ملف| الشاشة الساحرة غائبة في أقاليم مصر
كانت لحظة البداية في مدينة ليون الفرنسية في ديسمبر 1895، عندما صنع الأخوين لومير شاشة سحرية يري البشر فيها حياتهم، وعبرها أيضا يمكن الإمساك بالزمن. كان لحظة البداية قطار من ظلال، لكن المتفرجون عندما شاهدوه على تلك الشاشة شعروا بالفزع، بعضهم ارتمى تحت كرسيه، وبعضهم هرع من القاعة خوفا ورعبا. وقتها، لم تكن مصر بعيدة عما يحدث في العالم، بعد أيام قليلة كانت مصر تعرف- أيضا- فن السينما. في يناير 1896 عرض في الإسكندرية أول عرض سينمائي في مقهى (زواني) بالإسكندرية، ثم انتقل بعده إلى القاهرة، ثم بورسعيد.
الشاشة الساحرة
حسب الباحث السينمائي عبدالفتاح الفيشاوي، كان في مصر في عام 1908 إحدى عشر دار عرض سينمائي: 5 في القاهرة، 3 بالإسكندرية، وواحدة في كل من بورسعيد والمنصورة وأسيوط. وفي عام 1917 كان هناك ثمانين دار عرض موزعة في محافظات مصر المختلفة. وفي عام 1954 كان عدد دور السينما في مصر قد وصل إلى 354… ولكن منذ نهاية الستينيات بدأ العدد في الانخفاض تدريجيا..حتى اختفت دور العرض من معظم محافظات مصر.
في روايته «الإسكندرية في غيمة» يقدم الروائي إبراهيم عبدالمجيد «مرثية» للمدينة الكوزموبالتينية التي كانت ملاذا لبشر من جميع الجنسيات، تسري فيها السماحة والحب وتتعايش فيها الأديان، هذه المدينة العالمية تتحول تدريجيا إلى مدينة سلفية.
كتب في روايته بدايات هذا التحول: بدايات ظهور جماعات الإسلام السياسي، أول امرأة ارتدت النقاب، تحول الملاهي إلى مقاه، ولهفة الأثرياء العرب على شراء «كازينوهات» المدينة لتناسب وضع المدينة الجديد، انتشار العشوائيات، وأخيرا تعطل دور العرض السينمائي، أو تقلص عددها حتى أصبح لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة.. أصبحت الإسكندرية مدينة بلا سينما.
ما تفعله السينما
ما حدث في الإسكندرية، حدث في كل محافظات مصر تقريبا، منذ سبعينيات القرن الماضي. هناك محافظات كثيرة لا توجد بها دار عرض سينمائي واحدة، تقلصت، أو اختفت أو أغلقت لأسباب واهية. وبعد حادث بنى سويف (سبتمبر 2005) تم إغلاق ما تبق من مسارح وسينمات إلا قليلا.
بدت الثقافة منذ سبعينيات القرن الماضى، وكأنها ترف، لا لزوم له، رغم أنها سلاح أساسي فى كل معارك مواجهة التطرف والعنف والإرهاب.. كيف يمكن أن نستعيد دور المسرح والكتاب والسينما بالطبع، كيف يمكن أن ننمى بلا وصاية الذوق لعام، ونقضي على ثقافة التفكير العشوائى. كيف يمكن أن نستعيد الخيال فى حدوده القصوي. هذا ما تفعله السينما.
خلال هذا الأسبوع يبدأ “باب مصر” رحلته في عدد من محافظات مصر المختلفة ليرصد لنا وضع دور العرض السينمائي… كيف كانت؟ وكيف أصبحت؟ وكيف يمكن أن نستعيد خيالنا. رحلة جديدة لوصف مصر ثقافيا.
اقرأ أيضا
8 تعليقات