من الأدب الفرعوني| "لا تمثل دور الرئيس مع زوجك في بيتها".. نصائح "آني"
على الرغم من احتواء الوثيقة المسماة اصطلاحا “نصائح آني” على العديد من الأخطاء اللغوية والإملائية، التي نسجت غلالات من الغموض حول الكثير من فقراتها، إلا أنها تعد إحدى وثيقتين وحيدتين أبرزتا مستوى ونوعية الأدب في عصر الدولة الحديثة (1550-1077 ق.م)، بحسب الدكتور سليم حسن، في كتابه (الأدب المصري القديم)، لافتا إلى أنه يتبين من دراسة سياق النصائح ولغتها وأسماء الأعلام أن (آني) كان أحد كبار موظفي الأسرة الثامنة عشرة (1550-1307 ق.م)، إلا النسخة التي عثر عليها كتبت في عصر الأسرة الثانية والعشرين (945-720 ق.م )، أي بعد تاريخها بحوالي ما بين 300 و400 سنة، إضافة إلى أن مدونها كان أحد تلاميذ مدارس الكتبة في ذلك الوقت، وبدى من طريقة تدوينه النصائح أنه لم يفهم الكثير من تراكيبها اللغوية فلجأ أحيانا إلى كتابة شرح – بلغة عصره – يوضح الجمل الغامضة.
ويلفت حسن إلى أن أهمية نصائح أني تتركز في أنها تبرز المرحلة التي جاءت بعد طرد الهكسوس (1550 ق.م) من مصر وهي التي عرفت بالأسرة الحديثة، لافتا إلى تعاليم ونصائح آني نادت بالعودة إلى قيم وأخلاقيات الفترة السابقة لغزو الهكسوس، معتبرا أن الوثيقة من أفضل ما وصل إلينا من أدب النصائح والتعاليم بمصر القديمة، وفيها يوجه (آني) نصائحه العامة إلى ابنه (خنسحتب) ويقول له: “إني مخبرك بكل فاضل..”
فاتحة التعليم الوعظي
وبحسب حسن، يتوسط الوثيقة الجمل الافتتاحية، والتي تعرف اسم صاحب ووظيفته فيقول: “أول التعليم الوعظي (فاتحة التعاليم الوعظية)، لمؤلفه الكاتب أني (التي ألفها آني)، التابع لبيت نفركارع تاري،
ويوجه آني النصائح إلى ابنه معددا فوائدها وأهميتها فيورد ناصحا: “إني مخبرك بكل فاضل، وبما يجب أن تعيه في لبك، فاعمل به، وبذلك تكون محمودا ويبتعد عنك كل شر”.
النصائح
ويلفت حسن إلى أنه بعد الافتتاحية سرد آني عددا من النصائح المتعلقة بالحذر في الكلام وقلته وعدم التفاخر بالقوة، إلا أنه استعصى فهمها بسبب كثر الأخطاء بها، فلذلك يسوق حسن 25 فقرة هي الأوضح في معناها. .
يقول الحكيم آني:
(1) الزواج “اتخذ لنفسك زوجة وأنت لا تزال شابا لتنجب لك ولدا”.
(2) تقوى الله “احتفل بعيد إلهك وأن الله يغضب على من يستخف به، واجعل شهودا يقفون عند قربانك (التي تقربها من الله)، ويلفت حسن إلى أن آني في هذه النصيحة يوصي ابنه بتقوى الله وعدم ارتكاب المعاصي والتقرب إليه بالعبادات والقرابين.
(3) آداب الزيارة “لا تدخلن بيتا غير بيتك، ولا تمعنن في النظر إلى الشيء المنتقد في بيته، ولكن الزم الصمت، ولا تتحدثن عنه لآخر في الخارج “ويعتبر حسن “آني” في هذا البند يلخص آداب الزيارة بالاستئذان وغض البصر وقلة الكلام وحفظ الأسرار.
(4) حرمة الزنا “خذ حذرك من المرأة الأجنبية التي ليست معروفة في بلدتها ولا تغمزن لها بعينك”، وأن ذلك (الزنا) لجرم كبير يستحق الإعدام”.
(5) السمعة الحسنة “لا تدخلن وتخرجن في قاعة العدل (المحكمة) حتى لا يفوح اسمك (من كثرة القضايا)، ويحذر “آنى” ابنه من خطورة أن يطلب كثيرا في المحكمة فتنهار سمعته بين الناس.
(6) لا تجهر بصلاتك “أن بيت الله يمقت الهرج، فصل بقلب محب ولا تجهر بصلاتك، وبذلك ستقضي كل حوائجك، وسيسمع الله ما تقول”، وفي هذا يشير حسن إلى أن الحكيم “آني” يشرح لابنه معنى التقوى الحقيقية نحو الله.
(7) بر الوالدين “قرب الماء لأبيك وأمك اللذين يسكنان في وادي الصحراء (الجبانة)، ولا تنس أن تؤدي هذا حتى يعمل لك ابنك بالمثل”، ويوضح حسن أن “آني” بعد توضيح معنى التقوى الحقيقية نحو الله يشير إليها نحو الوالدين والمتمثلة بزيارة قبرهما مذكرا ابنه أن الجزاء من جنس العمل، وسوف يفعل ابنه له بالمثل.
(8) لا تفرط في شرب الخمر “لا تلزمن نفسك من باب الفخر بأنك تستطيع أن تشرب إبريقا من الجعة، فإنك بعد ذلك تتكلم ويخرج من فيك قول لا معنى له”، وهنا يحذر من خطورة الشرب حتى الثمالة وتأثير ذلك على أقوال وأفعال الشخص المخمور.
(9) احفر قبرك “أعد لنفسك مأوى جميلا في وادي الصحراء، وهي الحفرة التي ستواري جثمانك، أن الذي يبني القبر لنفسه لن يقابل باللوم، الموت يأتي ويختطف الطفل الذي لا يزال يرضع ثدي أمه، كما يختطف الرجل عندما يصبح مسنا”، ويلمح حسن إلى أن النصيحة التاسعة تشير إلى أمر كان معظم المصريين يهتمون به وهو حفر القبر في حياتهم، كما تشير النصيحة إلى أن الموت لا يفرق بين صغير وكبير.
(10) اختيار الصديق “ابتعد عن الرجل المعادي ولا تتخذنه خدنا لك، بل اصطف لنفسك صديقا مستقيما عادلا”.
(11) السعادة ليست في المال “يبني الإنسان بيتا لنفسه، وهب أن قطعة أرض صارت ملكا لك وقد حوطت بسياج من النبات المزهر أمام حقلك الخصب، وغرست فيها شجرة الجميز، وأنك ملأت يدك بكل الأزهار التي تتصورها العين، ولكن مع هذه الأشياء يكون الإنسان شقيا”، وفي هذه النصيحة يؤكد “آني” على أن السعادة ليست بالضرورة في كثرة المال.
(12) احترام الكبير “لا تقعدن إذا كان غيرك أكبر سنا واقفا أو آخر يشتغل في مهنة معك زمنا أقدم منك”، وينبه “آني” على أهمية احترام الكبير ورئيس العمل.
(13) أهمية الكتابة “إذا كنت ماهرا في الكتابة فإن الناس أجمع يفعلون كل ما تقوله، أذن خصص لنفسك وقتا للكتب وضعها في لبك”، وطبقا لحسن فإن “آني” مثله مثل كل الكتاب يتعصب لمهنته ويمتدحها ويعتبرها أفضل المهن وينصح ابنه بالاشتغال بها والاهتمام بالقراءة المغذية لها بالمعلومات وحلول المشاكل.
(14) الكتمان “لا تفضين بما في قلبك إلى رجل، لأن كلمة خاطئة خرجت من فيك إذا أعادها من سمعها تجعل لك أعداء”.
(15) تواضع مع الإله “قدم قربانا لإلهك واحفظ نفسك من التعدي (على حقوقه) ولا تسأل عن صورته، ولا تمش الخيلاء حينما يخرج في موكبه (أي الإله)”، ويلفت حسن إلى أن الحكيم عاد من جديد إلى التحدث عن علاقة المرء بربه، من تقديم للقرابين وعدم انتهاك حرماته أو محاولة معرفة صورته الحقيقية والتواضع في التعامل معه.
(16) فضل الأم ” ضاعف مقدار الخبز الذي تعطيه لوالدتك، واحملها كما حملتك، ولقد كان عبؤها ثقيلا في حملك”.
(17) كن شفوقا “لا تأكلن الخبز إذا كان هناك أخر يتألم من عدمه دون أن تمد يدك إليه بالخبز، ومن كان غنيا في السنين الخوالي قد أصبح هذا العام سائسا، ولا تكن شرها فيما يختص بملء بطنك”، وينصح الحكيم “آني” ابنه بالشفقة على الفقراء وإطعامهم مما لديه وألا يغتر بالدنيا فكم من غني صار فقير في ليلة وضحاها.
(18) ابعد عن الشر “لا تدخلن في زحام إذا رأيت أنهم مستعدون للضرب، حتى لا تلام في المحكمة أمام القضاة، ابتعد عن أهل الشر”، وبحسب حسن تشبه هذه النصيحة المثل الشعبي (ابعد عن الشر وغني له)، فالحكيم يوصي ابنه أن يتجنب الشجار أو المرور بشجار حتى لا يتعرض للأذى أو الإدانة دون جريمة.
(19) احترام الزوجة “لا تمثل دور الرئيس مع زوجك في بيتها إذا كنت تعرف أنها ماهرة في عملها، وأنها لسعيدة إذا كانت يدك معها، وبذلك يتجنب الرجل تحريك الشجار في بيته”، ويعرج “آني” في هذه النصيحة على طرق التعامل مع الزوجة بالمنزل لتجنب وقوع الشجار، وذلك بألا يتعامل الرجل مع زوجته كأنها تابعة له بل كشريك له في رعاية الأسرة.
(20) التعامل مع الرؤساء “لا تجبن رئيسا في حالة غضبه، بل ابتعد من أمامه واعمل على تهدئة قلبه، وجد في أن تكون صامتا واخضع لما يفعل”، وهنا يوجه “آني” ابنه إلى ضرورة أن يتعامل بحذر شديد مع الرئيس الغاضب وألا يتسرع بالرد عليه في حال ثورته بل يجب أن يلتزم الصمت ويحاول أن يهدأ من غضبه حتى لا يناله العقاب.
(21) احترم الشرطة “اتخذ من شرطة شارعك صديقا ولا تجعله يثور عليك، ولا تتغاض عنه وقت صلاته، بل قل له: المديح لك (حرما)، ويوصي “آني” ابنه بأن يحافظ على علاقة حسنة مع الشرطة باحترامها وألا يستعديها عليه.
(22) ضجر الابن “آه يا ليتني مثلك حتى أعمل حسب تعاليمك وحتى يرقى الابن إلى مرتبة والده، إنك رجل صاحب مطامح عالية، ولكن لا تجعلن فواقك يتجاوز الحد في غزارته، أن الولد لا يعمل حسب التعاليم التي تثقف حتى لو كانت كل الكتب على لسانه”، وبحسب حسن فقد جاءت هذه الفقرة على لسان الابن “خنسحتب”، يعبر فيها عن ضجره بمثالية والده الكبيرة ويطالبه ألا يزيد من سقف طموحاته في قدرته على تنفيذ كل ما جاء في تعاليمه.
(23) قلق الأب “لا تثقن في الأشياء الخطرة، وتجنب أن تعود إلى الشكوى لأن قلبي لا يصغي إليها”، ويشير حسن إلى أن “آني” حين ساوره القلق من رد ابنه عاد لينصحه بأن يطرد الأوهام التي تعجزه عن تنفيذ النصائح.
(24) العهد “كل كلماتك ممتازة، وإني أعطيك المواثيق بأن أضعها على طريقتك (التي رسمتها)، وأخيرا يعطي الابن العهد لأبيه بالالتزام بالتعاليم كما جاءت على لسانه.
(25) الخاتمة “ول ظهرك لتلك الكلمات الكثيرة التي ينبو عنها السمع، لأن العصا المعوجة الملقاة في الحقل والمعرضة للضخ يحضرها الصانع ويجعلها مستقيمة ويصنع منها سوطا للشريف، ولكن قطعة الخشب المستقيمة هي التي يصنع منها لوحا للكتابة، آه أيها القلب الذي لا يمكنه تبصر العواقب، هل كانت أرائك في أن تعطى المواثيق أو أنك تفشل”، وبحسب حسن يلخص “آني” نصائحة في جملة تفاضل ما بين السوط ولوح الكتابة بالرغم من أن مادة الصنع واحدة وإن اختلفت النتائج، محملا ابنه مسؤولية تجاهل نصائحه وعدم الاتيان بها.
هوامش
الأدب المصري القديم – دكتور سليم حسن – الهيئة العامة للكتاب (مهرجان القراءة للجميع 2000) – من ص 219 إلى 230.
تعليق واحد