وظيفة صيف

اعتدنا في عطلة الصيف المديدة، أن نمضي وقت الفراغ بالعمل باليومية في العديد من المصانع والفابريكات والورش. حيث انتسب عدد كبير من صبية المدارس لشغل كثير من وظائف الأنفار بعد موسم طويل من الدرس. فلم نعرف الرفاهية في شواطئ الاصطياف أو التنزه في الحدائق أو بهجة الأمسيات الشاعرية سوى السينما.

بل كان الكد والكدح هو مصيرنا، لنتكسب في ختام اليوم قروش زهيدة. ننفقها في عطلة الأسبوع في تذكرة سينما درجة ثالثة لنشاهد فيلمين في بروجرام واحد. حيث تسحرنا أفلام الأكشن “الولة وزميله”. وطيلة تلك العطلة، تصادف أن البعض من هؤلاء الصبية، أكمل في العمل طوال حياته وهجر المدرسة. حيث صار العديد يحتل عددا من الوظائف المرموقة في سنين حياته.

على الشاطئ
على الشاطئ
***

لقد عملنا في فابريكات كراون بروادى (بيره التاج) بشارع إيلوزيس بالإبراهيمية وبولاناكى وزوتوس. حيث أسرتنا تلك التجربة الجديدة وصاحبتنا المتعة والتشويق، وألهمتنا معرفة وخبرة أخرى، نمضى صباحا، لنحمل صناديق البيرة والبراندي الفارغة لنعبأ دونها بأخرى ملآنة، ثم نحملها إلى العربات التي تربض أمام تلك البنايات لتمضي بها إلى زبون تلك البضاعة ولم نصادف أحدا، ينهى عن عملنا ويصفه بالمنكر.. لأن المجتمع آنذاك كان يذخر بكافة أشكال وصور الحياة المفتوحة ولأن الدنيا اتسعت لآفاق أكثر حرية ورحابة ولم يؤثم الفعل الطبيعي والذي لا يمثل أذىً لآخر.

كانت الشواطئ تحفل بالعديد من البشر، رجال ونساء في مايوهات سافرة، يمضون صحبة على أرصفة الشواطئ في سكينة وطمأنينة، يمزحون ويلعبون في نشوة راقية دون تربص من أحد، وكان الأطفال صبية وصبايا تلهو وتتعابث كل مع الآخر في براءة وهم يستحمون تحت “دش” المياه العذبة الكائن في بقعة على رمال الشاطئ، ولا أحد يمتعض للأخوة والمحبة بين أبرياء يشملهم البحر.

آنئذ، سادت في السبعينات ظاهرة، كانت امتدادا للأربعينات. حيث تناثرت مظلات المقاهي والبارات على الأرصفة مطوقة بمقاعد وموائد دائرية ترامت عليها زجاجات البيرة ورجال ونساء يتطلعون لإطلالة الكورنيش في مرح وغبطة طاغية.

وشهدت الكازينوهات الكائنة بالشواطئ، بانوراما بكامب شيزار، نفرتيتي بكليوباترا، الشاطبي، الأفراح التي عقدت حتى اقتراب الفجر. واشتهرت بالزفة الإسكندراني في الرقصات والأغاني. وقبيل منتصف الليل تشهد صالات وبارات وسط البلد المشرفة على البحر، والمقاربة له، أتنيوس، باسترودس، منسنيور، حفلات الرقص والغناء الأوربي في بهجة ساحرة حتى مطلع الفجر، حيث ارتادت الشرائح الاجتماعية العليا تلك الأرجاء.

اقرأ أيضا:

سوابق في ضمير العدالة

مشاركة
المقالات والآراء المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة، بل تعبر عن رأي أصحابها
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر