فك رموز معبد «سوليب»: اكتشافات أثرية جديدة في أسوان| خاص
بالتزامن مع نجاح البعثة الأثرية المصرية الفرنسية في اكتشاف آثار مصرية قديمة تحت مياه نهر النيل بأسوان، توصل عالم فرنسي للربط بين الطقوس المدونة على جدار معبد «سوليب» والأهرامات، بعد أكثر من مائة عام من البحث والانتظار، مما يعزز من الفرضيات حول تأثير هذه الطقوس على بناء وتصميم الأهرامات نفسها. يثير هذا الربط الجديد اهتمام الباحثين حول فهم أعمق للعلاقات بين المعابد والمنشآت الضخمة الأخرى في مصر القديمة.
طقوس ضرب الأوراق
من خلال مجموعة من الصور القديمة التي يرجع تاريخها إلى عام 1913. نجح عالم المصريات د.مارك جابولد وأستاذ علم المصريات بجامعة بول فاليري مونبلييه في فك رموز على جدران معبد سوليب الذي انهار بفعل المياه قبل 1000 عاما من الميلاد بالتعاون مع ماريان بينون. البحث العلمي تم نشره قبل أيام، إذ تحدث جابولد عن كواليس البحث والدراسة. موضحا توصله إلى طقوس فريدة تسمى “ضرب الأوراق” وهي طقوس مصرية قديمة، مدونة على جدران معبد سوليب بأسوان.
ويقول لـ«باب مصر» – في أول تصريحات صحفية عن البحث: “تعتبر طقوس ضرب الأوراق التي تظهر في معبد سوليب بالنوبة فريدة من نوعها وبالتالي معزولة. كما أنه من خلال تحليل رموز المعبد المنهار تمكنت من إجراء أول عملية ربط بين الهدف من إنشاء المعابد والأهرام”.
ويضيف جابولد، تقدم الكتابات الهيروغليفية تفاصيل مقدسة ومتكررة. عندما يمر الملك من باب إلى آخر داخل حظيرة كبيرة فإنه يضرب أوراق الشجر بقوة, وبذلك تتم هذه الطقوس التي تسمى أيضا “طقوس الخروج”.
وقارن جابولد بين هذه الطقوس النادرة عند باب أوسوركون الثاني في بوباستيس والمعروف باسم “تل بسطة”. حيث يُعتبر البابان مهمان، وترتبط هذه البوابات بسبعة آلهة تم ذكرها في Spruch 534 من نصوص الهرم. ويُسجل التاريخ في التقويم اليومي والأعياد، ومن بينها ممارسة طقوس سوليب ورسوم بوباستيس في أسطورة مستوحاة من اليوم الثاني والعشرين من السنة الليتورجية المصرية القديمة.
نقوش معبد سوليب
واستطرد جابولد: “هذه هي المرة الأولى التي يتم التطرق فيها لدراسة نقوش معبد “سوليب” بترجمة دقيقة وتفسير لهذه الطقوس المعروفة منذ عام 1845. بعد محاولة غير مكتملة في التسعينات قام خلالها روبيشون وماجيور وجيوجيني برسم الجدار بأكمله”، مشيرا إلى ترجمة بعض الأجزاء لكن كانت بشكل سيء.
وتابع: تهدف الدراسة إلى توضيح العلاقات غير المتوقعة بين النقوش والأساطير القديمة، والتي احتفظت بها الهندسة المعمارية من خلال النصوص أو الآثار. ويقوم التحليل على إعادة بناء تخطيطي لهذه النقوش مع عقد مقارنات متعددة. وتبرز الدراسة أيضا التشابهات بين عصر الدولة الوسطى والمملكة الحديثة والفترات اللاحقة.
وعلى حد وصفه، يساعد هذا الأمر على تتبع بعض المعالم الرئيسية في نقل هذا التقليد القديم بشكل دقيق. ويُسجل التاريخ في التقويم اليومي الجيد والسيء. ويستكمل: “قد تساهم الدراسة في ربط طقوس سوليب وتمثيل بوباستيس بأسطورة تم تدوينها في اليوم الثاني والعشرين من السنة الليتورجية المصرية”.
آثار مصرية غارقة تحت مياه النيل
من جانب آخر اكتشف فريق أثري ضمن بعثة فرنسية نقوشا صخرية تحت المياه تحمل صورا لعدد من الفراعنة. جراء رحلة غوص استكشافية، إلى جانب كتابات هيروغليفية توضح جوانب مهمة من حياة الملوك والطقوس الدينية في تلك الحقبة الزمنية.
وعثر فريق فرنسي مصري مشترك على نقوش تحت الماء جنوب أسوان في منطقة غمرتها المياه عند بناء السد العالي في الفترة من عام 1960 إلى عام 1970. أظهرت الدراسات والتحاليل الجديدة أن هذه المنطقة كانت موطنًا لعدد من الطقوس الدينية والفنية التي تعكس حضارة مصر القديمة في أسوان. وقبل الفيضانات، كانت هناك جهود كبيرة بقيادة اليونسكو لتسجيل ونقل أكبر عدد ممكن من البقايا الأثرية من المنطقة. ومع ذلك، لم يكن من الممكن نقل العديد من القطع الأثرية والتي غمرتها المياه لاحقا بسبب مشروع بناء السد.
تفاصيل الاكتشاف جاءت بإعلان رسمي من وزارة السياحة والآثار المصرية عن نجاح البعثة الفرنسية في الوصول إلى اكتشافات أثرية هامة في البحيرة التي نشأت بفعل بناء سد أسوان. البعثة بقيادة الدكتورة الفرنسية آني جاسي (UMR 5140-ASM) والدكتور كريستيان كراسيون. بدعم من المعهد الفرنسي للآثار الشرقية في كونوسو بأسوان.
حيث أظهرت عمليات التنقيب تحت الماء في صخور كونوسو، التي بدأت في عام 2023، قدرة فائقة على استكشاف النقوش المعروفة سابقًا والتي كان من الصعب الوصول إليها بسبب الغمر. بالإضافة إلى اكتشاف نقوش جديدة تمامًا تمثل أهمية تاريخية كبيرة.
طرق البحث والتوثيق
واكتشفت البعثة الأثرية الفرنسية المصرية المشتركة بين المجلس الأعلى للآثار وجامعة بول فاليري مونبلييه بقيادة الدكتور كريستيان كراسيون من الجانب الفرنسي. اسطوانات ونقوش وصور مصغرة لملوك الإمبراطورية الجديدة لأمنحتب الثالث وبيسماتيك الثاني وأبريس. لأول مرة من خلال مشروع المسح الطبوغرافي الأثري تحت مياه النيل. لدراسة النقوش الصخرية التي تم اكتشافها في الستينات بين خزان أسوان وهذا المكان خلال حملة إنقاذ الآثار النوبية قبل بناء السد العالي.
بدأت أول أعمال المهمة في المنطقة المحيطة بجزيرتي فيلي وكونوسوس – التي تقع بين جزيرتي فيلي وشاش – نظرا لأن النقوش لا تزال بحالة جيدة. وتمكنت البعثة من توثيق النصوص بالكامل. واستخدمت البعثة خلال عملها جميع التقنيات الحديثة المتعلقة بالغوص والدراسات الأثرية والطبوغرافيا. والفيديو تحت الماء والمسح التصويري، بالإضافة إلى الرسم الأثري. وجاء استخدام هذه التقنيات من أجل تحديد وتوثيق النقوش المتبقية على سطح صخور كونوسو سواء كانت تحت الماء أو غارقة جزئيا في المياه من النيل.
معابد مهمة
على مر العصور كانت أسوان مهمة بالنسبة للمصريين القدماء لأنها كانت في بعض الأحيان قريبة من الحدود الجنوبية للبلاد. وكان هناك عدد من المعابد المهمة بالقرب منها، من بينها معبد أبو سمبل ومجمع معبد فيلة. ولدراسة الصخور، يغوص أعضاء الفريق إلى مكان الصخور ويسجلونها باستخدام التصوير الفوتوغرافي والفيديو والتصوير الفوتوغرامتري. وهي تقنية تتضمن التقاط عشرات الصور لشيء يمكن استخدامها لاحقًا لإنشاء نموذج رقمي ثلاثي الأبعاد له.
وتشمل الرسوم التي عثر عليها مؤخرا لملوك مصر القديمة، تلك التي تصور أمنحتب الثالث (حكم من 1390 إلى 1352 قبل الميلاد). وتحتمس الرابع (حكم من 1400 إلى 1390 قبل الميلاد). وبسماتيك الثاني (حكم من 595 إلى 589 قبل الميلاد). وأبريس (حكم من 589 إلى 570 قبل الميلاد) – حكام من الأسرتين 18 و26، وفقا لما كتبه مسؤولون بالوزارة في البيان.
لم يوضح بيان الوزارة ما تقوله النقوش أو شكل المنحوتات. واكتفى بالإشارة إلى أنها محفوظة بشكل جيد، وقد يجد الفريق المزيد من الآثار بالمنطقة نفسها. حاول «باب مصر» التواصل مع أعضاء البعثة الفرنسية. إلا أنهم لم يردوا على رسائل البريد الإلكتروني.
وفيما يتعلق بالموضوع، أوضح ويليام كاروثرز، المحاضر في كلية الدراسات الفلسفية والتاريخية ومتعددة التخصصات في جامعة إسيكس بالمملكة المتحدة، أن الاكتشافات الأثرية تشير إلى نجاة المزيد من الآثار من الفيضانات. مما كانت اليونسكو تأمل في إمكانيته خلال حملتها الإنقاذ في الستينيات والسبعينيات.
من جانبه، أشار أليخاندرو جيمينيز سيرانو، عالم الآثار الذي يرأس التنقيب في مقبرة قرب أسوان. ويدرس علم المصريات وعلم آثار الشرق الأدنى في جامعة جيان بإسبانيا، إلى أهمية أسوان كمركز تعديني لاستخراج الجرانيت. موضحًا أن البقايا الجديدة التي تم العثور عليها قد تكون كانت جزءًا من معابد قديمة.