أثريون يحتفون بذكرى مرور 25 عاما على إنقاذ أعمدة معبد الأقصر
في عام 1994 بدأ معبد الأقصر تنفيذ أكبر مشروع أثري ضخم لإنقاذ 23 عمودا أثريا في بهو أعمدة أمنحتب الثالث من الانهيار بفعل ارتفاع منسوب المياه الجوفية، التي أثرت على الأعمدة وجعلت بها ميول كبيرة تصل لـ50 سم. المشروع كان بأيادي مصرية خالصة لأول مرة في ذلك التوقيت واستغرق 3 أعوام حتى عام 1997. كما تم افتتاحه في حفل ضخم نقلته كافة وكالات الأنباء العالمية.. «باب مصر» يستعرض ذكريات تنفيذ المشروع.
معبد الأقصر
يحكى الأثري محمد العربي، مدير معبد الأقصر، ذكرياته مع المشروع الذي كان ضمن فريق العمل فيه، ويقول: “البداية كانت باكتشاف بعثة شيكاغو العاملة في معبد الأقصر إبان ذلك وجود ميل في الأعمدة من الجهة الشرقية بفعل ارتفاع منسوب المياه الجوفية من الأرض. تم بعدها صلبه بالخشب للحفاظ عليه من السقوط، لكن بعدها تم اتخاذ قرار بفك الأعمدة لأنها تمثل خطورة داهمة ومتوقع سقوطها في أي وقت. وكان الدكتور عبدالحليم نور الدين -رحمه الله- هو الأمين العام للآثار في ذلك التوقيت، فأصدر قرارا بفك الأعمدة، 21 عمودا من الناحية الشرقية وعمودين من الناحية الغربية. وتم عمل معالجة للتربة من الأسفل وسحب المياه الجوفية وتم عمل مشروع تخفيض منسوب المياه الجوفية وكان من ضمن المشروعات الهامة جدا التي تم تنفيذها في المعبد”.
وتابع: بعد تخفيض المياه الجوفية للمعدل المطلوب والآمن، عملنا شبكة ديزومترات حول المعبد وهي مسؤولة عن قراءة معدل منسوب المياه الجوفية وعمقها. وبدأ بعدها فك الأعمدة، وكان كل عمود يتكون 11 كتلة. بدأنا بفك العتب من فوق والذي يربط بين الأعمدة وبعدها تم فك الأعمدة وتم نقلها للناحية الغربية من المعبد بجوار منزل “يسى” القديم. وتم رص كتل كل عمود بجوار بعضها البعض على الأرض بشكل أفقي.
أعمال معالجة
ويضيف، بدأنا مرحلة معالجة التربة. حيث تم فك قواعد الأعمدة أسفل الأرض، والتي كان بها أعمال ترميم من أيام باريزي في الثلاثينات وهو عالم آثار إيطالي. الذي عمل ترميمات بدائية بالطوب الأحمر والأسمنت الأسود لكنها حافظت على الأجزاء السفلية من التساقط في الأجزاء.
واستطرد العربي، بدأنا في فك القواعد السفلية وتغيرها وترميمها بالحجر الرملي وتم جلبه من جبال السلسلة الذي استخدمه المصريون القدماء. ووجدنا القواعد السفلية “باشت” وتفتت من فعل المياه الجوفية. وتم عمل قواعد جديدة أسفل الأرض لا ترى وتم زرع خرسانة أسفل منها وأسفل منها حلقات خرسانية دائرية ارتفاع الحلقة 50 سم. وتم عمل 10 حلقات بطول خمسة متر أسفل كل عمود، وتم دكها الزلط والرمال. ومنها بدأ بناء القواعد الحجرية فوقها وبدأ بعدها إعادة التركيب مرة أخرى. المشروع استغرق ثلاث سنوات. تم ترميم بعض الكتل السفلية وإظهار نقوشها، وكان مشروع في منتهى الجمال. وتكلف في ذلك الوقت نحو 9 ملايين جنيه. وتم حل مشكلة المياه الجوفية وانتهت تماما من خلال ماكينة ضخ في المعبد، تقوم بسحب أي زيادة في المياه الجوفية. وكذلك في معبد الكرنك هناك ماكينة سحب للمياه الجوفية.
فك الأعمدة
يشرح مدير معبد الكرنك طريقة فك الأعمدة التي كانت ملصقة فوق بعضها البعض. يقول: “حللناها فوجدانها تتكون من مواد بسيطة جدا مثل “الحيبة وجير”. واكتشفنا طريقة هندسية فريدة استخدمها المصريون القدماء معروفة حديثا باسم “ديل اليمامة”. وهي عبارة عن وضع قطع خشبية بداخل الكتل تعمل هندسيا على تهوية الحجر صيفا وشتاء. مما يدل على براعة إتقان المصري القديم في البناء والهندسة”.
ويفسر العربي سر بقاء المعبد محافظا على ثباته طوال آلاف السنين الماضية دون أن يتأثر بالمياه الجوفية، بأن المعبد كان “مردوم” بالطين أسفل الأرض لنحو أكثر من 6 أمتار. لذا فإن الطمي حافظ على الآثار المصرية من المياه الجوفية. لكن بعد رفع تلك الطبقات الطينية ارتفع منسوب المياه الجوفية. خاصة وأن المعبد قريب جدا من النيل ومنخفض نسبيا.
ويشير الباحث الأثري الدكتور محمد إمام، إلى أن الفناء المفتوح بمعبد الأقصر أقامه الملك أمنحتب الثالث. يحيط به 64 عمود من ثلاثة جوانب على شكل نبات البردي المبرعم، وتتميز بالرشاقة. حيث إن الفن والعمارة وصلا إلى ذروتهم في عصر الأسرة الثامنة عشر، وعرضه حوالي 51م وطوله 45م.
الأفنية المفتوحة
واعتبرت الأفنية المفتوحة في معابد الدولة الحديثة مكانا للاحتفالات، فكانت تسمى باللغة المصرية القديمة (وسِخِتْ حِبِيِتْ) أي صالة الاحتفال. ولعل أبرز ما ميز هذه الصالة الكشف عن خبيئة المعبد. لاحظ مفتشو المعبد ميلا في أعمدة الفناء، فعمدت الآثار إلى تقوية أعمدة الصالة وتقوية التربة. وبمجرد الحفر بحوالي 50 سم أسفل الأعمدة الغربية (على يمين الداخل) عُثِر على قاعدة تمثالين، ومنها انطلقت الحفائر التي استمرت حتى عام 1989.
عثر في الخبيئة على 6 تماثيل بالحجم المضخم للملوك أمنحتب الثالث. حور محب يقدم قربان على آتوم، حتحور في هيئة آدمية. تمثال من المرمر على هيئة أبوالهول يرجع إلى عهد الملك توت عنخ أمون. تمثال للمعبود “كا موت إف” رب الخصوبة وأحد أشكال “أمون رع” في هيئة ثعبان الكوبرا. وأخيرا تمثال للمعبودة “أيونيت” التي تكون مع “مونتو وثننت” ثالوث أرمنت، على قرابة 14 تمثالا آخرين وأواني ترجع حتى العصر المتأخر والمعروضة حاليا في قاعة الخبيئة بمتحف الفن بالأقصر. وربما كان الكهنة قد دفنوا هذه التماثيل للحفاظ عليها مع قرب الغزو الأشوري لمصر.