من يحمي صناعة النحاس من الانقراض؟
“ويظل فيها شيء من روح صانعها”
“بحماس” هكذا تصف جينفر الأمريكية إحدى السائحات، التي كانت تتجول في ربع السلحدار في خان الخليلي، طريقة صناعة النحاس يدويا.
بعد أكثر من وصف للطريق اجتزت عدة درجات، ما إن أنهيتها حتى بدأ يتهادى إلي صوت دقات منتظمة على لوحات نحاسية، حتى وصلت إلى مصدر الصوت، حيث “صنايعية” لا يقل عمر أصغرهم عن 40 عامًا، ومحال صغيرة تجاور بعضها بعضًا، تكدست بالقطع الفنية المختلفة والعتيقة، هناك حدثني جنيفر “إنها تشاهد نوعًا من الفن النادر والفريد الذي تحب اقتنائه”.
الأمريكية كانت تحفظ الربع “حتة حتة” تتحرك من محل لآخر وتنسل وسط الزحام، كمن يتلو أنشودة مصرية عن ظهر قلب، ولولا ملامحها الغربية لقلت إنها وُلدت وسط “صنايعية” الربع، أولئك الذين يحلو لها متابعتهم بينما ينهمكون في أعمالهم الفنية، هكذا تحب أن تصفها.
صناعة النحاس
عصام محسن، 56 عامًا، أحد أشهر “الصنايعية” والتجار بالربع، يستهل حديثة، قائلًا إن أصل صناعة النحاس في مصر استُلهمت من النقوش الفرعونية على جدران المعابد، ومع تطور العصور استخدم النحاس للنقش عليه، لأنه من المعادن التي لا تتآكل مع الزمن.
يتذكر محسن أن النحاس قديمًا كانت تجارته رائجة أكثر، ولم يكن بين في مصر يخلو من منتجاته مثل: الطشت أو السرير أو السبرتاية وعامود الطعام، بجانب النجف عند طبقة الأغنياء، وكان هو أول ما تفكر فيه العروس عند شراء لوازمها.
يقترب عمر محل محسن من 100 عام، يقول عائلتي تعرف بأولاد محسن “صُنَّاع النحاس”، وأنا واحد ممن ورثوا المهنة، كما أنني من الجيل الثالث في هذه الصنعة.
علمنا الأتراك الفن
يطرق على قطعة نحاسية، الطرق ينزل على قطعة النحاس لينًا في غير ضعف، قويًا في غير عنف، إنها تناقضات لا يتقنها إلا “الصنايعية المهرة”، ومن دون أن يتوقف يروي لنا حسين إبراهيم، 63 عام، صنايعي بالربع،” زمان محمد علي أخد كل الصنايعية الشطار من هنا علشان يعلموا الأتراك فن النحاس، دول هم أصل الصنعة، أنا بقى شربت الصنعة من أصلها.
يقول عملت بالحرفة عندما كان عمري لا يتعدى 7 سنوات، وعندما بلغ عمري 13 عامًا صنعت أول قطعة، يبتسم وينظر إلي بطرف عينه، قائلًا “دا إنجاز أنا بفتخر بيه”.
واللي في المهنة صنايعي
يتابع إبراهيم أن المنتجات النحاسية فقدت كثيرًا من جودتها وفنها، بعد أن دخلت الماكينات في الصناعة ودمرتها “الصين دلوقت بتصنع الفوانيس وتقلد المصنوعات والناس بتشتريها لأنها متعرفش تفرق بين المصنوعة اليدوية وخامات وطريقة زخرفة الماكينة”.
“الصناعة اليدوية مهارة وفن، مش كل من قال اشتغلت يبقى صنايعي”.. هكذا يقول أشرف علي عبدالعال، 44 عامًا، صنايعى.
ويتابع: “تعلمت المهنة منذ سن 8 سنوات.. كان الصنايعية يعدهم الناس ضمن الفنانين.. وكانوا يقدرون سعر كيلوجرام النحاسقبل نحو 10 سنوات بـ50 جنيهًا، ثم ارتفع ثمنه ليصل إلى 85 جنيهًا، أما الآن بعد ارتفاع سعر الدولار فقد تخطى 100 جنيه”.
عبدالعال لديه 4 أبناء ويشتكي ضيق المعيشة.. قائلًا إن صنع قطعة واحدة تتطلب من يوم إلى اثنين.. في حين أن الماكينة يمكنها أن تصنع من 15 إلى 20 قطعة يوميًا.. ورغم أن صناعة الآلة أقل فنيًا، إلا أن الإقبال عليها أكثر.
إلى شهادة تقدير معلقة على جدار المحل يشير عبدالعال.. قائلًا كان هناك تكريم معنوي يمنح الصنايعية طاقة أكبر.. هذه مثلًا (ينظر إلى اللوحة) منحتها لصاحب المحل الذي أعمل لصالحه أحمد حافظ محمد في عام 1980.. من قبل أكاديمية الفنون المصرية.. باعتبار أنه فنان، كما يسبق هذا الوصف اسمه في الشهادة.
عن محلات بيع النحاس
وليد أحمد، مدير أحد محلات بيع النحاس والفضيات، يقول “يعمل معي 4 صنايعية.. لا أستطيع التفرطة في أي منهم، لمهارتهم وإتقانهم المهنة.. رغم ركود حالة البيع والشراء، فلم يعد هناك مواسم كما كان سابقًا”.
كما يضيف أن اعتماده الأساسي هذه الأيام على السياحة العربية، إذ إن ارتفاع الدولار أثر على الصناعة بشكل كبير.
بجانب ذلك لا يمكن إغفال الجهود المحلية لربط الفن اليدوي بسوق خارجي.. يقدره ويساعد الفنانين على كسب العيش من شغل أياديهم.. مثل “التجارة العادلة”، التي ساعدت نحو 2300 فنان يدوي.. يعملون في نحو 32 ورشة نحاس في جميع أنحاء الجمهورية منذ 2004 وحتى اليوم.
والتجارة العادلة تسعى إلى خلق سوق عالمي للمنتجات اليدوية بجودة عالية.. مع حفظ حق الصنايعي والفنان، ليعود عليه الربح بصفة مباشرة، وبدأ العالم يعرفها خلال الثمانينيات.
تعليق واحد