«مينيكه شيبر» في مكتبة الإسكندرية: التاريخ المنسي للنساء «الأرامل»

نظمت مكتبة الإسكندرية ندوة لمناقشة أحدث أعمال الكاتبة الهولندية «مينيكه شيبر» بعنوان «الأرامل».  ناقش العمل المترجم عبدالرحيم يوسف، وأدار الندوة الكاتب منير عتيبة. تُعد «شيبر» كاتبة وأكاديمية وروائية هولندية، درست اللغة الفرنسية والفلسفة في جامعة أمستردام الحرة، كما درست النظرية الأدبية والأدب المقارن في جامعة أوتريخت. وبدأت حياتها العملية بتدريس اللغة الفرنسية والأدب الإفريقي.

 الأرامل: التاريخ المسكوت عنه

في بداية حديثها أوضحت «شيبر» أنها تولي اهتماما خاصا بالأرامل من النساء، إذ طالما فاق عددهن عدد الأرامل من الرجال. ووفقا لتقديرات عام 2021، توجد 258.5 مليون أرملة في مختلف أنحاء العالم. وتعيش واحدة من كل عشر أرامل في فقر مدقع. ولطالما جرى تجاهل هذا البعد الديموغرافي، حتى من جانب الحركات النسوية.

وأضافت «شيبر» أنها بدأت البحث في مشكلة الأرامل أثناء عملها على كتابها السابق “إياك والزواج من كبيرة القدمين”، الصادر عام 2004، والذي كان أول أعمالها المترجمة إلى العربية. وقد جمعت فيه آلاف الأمثال عن النساء من مختلف أنحاء العالم، وخصصت عشر صفحات فقط للأرامل. وقد لاحظت أن التصورات حول النساء كأشياء قابلة للتبديل كانت واسعة الانتشار.

وقالت «شيبر»: “أثار ذلك فضولي وبدأت الغوص في عالم الترمل الخفي. وعلى الرغم من الاختلافات الكبيرة في التقاليد، كان من المدهش اكتشاف عناصر مشتركة في التاريخ العالمي”. وقد تناول الكتاب ثمانية فصول تتنوع بين: الفراق، والحداد، وثياب الأرملة الجديدة، ومصاحبة الزوج في الموت، والاتهام بالسحر، والجنس، والملكية والمصادرة، وأخيراً أمثلة لأرامل ينهضن من الرماد والأسى. تظهر هذه الموضوعات، في جوهرها، ليس فقط واقع الأرامل بل تاريخا أوسع للنساء عبر العصور، نساء خضعن للتحكم والسيطرة، ونادرا ما سئلن عن نوعية الحياة التي يرغبن بها لأنفسهن.

 العادات والتقاليد المفروضة على الأرامل

واستطردت «شيبر» حديثها موضحة أنها اكتشفت الكثير من العادات والتقاليد المفروضة على الأرامل خلال بحثها. وأشارت إلى أن بعض التقاليد تفرض على الأرملة العويل الإجباري، لفترة تتراوح بين بضعة أيام إلى ستة أشهر أو حتى سنتين بعد وفاة الزوج، حتى يتأكد أهل الزوج من أنها تظهر حزنها بالشكل المناسب. وأضافت أن النساء كن يرتدين الحجاب الأسود أو قبعات بها حجاب أسود في الجنازات حتى وقت متأخر من القرن العشرين، كما فعلت چاكلين كيندي في جنازة زوجها الرئيس الأمريكي چون كنيدي، حيث غطت وجهها بحجاب الحداد.

وفي ثقافات أخرى، بينما كان وجود الزوج مصدرا للاحترام، كان الترمل يعد كارثة اجتماعية وعاطفية للأرملة. فمثلا، هناك قول شائع في مالي يختزل المرأة بتحولها إلى “شجيرة تافهة” بعد فقدان زوجها. كما تعرض عدد لا يحصى من الأرامل للدفن أو الحرق أحياء، أو الشنق، أو الخنق، أو قطع الرأس، أو حتى إطلاق النار عليهن، ليلحقن بأزواجهن المتوفين في الحياة الأخرى.

وأشارت إلى صور التقطت لطفلات أرامل في ملجأ في دلهي منذ عشرينيات القرن العشرين، إذ كان يشترط على الأرملة، حتى الطفلة، البقاء عفيفة مدى الحياة. ففي الهند، كان يطبق ذلك حتى على الأطفال الصغيرات اللواتي يترملن قبل إتمام الزيجة. بمجرد طلب الرجل من المرأة الحامل أن تزوجه ابنتها بعد الولادة، ثم يموت قبل إتمام الزيجة تصبح الطفلة منذ ولادتها أرملة ويجب عليها البقاء دون زواج طوال حياتها.

التمرد على التقاليد

ذكرت «شيبر» أنه حتى اليوم، تتزوج حوالي 12 مليون فتاة تحت سن 18 عاما، أي واحدة من كل خمس زيجات. وسردت مثالا لاحتجاج شاركت فيه مجموعة كبيرة من الأرامل ضد استبعادهن من مهرجان الربيع. ارتدين فيه ملابس ملونة، مخالفات التقاليد التي تفرض عليهن ارتداء الأبيض، كما تمردن على قوانين صارمة، مثل تلك التي تطبق في الصين بصرامة بشأن ميراث الأرامل لمنع زواجهن مرة أخرى.

وأشارت إلى أن كسر هذه القواعد والتحيزات المتجذرة يتطلب قوة وشجاعة كبيرتين، وأضافت: “كل تحرر يبدأ بفرصة لاكتساب المعرفة. لكن، ثمة مقولة قديمة في أوروبا تقول: المعرفة تسبق الفضيلة عند الرجال، والفضيلة تسبق المعرفة عند النساء. بينما تقول مقولة صينية: “المرأة دون مواهب، تبلي بلاء حسناً بالفعل”. كرجل، أنت لست بحاجة إلا إلى رحمها كي تنجب أطفالاً!”.

 بعض النماذج لأرامل مختلفات

اختتمت «مينيكه شيبر» اللقاء بذكر عدد من الأرامل الملهمات، منهن:  الصينية “تاو هوائي”، التي أصبحت مليونيرة بعد إطلاق علامتها التجارية عقب وفاة زوجها، لتتمكن من العيش وتربية أطفالها.

أما الباكستانية “خديجة”، فقد حصلت على حقها في قطعة أرض حُرمت منها، بفضل برنامج تدريبي تابع للأمم المتحدة. وفي الهند، ثابرت “مارتا أليسيا بيناڤينتي”، وتعلمت رغم فقرها، وتمكنت من تأسيس مشروع لإنتاج مصابيح شمسية منزلية تنير قريتها التي لا تعرف الكهرباء. فبرغم كل القواعد الخانقة، نجح كثير من الأرامل في بناء حياة جديدة بعد فقدان أزواجهن.

أهم أعمالها

من الجدير بالذكر أن أطروحة «شيبرد» للدكتوراه عام 1973 كانت أول رسالة دكتوراه في هولندا تتناول الأدب الإفريقي. وما تزال تحتفظ بمنصبها كباحثة في مركز جامعة لايدن للآداب والفنون. لكنها متفرغة حاليًا للكتابة.

وقد صدر لها باللغة العربية:

  •  إياك والزواج من كبيرة القدمين: النساء في أمثال الشعوب (2008).
  • “المكشوف والمحجوب.. من خيط بسيط إلى بدلة بثلاث قطع” (2017).
  • “ومن بعدنا الطوفان.. حكايات نهاية البشرية” (2018).
  • “تلال الفردوس.. تاريخ الجسد الأنثوي بين السلطة والعجز” (2020).
  • “الأرامل” (2022).

وبالإضافة إلى كتبها الروائية والبحثية، كتبت «مينيكه» مقالات ودراسات للعديد من الصحف والمجلات في هولندا وخارجها، إلا أن شهرتها الأوسع جاءت من دراساتها حول أدب المرأة.

كما ألفت ما يقرب من عشرين كتابا، بعضها منفردة، وبعضها بالاشتراك مع باحثين آخرين، من أبرزها:

  • “المسرح والمجتمع في إفريقيا” (1982).
  • “ما وراء الحدود: النص والسياق في الأدب الإفريقي” (1989).
  • “أصل كل الشرور: أمثال ومقولات إفريقية عن النساء” (1991).
  • “وفي البدء لم يكن هناك أحد: كيف جاء أول الناس إلى العالم” (2010).
  • “آدم وحواء في كل مكان: أول شخصين في اليهودية والمسيحية والإسلام (2012).
اقرأ أيضا:

المؤرخ الفرنسي «هنري لورنس»: الغرب يجب أن يراجع تاريخ «فلسطين»

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر
إغلاق

Please disable Ad blocker temporarily

Please disable Ad blocker temporarily. منفضل اوقف مانع الاعلانات مؤقتا.