من الأدب الفرعوني| «أرواح كاوو» والتعويذة تنقذ أبقار «الراعي»
تروي قصة الراعي والآلهة، حكاية راعي اعتاد اصطحاب عجوله كل يوم إلى البحيرة مجتازا مستنقعات الدلتا المكتظة بالتماسيح، وفي الجزء المتبقي من الورقة يقول الراعي: “حين ذهبت إلى المستنقع، رأيت هناك امرأة، منظرها ليس مثل الأدميين، فوقف شعري حين نظرت إلى ضفائرها، لأن لون جسدها كان لامعا جدًا”.
طلبت المرأة شيئا من الراعي لكنه لم يستجب لها، فأردف قائلا: “أنني لن أفعل قط ما قالت، والخوف منها في جسمي”.
تعويذة
تمضي سطور الورقة مشيرة إلى أن الراعي قد تجاوز المرأة وها هو في طريقه ليعبر المستنقع وخلفه العجول، فيسترسل قائلا: “أنت أيتها الثيران، دعينا نرجع إلى البيت، دع العجول تعبر، والماعز تبقى مع الرعاة من خلفنا، أما قاربنا الخاص بالسياحة إلى مأوانا، فيوضع في مؤخرته الثيران والأبقار، وفي هذا الحين، يقوم أمهر الرعاة بتلاوة تعويذة مائية”.
أرواح كاوو
استنجد الراعي بالآلهة والتي يناديها بـ”أرواح كاوو”، طالبا عونها لدرء الخطر عنه وعن أبقاره، مشيرا إلى إيمانه بنجاته فيصرح قائلا: إن “أرواح كاوو مبتهجة، أنتم أيها الرعاة، وأنتم أيها الناس، لن يقدر أحد أن يطردني من هذا الحقل، حتى في عام نيله مرتفع”.
أجابت الآلهة نداء الراعي قائلة: “أعمد إلى بيتك، أما الماشية التي كانت قد بقيت فقد عادت، والخوف منك قد زال، والرهبة فيك قد تلاشت”.
تعليق
يلمح الدكتور سليم حسن إلى أن القصة تشير إلى حيلة أو اختبار صنعته الآلهة لذلك الراعي، ممثلًا في المرأة غريبة الخلقة التي قابلها ورفض الانصياع لأوامرها، ومن بعد ذلك تعرض الراعي لمشكلة عبور المستنقع وكان الحل من خلال تلاوة تعويذة مائية.
وبحسب حسن فقد كان القدماء عندما يعبرون بأبقارهم المستنقعات المليئة بالتماسيح يقومون بتلاوة تعويذة معينة وعمل حركة بأصابعهم لتمر أبقارهم في سلام، وهو ما أوضحته مناظر الدولة القديمة التي تمثل عبورهم البحيرات وهم يضعون الأبقار في قارب مستقل بينما هم في المقدمة في قارب آخر.
ويلفت حسن إلى أن القصة تحمل مغزى دينيا في علاقة الإنسان بالآلهة، وأنها أحيانا تضعه في اختبارات جسيمة، وتكون نجاته في اللجوء إلى الآلهة نفسها والتي لا تتوانى عن تقديم العون له.
ويوضح حسن أن معنى كلمة “أرواح كاوو”، هي أرواح الآلهة والتي كانت تتخذ عدة أشكال وصور.
أصل الحكاية
يقول الدكتور سليم حسن، في كتابه “الأدب المصري القديم”، قصة الراعي والآلهة، إن القصة وجدت في بردية تعود إلى عصر الدولة الوسطى ( 2055-1650 ق.م )، ومحررها هو أحد كتاب ذلك العصر، محى الكاتب جزء من سياق الحكاية لإعادة استخدام الورقة في تدوين شيء جديد ولكنه أبقى على 25 سطرًا، استطاعت أن تصور وقائع القصة ومدلولها.
ويلمح حسن إلى أن الورقة محفوظة بمتحف برلين، وأول من ترجمها كل من جاردنير هيرات، وأرمان.
هوامش
– الأدب المصري القديم (بي دي أف) – دكتور سليم حسن – مهرجان القراءة للجميع 200- ص 70 و71.
الصورة المستخدمة في المقالة تحمل رخصة المشاع الإبداعي