من التراث البدوي.. «المفروكة والتقذير» أبرز طقوس «الجلامة» ينتظرها الصغار قبل الكبار
كتب – مجيد الصنقري
يبدأ موسم جز الصوف، الذي يطلق عليه أهل البادية موسم “الجلامة” في منتصف أبريل من كل عام، ويُعد هذا الموسم عند البادية بمثابة إحياء لحفل تراثي يُلقى فيه الشعر وتطهى فيه الأكلات البدوية، ويجتمع الأصدقاء والجيران.. توجهنا إلى صحراء جنوب الضبعة، للتعرف على طقوس موسم “الجلامة”.
يقول أحتيتة الشافعي، مواطن، إنه في صباح يوم “الجلامة” يبدأ صاحب الغنم ببناء الخيمة البدوية التي يستظلون بها، ويدعي جيرانه وأقاربه وأصدقائه ليساعده بعضهم في إعداد الطعام، ومنهم من يقوم بإمساك الماشية وتكتيفها للجلام، ومنهم من يقوم بالجلامة، مضيفا أن هذه المساعدة يُطلق عليها “الرغاطة”، لكن في السنوات الأخيرة ومع ظهور التجار بدأت “الجلامة” بمقابل مادي قدره في المتوسط 5 جنيهات للرأس الواحدة.
ويشرح: يمنع صاحب الغنم ماشيته من شرب الماء ليلة “المجلم”، ويجهز أدوات الجلامة، التي تتكون من مقص والميلق وتستخدم لفي سَنَّ المقص، و”الكتافا” وهي الحبل الذي تُربط به أرجل الماشية، والحماميد وهي التي يُجمع فيها “الصوف” وتصنع من أجولة الشعير.
التقذير والمفروكة
ويتابع الشافعي قائلا: يبدأ صاحب الماشية بإعداد سياج دائري أو مربع يسمى “الزربي”، مصنوع من الأسلاك.. ويدخل ماشيته فيه.. وهناك من يبني الخيمة داخل الزربي، التي يستظل بها الجلام من حر الشمس.. ومع بداية العمل في الجلامة يقوم أحد الجيران أو صاحب المجلم بعمل المفروكة.. وهي خبز وتمر وزبدة بلدي يوضع في إناء ويخلطون التمر بالخبز كالسلطة.. ويتناولها الجميع مع شرب اللبن المخضوض. وهنا يبدأ الجلامة “بالتقذير”، وهو إلقاء الشِعر مع جر كلماته بصوت فية غنَّة،. وأثناء ذلك يقوم صاحب المجلم بعزل واحدة من الماشية ويذبحها ليتناولون منها وجبة الغداء.
ويضيف ناجي الحدب، بدوي، أن موسم “الجلامة” ينتظره الصغير قبل الكبير في مجتمعنا البدوي.. كما أنه إحياء للتراث البدوي القديم، سواء في المفروكة باللبن أو طريقة طهي الأرز واللحم، منوها بأن هذه المناسبة تقتصر على الرجال فقط.
طرب الشتاوة
ويتابع الحدب أن من أهم طقوس المجلم إلقاء الشعر(التقذير)، وغالبًا ما يبدأ بـ”يارحام نريد طعام”.. ويقولونها عندما يتأخر الفطار “الضحوية”.. وفي حال سكوت الجلامة أثناء العمل، وقد يبدأ بعضهم بـ”اطري الضان”.. أي يأمرهم بأن لا يكفوا عن إلقاء الشعر. وقد يقول مثلا: “الضان والجلم والبيت نهار املاقاهن طرب” ويعني أن الماشية أو الغنم والماكينة المستخدمة في جز الصوف والخيمة عند وجودهم في وقت واحد يكون الطرب.
التشاوة
كما يقوم البعض باستخدام “الشتاوة”، وهي أشعار يستخدمون فيها التصفيق باليد بعد العمل المتواصل، الذي يؤثر على قبضة اليد التي تمسك الماكينة أو الجلم معتبرين التصفيق علاجًا لذلك.
ويقول يسري الصنقري إن المجلم يأخذ قطعة من صوف أول شاه يجزها، وينقعها في الماء لتخرج منها المادة الدهنية، التي يطلق عليها أهل البادية “الوذح”، ويغطس “الجلم” ماكينته فيها بعد الانتهاء من كل ماشية، وتزين صغار الماشية والكباش بقطعة دائرية أو قطعتين منه على الظهر، موضحا أن الشاه التي تصيبها الماكينة بجروح يوضع عليها بعض من رماد الفحم مكان الجرح كعلاج سريع لها.
أشعار تراثية
ومن المقولات والأشعار المتداولة في هذه المناسبة: “يارحام نريد طعام”.. ومعناها: هنا يطلب الجلام الطعام من صاحب الماشية، و”يرعاهم الله ياضان أسيادك وفزاعتك الكل”.. ومعناها: هنا يخاطب الجلام الماشية قائلًا:
“يرعى الله سيد الماشية ومن قام بتقديم المساعدة وكل من شارك في المناسبة”.. و”الضان والجلم والبيت نهار املاقاهن طرب”.. وهنا يقول الجلام إن الماشية أو الغنم، والماكينة المستخدمة في جز الصوف.. والخيمة عند وجودهم مع بعض يحدث الطرب.. و”الضان كل يوم تزيد الراعي غلا مو لولي”.. وهنا يقول الجلام أن الغنم كل يوم تزيد محبتها عند الراعي أكثر من قبل.. مع تزايد أعدادها وكأنها ملك له.. و”النور ياجلامة النور” وهذه المقولة بمثابة تشجيع للجلامة، وهى مرادفة لكلمة ” “له ينور”.. و”بيضت” تستخدم هذة الكلمة عند الانتهاء من جز الصوف وهي مرادفة لكلمة الختام.