في الليلة الختامية لمولد السيدة زينب.. “يا رئيسة الديوان مدد”
فى كل عام يحتفل المصريون بمولد السيدة زينب في شهر رجب فهي حفيدة رسول الله، بنت الإمام علي بن أبي طالب، وابنة السيدة فاطمة الزهراء، ولدت في المدينة المنورة في العام السادس من الهجرة، وأتت إلى مصر بعد كربلاء اختيارًا من بين وجهات أخرى عرضنها عليها سيدات بنى هاشم، لتهون على نفسها، وتخرج من المدينة، فأقامت في مصر قرابة العام و ماتت عشية يوم الأحد 14 رجب عام 62 هجريًا، وكان لقبها “أم العواجز” دلالة على أن ضعفاء العامة يقصدونها للتبرك وطلب الدعاء.
تستمر مظاهر الاحتفال بمولد السيدة زينب عدة أيام، يشد محبوها الرحال من جميع محافظات مصر إلى مسجدها وضريحها في القاهرة، يفترشون الأرض على حُصر، أو كليم (منسوجات من الصوف أو الكتان)، وتظلهم ملائة تستند إلى جدار مرفوعة على عصا، يقصدون المقام و يقرؤون الفاتحة، يصطفون في حلقات الذكر، ويتمايلون حول ذواتهم، حتى يسموا في حب الله، علي أصوات مداحين أتوا للإنشاد من كل مكان.
في محبة أم هاشم
تقول أم رجب، 75 عامًا، من محافظة المنيا، “نحب السيدة زينب، نحبها هي وأخاها الحسين، ومن حبنا لها نزورها منذ خمسين سنة، حبها لينا زي حب رسول الله، البيت اللي تدخله السيدة يعمر، وحياة حضرة النبي، قبل ما نيجي هنا بخمس أيام أخوها جالي في المنام يقولي يالا بالقفة، قلت له حاضر.
“المولد بيجي له ناس من كل حتة، غنى وفقير، كان فيه وزير بيجي مولد السيدة مخصوص لابس خيش بس، وبيلف المولد حافي وبيصرخ مدد، ولا المجاذيب، كان بيعملها وهو وزير وبعدها فضل يعملها لحد ما ربنا افتكره، وفيه ناس كتير زيه كده، بيبقى باين عليهم إنهم مش مجاذيب حتى لو شالوا من طين الأرض، ودهنوا بيه نفسهم، هما كده، معرفش بيعملوا كده ليه يمكن محبة أو بيكسروا الكبر اللي في نفوسهم لله على عتبة السيدة. يقول وجدي، 48 عامًا من سكان حي السيدة زينب.
بينما يضيف رمضان، 38 سنة، من محافظة القليوبية، “بنحب آل البيت عشان جدهم حضرة النبي (ص) ، إحنا مش قادرين نزور حضرة النبى فبنزور ولاد بنته، لأنهم أقرب حد ليه فبنروحلهم، فيه ناس بتعترض علي القعاد بتعنا ده، الجماعة أصحاب الدقون، بس إحنا مبنعملش حاجة تغضب ربنا، لما واحد فايت متعرفوش سقيته شوية ميه في حب الله وفي حب رسول الله هتاخد ثواب طبعًا.
الخدمة
وعن المكان المعروف بالخدمة يقول رمضان: إحنا بنفرش عشان الناس اللي عاوزة تزور آل البيت محتاجة تشرب شوية شاي، حبة مية، يقعدوا يستريحوا ونحطلهم لقمة وشوية ملح، قابلنا ضيوف ستنا السيدة زينب فكده إحنا ضايفنا ضيوفها.
وكذلك الشيخ رجب الحافي يرى أن “الخدمة لوجه الله”، تهدف لإطعام المسكين، ومقابلة الأحباب، ويستشهد بالآية الكريمة (إنّا جعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا).
المديح والابتهالات
طوال فترة المولد تسمع أصوات الابتهالات والمديح في كل شوارع السيدة، يدور أصحاب المحلات والفرش أجهزتهم بالمديح وتكاد الناس تتمايل علي نغمات الإنشاد مبتهجة
يقول أحمد، 24 عامًا، صاحب محل أشرطة كاسيت.
“لسه فيه ناس بتشترى شرايط كاسيت للمشايخ ، مش كتير زي الأول بس غاويين، كل حد واللي يحبه، فيه ناس بتجيب الشيخ ياسين، أو العجوز، فرحان، وغيرهم، وتقام سرادقات في الشوارع يستمع فيها زوار المولد إلى الإنشاد والمديح، لقصائد ابن الفارض والقوصي، وتصحب المديح المزمار والطبلة وأحيانا يتراقص الناس بالعصا والطبلة.
حمص و حلاوة
تنتشر عربات محملة بالحمص وحلويات المولد الشعبية، في كل الشوارع المحيطة بالمسجد، عربات كبيرة نصف نقل، وأخرى صغيرة مجرورة باليد.
تقول سعاد، 50 عامًا، من محافظة الغربية: “بروح كل الموالد السيدة والحسين والبدوى وسيدنا إبراهيم الدسوقي، بفرش بالحمص والحلاوة والعيال بتشتريه والناس بتاكله، فيه الحلو وفيه الوحش كل واحد وضميره.
المراجيح
تنتشر المراجيح الشعبية حول المولد فترى الشباب يموج بالمراكب المعلقة في الهواء، وقد يصل أن تزداد سرعتها في التأرجح حتى تدور حول نفسها، ويركب الأطفال الأحصنة الخشبية الدوارة مع سماع صوت عامل المرجيحة و هو يطرق بحديدة علي عمودها منغمًا كالطبل.
“أي حتة فيها عيد وفرحة بنروحها، مولد عيد أي حتة الناس تنبسط فيها بتلاقينا، نفرح الناس اللي جايه تنبسط”، يقول محمد المسؤول عن المراجيح.
الطراطير و المزمار
الطرطور الورقي المغلف بورق فضي ملون لامع، و الطربوش المصنوع من الورق المقوى، والوجوه البلاستيكية لشخصيات كرتونية، و زمارات مختلفة (أبواق صغيرة) تجدها فوق سيارات مصنوعة من أقفاص الجرايد، وتتحرك فوق عجلات من جلد الكاوتشوك، تشد أنظارك بألوانها اللامعة
سيرك المولد
في كارفان خشبي تجد سيرك المولد يحيط نفسه بإعلانات عن فقراته، شيكو العجيب ضحك متواصل، مسرح نجوم القاهرة الأميرة وردشان، فتاة النار والكهرباء، شمشون العرب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مراجع جرى الاستعانة بها:
*عائشة عبد الرحمن : السيدة زينب عقيلة بنى هاشم – دار الكتاب العربي – بيروت – 1985 م – ص 23 ، ص 28 ، ص 153 .