك بالقصة الكامنة وراء إنشائه. حيث يؤرخ هذا المعبد للأسطورة الخالدة التي تجسد الصراع بين حورس وسوبك. تخبرنا الأسطورة أن الإلهين حورس وسوبك كانا يحكمان مملكة تل الذهب والمسماه كوم أمبو. لكن سوبك الشرير انفرد بالسلطة وحده ونجح بطرد أخيه من المملكة ونفاه بعيدا في الصحراء.

ولأن حورس كان محبوبا من الشعب، فذهب الجميع إليه بعيدا عن ملكهم الشرير سوبك، ليتفاجئ سوبك بأنه بقي وحيداً بلا أي مؤيد. مما تسبب في خراب المملكة التي أصبحت بلا شعب، بعدها كان واجبا عن سوبك أن يتصالح مع أخيه حورس. وأن يرجعه إلى المملكة مرة أخرى. انتهى هذا الصراع بفضل الإلهة ماعت إلهة الحق والعدل التي صالحت بينهما ونقشت تلك المصالحة على جدران المعبد الداخلية، في دقة وإتقان منقطعا النظير.

وتنعكس تلك الأسطورة الفريدة على تخطيط المعبد نفسه. حيث ينفرد هذا المعبد دون معابد مصر كلها بأنه يتكون من معبدين اثنين في آن واحد. فينقسم المعبد إلى قسمين متساويين الأول خصص لعبادة الإله سوبك وهو الجزء الأيمن. وجزء مخصص لعبادة الإله حورس في الجانب الأيسر. لتجسد المصالحة التي تمت بينهما بشكل مختلف.

تفاصيل أخرى

بقيت بعض التفاصيل المبهرة والعجيبة داخل المعبد. حيث نقشت على جدرانه أدوات الجراحة التي كان يستعملها المصريون القدماء في مجال الطب مثل الخطاطيف التي خصصت لخلع الأسنان ومدقات للعظام وبعض المعالق. والمقص الذي كان يستخدم في علاج الجروح وقص الأربطة، تخبرنا تلك النقوش بالتقدم الطبي الذي وصل إليه المصري القديم.

اقرأ أيضا:

«الأقصر».. حاضرة إسنا

مشاركة
المقالات والآراء المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة، بل تعبر عن رأي أصحابها
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر