من يخاف الهوية الإنسانية؟

إن الظن بأن الستار سينزل يوما على الحرب الدائرة في غزة الآن هو ضرب من الحمق والجنون، لأن الشعب الذي حفر في الذاكرة عبر عقود طويلة مأساته وأزمته، أراد أن يدَّون انتصار الحياة والإنسان، وأن الرحلة مصيرية ولا أجد بمقدوره أن يحدس بالخواتيم، فهي رحلة ناجي العلي وغسان كنفاني وإدوارد سعيد ومحمود درويش وسحر خليفة وفدوى طوقان.

كل ذلك أثمره بزوغ الوعي التاريخي بأن الموت هو الذي صنع للحياة قيمة ومعنى. وأن مراعى القتل منذ النكبة إلى الآن أثمرت أزهارا وخناجر، أدمت خاصرة النظام العربي بأسره طيلة حقب وأزمنة عديدة. لأن الأروقة المكيفة التي شهدت كل الكوارث التي حلت بشعب عارك الحرب وحده، والتي نظرت قضيته، هي التي طرحت رؤى ونظرات معقمة ومكيفة أيضاً. تلك المحافل أسهمت في إعادة إنتاج (صهينة) المسألة، نحو تصفية مآسي ومآزق هذا الكيان بشتى الطرق، ونحو إطفاء جذوته. حيث لم يعد لديه سوى المقاومة والتحدي.

***

في ظل تلك العواصف، تأسست السلطة المحتلة، وتضخمت البنية الاجتماعية، فصارت تزخر بتراث عريق وثقافة مناضلة مرورا بكافة مقومات الدولة.

وأدرك القوام العربي مبكرا أن المسألة الفلسطينية مثلت أشواكا دامية في طريق خلخلة عمل ومسارات وخطط الهيمنة العربية. حيث لا تعكس طموحات المؤسسة العربية في اعتماد سياسات الاقتلاع بكافة صورها، وأنها تؤثر السلامة بالخلاص في سراب ملاذ آمن، حيث استوطنت ساحات التهدئة والسكون، وحصار وتطويق صور وأشكال المقاومة التي تقاطعت مع وجوه الكفاح اليومي ضد النبذ والاستعباد، حيث تجهزت لتجسيده داخل المجتمعات العربية.

في ظل تلك المشاهد، برزت أصوات أخرى في مدى آخر، مثلت ساعدا آخر للقضية والمأساة. تعبر عن المساندة والتضامن، ووجوه حرة من كافة أطياف المفكرين والمثقفين، دعت إلى (تمثيل) المسألة في الغرب. حيث آمنت بحقوق الشعب في استرداد التراب الفلسطيني. ومناهضة كافة أشكال القهر والقمع الذي يحتل كل أرجاء الوطن الفلسطيني من قِبل نازية جديدة؛ لتحمل في القلب والوجدان إيمانا ويقينا محتوما بأن الظواهر الإنسانية الآن، قد تعرت وكشفت عن أداءات عنصرية فاضحة تصادر منطق العدالة والتحرر، وتعتقل كل شرائع التمدين. لتعلن عن سقوط كافة الأقنعة التي تختبئ وراءها.

اقرأ أيضا:

رائحة البارود وراء الستار

مشاركة
المقالات والآراء المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة، بل تعبر عن رأي أصحابها
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر