أثريون غاضبون بعد فتوى «الشيخ كريمة»: كل ما يخدم العلم.. هو حلال
القضايا القديمة ليست صالحة لإثارة الدهشة، ولكن بعض رجال الدين لا يؤمنون بذلك، ولا يتوقفون عن تقديم فتاوى خارج العصر. منذ أيام أثار الشيخ أحمد كريمة جدلا كبيرا عندما صرح لأحد الفضائيات أن استخراج مومياوات الفراعنة وعرضها للزوار حرام شرعا، وأن الدولة تتاجر بأجدادها لكسب دراهم معدودة. الواقعة لم تكن الأولى من نوعها، حيث تكرر الأمر عام 2012 حينما ظهرت دعوات تطالب بإعادة دفن المومياوات الموجودة في المتاحف.. «باب مصر» يستعرض آراء المتخصصين.
فتوى الشيخ كريمة
يقول الأثري الكبير الدكتور زاهي حواس، مكتشف العديد من المقابر والآثار المصرية في تصريح لـ«باب مصر»: “كلام هذا الشيخ غير دقيق بالمرة، وأرى أنه يقصد به الشهرة ليس إلا، فهذا الكلام الذي تشدق به ينطبق على لصوص الآثار ممن يدمرون المومياوات والتوابيت، أما ما يفعله عالم الآثار عكس ذلك تمامًا فهو يستخرج التابوت ثم يقوم بترميمه وتسجيله، مما يعني أنه يحافظ على أجداده العظماء ويسجل أمجادهم وعظمتهم.
ويكمل: سنعرض المومياوات الملكية في متحف الحضارة، وسيتم ذلك وفقا لأعلى مستوى من التكريم، بجانب كل مومياء خاصة بأحد الملوك سيتم عرض تماثيله وتاريخه وكافة المعلومات عن طريق التحنيط، ونتائج الأشعة المقطعية والحامض النووي، وبالتالي نقدم للزائر كل ما يريد معرفته عن هؤلاء الملوك العظام، وسيتم النظر للمومياء بإجلال واحترام، لاسيما أن جميع المومياوات تنتمي إلى تاريخ وحضارة عظيمة، وعند عرضها نستعرض جانب من هذا التاريخ والحضارة العظيمة التي ينتمون إليها.
وأكد «حواس»: “عالم الآثار لا ينبش قبورًا، لكن للأسف الكثير يتحدث بما لا يعرف، الكل بيفتي”، لكنني أثق أن مثل هذه الآراء تذهب أدراج الرياح كونها تجافي العلم.
تشريف وليس إهانة
ويقول الدكتور غريب سنبل، استشاري الحفظ والترميم بوزارة الآثار ومسؤول متابعة الأعمال بمتحف العاصمة الإدارية الجديدة: لدينا في متحف العاصمة الذي سيفتتح قريبا، ثماني مومياوات، ونعمل بالمتحف طوال أيام الأسبوع، ويبدأ العمل من الساعة التاسعة صباحا حتى الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، دون كلل وبمزيد من الحماس، وجميع العاملين من الشباب بالمتحف يعمل بجهد لإيصال رسالة للعالم عن عظمة تاريخنا وأجدادنا، إضافة إلى أن رسالة المتاحف هي ربط الجماهير بتاريخ وحضارة جدوده، فضلا عن أنه يرسخ ويأصل الهوية المصرية، كما أن عرض المومياوات رسالة لكل كارهي الإنجازات التي تحدث على أرض مصر والاكتشافات الأثرية المذهلة التي تمت مؤخرًا.
ويضيف سنبل، نحن نظهر عظمة وعبقرية جدودنا في كافة المجالات سواء في الفن أو العلم، كما أن التحنيط الذي لم يعرف سره حتى الآن، والذي استطاع المصري القديم أن يحافظ من خلاله على هذه الجثامين لآلاف السنين يدل على عظمة المصري القديم، لافتًا إلى أن العرض المتحفي للمومياوات في متحف العاصمة الإدارية يتم باستخدام أعلى وأحدث التكنولوجيا الحديثة، حيث يتم العرض داخل فتارين ذات عناية فائقة، تم إحضارها من ألمانيا، وما نقوم به هو تشريف للمومياوات، وما يثار من تلك الفتاوى ليس لها معنى.
عظة واعتبار
أما الأثري أحمد عبدالعال، مدير آثار الفيوم الأسبق، فيقول: تعرضت لمثل تلك الفتوى في الثمانينات وأنا أعمل بمنطقة دير البنات بالفيوم وتحديدًا في عام 1982، فقد كان يعمل معي أحد الأشخاص من خريجي كلية أصول الدين، وقال مثل هذا الكلام عن حرمانية استخراج المومياوات، كما يقول الآن الشيخ كريمة، وتم إثارة هذا الكلام أكثر من مرة، ما دفع المرحوم الدكتور على رضوان والملقب بـ”شيخ الأثريين” للرد على هؤلاء مستشهدًا بآية من القرآن الكريم: “فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً ۚ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ”.
كل ما يكرث للعلم فهو حلال
أما الدكتور أيمن وزيري، رئيس قسم الآثار المصرية كلية الآثار جامعة الفيوم، فيقول: لا يوجد دليل مع الشيخ كريمة على ما يقول، وبالنسبة لنا لا يعدو أن يكون مجرد رأي شخصي، ولا تقتصر أهمية عرض المومياوات على العرض بالمتاحف من أجل مبالغ مالية كما قال كريمة، لكن هناك الآلاف من الدراسات العلمية في مختلف الفروع ساعدت رؤية ودراسة المومياوات على استكمالها، حيث تم معرفة الكثير من الحقائق التاريخية عن الملوك والحضارة الفرعونية وعظمتها وتقدمها في مختلف المجالات.
ويضيف وزيري، والسؤال لمن يقول مثل هذا الكلام، عندما تحتاج النيابة الآن لكشف غموض حادثة قتل أو سبب وفاة شخص ما، أفلا تطالب باستخراج الجثة التي يكون تم دفنها في بعض الأحيان، أفلا يتم تشريحها لكشف ملابسات القضية، لماذا لا تقول أن هذا حرام أو نبش قبور؟، نحن ندرس المومياوات ونعرف غموض الماضي، والكثير من أسرار الحضارة المصرية القديمة، وكل ما يكرس لخدمة العلم يعد حلالًا.
ويختم وزيري كلامه: لكل علم أساتذته، ولكل علم متخصصين أرفع لهم القبعة، وعلى الشيوخ ترك علم الآثار ومجاله للمتخصصين، حيث إن مقابر الفراعنة لا يجب أن يتم التعامل معها مثل المقابر العادية فهناك فرق كبير.
الحرام والحلال
ويقول الأستاذ الدكتور، ناجح عمر عمر، أستاذ الآثار والحضارة المصرية القديمة بقسم الآثار المصرية بكلية الآثار جامعة الفيوم: أتذكر وأنا طالب في كلية الآثار جامعة القاهرة ذهبت أنا ومجموعة من الزملاء لمنزل العلامة الشيخ محمد نجيب المطيعي أحد علماء الأزهر الشريف، محملين بعدة أسئلة منها هل دراسة الآثار والعمل في الإرشاد السياحي حلال؟، فأفتانا الرجل العالم الكبير بأن كل ما سألنا عنه حلال تمامًا.
ويذكر عمر، أن استخراج مومياوات القدماء يساعد في الكشف عما تركه أجدادنا من علوم، والحفاظ عليها من الدمار هو من صميم واجبنا كمصريين غيورين على تراثنا وآثارنا، وليس فيه أي حرمة، وإلا كان حرم علم التشريح بكلية الطب، عكس ما يقوله الشيخ كريمة.
أهمية دراسة المومياوات
وعن التعامل مع المومياوات في أماكن الحفر، تقول سارة العمري، مفتشة آثار بوزارة السياحة والآثار ومتخصصة البقايا الآدمية: أنا أعمل في مناطق الجبانات، ونقابل نوعين من الدفنات إما مومياوات أو بقايا آدمية، والفرق هنا أن المومياوات تكون محنطة ومنها المحنط بدرجة عالية الجودة أو التي قليلة الجودة، وذلك حسب الدرجة الاجتماعية للمتوفى، ولا يتم نزع اللفائف عن المومياوات عالية التحنيط عند العثور عليها في موقع الحفائر، مثل مومياوات سقارة، حيث يتم التعامل معها من خلال أجهزة الأشعة السينية X Ray أو الـCT scan، ثم تعرض بالمتاحف، أما البقايا الآدمية غير المحنطة أو المحنطة بدرجة جودة قليلة لدرجة أن العظام تكون ظاهرة فتلك يتم التعامل معها علي أنها دفنات عادية، ويتم دراستها بالطريقة العادية، ونستطيع لمسها ومسكها بأيدينا.
وتضيف العمري، دراسة المومياوات وفحصها له أهمية كبيرة فنحن من خلال فحص العظام يمكننا معرفة نوع المتوفى ذكر أم أنثي، طبيعة الأمراض التي كانت موجودة في هذا العصر حيث يمكن أن تكون تركت آثارها على المومياء، كما نعرف العمر وتاريخ المرض إن وجد، ونعرف أيضًا النشاط اليومي ومهنة صاحب المومياء عن طريق العضلات، ومن الأسنان نعرف نوع الغذاء، وهل كان صاحب المومياء يعيش في مجتمع زراعي، أو مجتمع يعتمد على الصيد، هل يتناول النشويات أم البروتين؟
وتكمل: من خلال دراستنا للمومياوات استطعنا اكتشاف العديد من الأمراض التي كانت تصيب المصريين القدماء، وطرق معالجتها قديمًا، وكيف كان المصريون القدماء متطورين للغاية في الطب، فقد اكتشفنا في إحدى المقابر طرف صناعي، وهناك أشخاص تم إجراء عمليات جراحية لهم، مثل تركيب شرائح أو مسامير في المفاصل، وهناك أيضًا جراحات تركيب لأسنان، وبعض الأمراض لها تاريخ طويل ممتد، مثل أمراض المفاصل، نقص المناعة والأورام، نقص فيتامين دي وفيتامين سي، هشاشة العظام، السل والجزام، أمراض الرئة والنقرس وغيرها الكثير.
وتختتم حديثها: نتعامل بحرص شديد وعناية فائقة سواء مع المومياوات أو العظام التي نقوم بدراستها، فبعد الانتهاء منها نقوم بدفنها في مكان معلوم، ويدون عليها أنه تم دراستها، وفي تلك الحالة لا يتم عمل حفائر مرة أخرى بالمنطقة، ولا يمكن إعادة دفن المومياوات.