ملف| ذكريات آخر أعضاء فرقة الموسيقار عبده داغر: عزفنا لأم كلثوم معا
ضمت «فرقة الموسيقى العربية» التي أسسها الموسيقار الراحل عبده داغر، بالتعاون مع الموسيقار عبدالحليم نويرة في عام 1967، عدد من العازفين والموسيقيين المحترفين ومنهم أرسلان محمد رشدي عازف «الكمان» الذي حافظ على إرث الفرقة بشكل فردي مما تعلمه على يد داغر مثقلا به خبراته الموسيقية منذ انضمامه إلى الفرقة في عام 1975، وحوّل منزله على مدار السنوات الأخيرة إلى صالون موسيقي تتردد فيه أصداء ألحان الفرقة ومؤلفات داغر..
فرقة الموسيقى العربية
سنوات طويلة عمل فيها أرسلان في فرقة الموسيقى العربية بقيادة عبده داغر، الذي توفي عن عمر ناهز 85 عاما، وقدمت الفرقة ألحانا مع مطربي الزمن الجميل، مثل أم كلثوم، عبدالحليم حافظ، شادية، محمد عبدالوهاب وغيرهم من الفنانين، ويروي العازف السبعيني ذكرياته مع صاحب الأصابع الذهبية لـ«باب مصر».
– رابط لعزف أرسلان محمد وأصدقائه في منزله:
https://www.youtube.com/watch?v=IxJQQ20zdjg
التحق أرسلان بالدراسة الأكاديمية بمعهد الموسيقى وبعد تدريب وعزف فردي لعدة سنوات انضم إلى فرقة الموسيقى العربية، هذه الفترة كانت بمثابة حلمه الذي تحقق، للعزف مع الموسيقار عبده داغر، صاحب الألحان والمؤلفات الموسيقية المميزة، ويقول: “منذ المرة الأولى التي سمعت فيها ألحانه بصعوبتها أدركت أن هذا المستوى لا يصل إليه الكثير، وخلال العمل بالفرقة كان يعزف صولوهات مع احمد الحفناوي وكلاهما أصحاب مكانة موسيقية لن تتكرر”.
لم يستطع أي عازف مضاهاة القوة والسلالة التي أدى بها داغر ألحانه الموسيقية، حتى لو كان عازف في مرحلة متقدمة، ويروي أرسلان لـ«باب مصر» موقف سابق له خلال عمله بالفرقة العربية للموسيقى، حيث كان قلقا هو وزملائه من العازفين من اللحظة التي يتوجب عليهم فيها عزف “اللونجات” الخاصة بداغر، واللونج هي مقطوعة سريعة ولكن باعتبارها من مؤلفات داغر فكانت صعبة في العزف.
عائلة موسيقية
يصف أرسلان طريقة عبده داغر في العزف بأنها فريدة من نوعها في مصر خاصة المؤلفات الموسيقية ذات التكنيك القوي الصعب للتقليد، ويقول: “صنع داغر لنفسه أسلوب مميز لاستخدام الكمان والتأليف الموسيقي”، ولهذا قدمت الفرقة العديد من الألحان لعدد من الفنانين.
ويرى أرسلان أن سر نجاح وتميز داغر كان في التعلم الميداني، من خلال مرافقة المطربين الشعبيين والمبتهلين الذين كانوا يجوبون الموالد والقرى للغناء والعزف فيها، واستفاد من الموسيقى الدينية التي تؤديها الطرق الصوفية والتي تعلمها منذ طفولته، في تعلم المقامات والألحان التي استلهم منها منهجه الخاص المستوحى من الموشحات والقرآن الكريم.
حب الموسيقى لم يكن مقتصرا على داغر فقط، حيث نشأ في أسرة بسيطة لأب يمتلك محل تصليح وبيع الآلات الموسيقية، ورغم رفضه لتعلم داغر الموسيقى لكنه أصر على إتباع شغفه، وهو الأمر نفسه الذي سار على نهجه شقيقيه عيسوي وخضر داغر، ويقول أرسلان: “احترفت عائلته بالكامل بما فيهم عبده تصنيع وإصلاح الآلات الموسيقية، وشقيقه عيسوي عازف كمان بالفطرة ويُصنع آلات وكمان، أما شقيقهما خضر – رحل قبل سنوات – كان يصنع العود”.
بطل في الظل
لم ينل الموسيقار المصري شهرة في مصر تليق بمؤلفاته الموسيقية، أو الحالة المميزة والمستوى الاحترافي الذي وصل إليه يضاهي الفنانين العالميين دون الاعتماد على دراسة نظرية، “لم يستطع قراءة نوتة واحدة أو كتابتها حتى وفاته، وذلك على عكسنا تعلمنا العزف الأكاديمي ثم العملي، أما داغر فكان موهوبا بالفطرة دون دراسة أو معرفة أكاديمية” كما قال أرسلان.
وكذلك لم يحظ بالشهرة هنا في موطنه مصر، مقارنة بالعديد من بلاد العالم مثل ألمانيا التي صممت له تمثال مجاور لتماثيل الموسيقيين العظام، مثل بيتهوفين وباخ، تكريما له وللفن الفريد الذي قدمه، وكذلك حفلاته في الخارج كانت دائما كاملة العدد، ويقول: “هذا يوضح اهتمام وحب الغرب للموسيقى وتقديرهم للفن الفريد منها تماما كالذي قدمه داغر”.
التنقل بين المقامات
بشهادة أرسلان وأصدقاءه والعديد من العازفين، لم يبخل داغر بتقديم أي معلومة يعرفها أو توصل إليها على من يحتاجها، سواء للدراسة او تطوير المهارات، وعلى مدار سنوات طويلة لم يغلق باب منزله في وجه أي شخص راغب التعلم، “الكثير من الموسيقيين استفادوا منه ومن خبراته مجانا بدون أي مقابل وبعضهم اجتهد في محاولات توثيق علمه وكتابته”.
«عبده داغر واحد بس من غير خليفة لغاية دلوقتي» كان هذا رأي زميل سنوات العزف في الفرقة العربية للموسيقى، واصفا مهاراته غير المعهودة بأنها كانت مميزة لدرجة معرفة اسمه عند سماعها في الإذاعة، بلون محدد انفرد به وجعله يحصل على لقب البارع في التنقل بين المقامات، من العجم للهزام، حيث بدأت رحلته من محب للموسيقى إلى اهل التخصص، وكان يعزف بهذا الترتيب، مقام نهاوند ثم راست وحجاز وعجم ونهاوند في النهاية.
لاحظ العازف السبعيني عزوف الشباب حاليا عن الاستماع إلى الموسيقى والاكتفاء بالأغاني أو “المهرجانات” التي لا تتسم إلا بالرتم الإلكتروني السريع، عاقدا مقارنة بين الجيل الحالي والسابق، بأنه في السبعينات كان الشباب أصحاب النسبة الأكبر من جمهور الحفلات الموسيقية، “لم يعد تقدير الأصالة والتراث في قاموسنا الحالي وابرز دليل تجاهل الدولة والجمهور تكريم داغر أو إعطائه حقه الفني، باعتباره أحد أعمدة الموسيقى المصرية مثل سيد درويش”.