حيّوا أهل الشام| كيف ساهم الشوام في نشأة المسرح المصري؟

لعب رواد المسرح الشامي في مصر دورًا أساسيًا في وضع اللبنة الأولى للمسرح المصري، ومن ثم المسرح العربي، بسبب شبه الاستقلال الذي تمتعت به مصر، في تلك الحقبة الزمنية.

البداية كانت بعد إنشاء الخديوي إسماعيل دار للأوبرا عام 1869، في الوقت الذي كانت بلاد الشام تتعرض لقمع فكري، وهو ما مهد لكثير من الفنانيين والشعراء للرحيل إلى مصر.

بدايات المسرح

في كتاب “الفنون الأدبية” يقول أنيس المقدسي إن فن التمثيل المسرحي بدأ في مصر مع الحملة الفرنسية عام 1798، لكنه كان مقتصرًا على الفرق الأجنبية، إلى أن جاءت سنة 1870، وهو العام الذي بدأ المسرح الشامي ينتشر في مصر، على يد سليم النقاش ويوسف الخياط وسليمان القرادحي وأبو خليل القباني وجورج أبيض.

يقول شوقي ضيف في كتابه عن توافد الفرق الشامية إلي مصر: لم تلبث الفرق التمثيلية الشامية واللبنانية أن وفدت إلي ديارنا وأنشأت مسارحها بالإسكندرية، ثم القاهرة، معتمدة على روايات فرنسية يستمتع بها الجمهور.

وكانت أول فرقة مسرحية شامية وفدت قبل إغلاق مسرح يعقوب صنوع بعامين هي فرقة سليم النقاش، الذي ترجم بعض الأعمال المسرحية لتؤديها فرقته، فقدمت الفرقة العديد من المسرحيات علي مسرح زيزينيا في الإسكندرية منها مسرحية “أبوالحسن المغفل”، ومسرحية “السليط الحسود” و”مي” و”الكذوب” وغيرها.

وبعد سنة قرر سليم النقاش الانسحاب من الفرقة، ووجه اهتمامه إلى ترجمة الأعمال المسرحية، وهو ما استفادت منه الفرقة، التي أصبح اسمها “فرقة يوسف الخياط”، لتستمرت في تقديم العروض المسرحية في الإسكندرية حتى عام 1878 ثم انتقلت إلي القاهرة وأقامت فيها، لتبدأ بعرض مسرحياتها في دار الأوبرا المصرية بإيعاز من الخديوي إسماعيل الذي حضر عدد من عروضها.

مسرح القرداحي

بحسب عادل عبدالعليم في كتابه “الهجرة اللبنانية إلى مصر” فإن الفرقة التي كان لها الدور الأهم في إيصال الفن المسرحي لأكبر عدد من شرائح المجتمع المصري هي فرقة “سليمان القرداحي”، الذي انفصل عن يوسف الخياط في عام 1882 وألف فرقة في الإسكندرية ضمت لأول مرة ممثلين من الشوام والمصريين على السواء.

لاقت فرقة القرداحي نجاحا كبيرًا، فكان الخديوي والعديد من الوزراء والأعيان يداومون على حضورها من فترة لأخرى، ويقدمون لها الدعم لمواصلة نشاطها وعرض مسرحياتها في باقي المدن المصرية، وفي عام 1894 أقام سليمان القرداحي مسرحه الخاص في الإسكندرية.

ورغم الشهرة التي نالتها فرقة سليمان القرداحي إلا أن أعمالها المسرحية، كما يقول محمد يوسف نجم، كانت تتسم بالضحالة الفكرية واحتواء أغلب فقراتها على الغناء والموسيقى.

ورغم التمثيل المسرحي وانتشار الفرق المسرحية والتي كانت أغلبيتها من الشوام المهاجرين إلي مصر كفرقة أبو خليل القباني عام 1884 وفرقة اسكندر فرح 1891 لم يود إلي تطور هذه الفن بشكل كبير إلا بعد 1910 حينما اكتسب فن المسرح بعدا جديدا علي يد أحد المهاجرين، وهو جورج أبيض.

 مرحلة الانطلاق على يد “أبو المسرح”

جورج أبيض، هو أول نقيب للممثلين في مصر، بعد أن هاجر إلي الإسكندرية عام 1898، أرسل لدراسة فن المسرح في بعثة إلى فرنسا عام 1904 وحين عاد إلى القاهرة عام 1910 بدأ تقديم العروض المسرحية القائمة على التخصص والدراسة العلمية لفن المسرح، واختيار ممثلين من المواهب الفنية على أسس علمية.

استعان “أبيض” لأول مرة بممثلات في عروضه المسرحية جميعهن من الشاميات المهاجرات إلي مصر، وقدمت فرقة عددًا من العروض المسرحية القوية التي نالت استحسان الجمهور منها أوديب ملكا، لسوفوكليس ومسرحية عطيل لشكسبير من ترجمة خليل مطران، كما عرض عام 1912 أول مسرحية شعرية عربية بعنوان “جريح بيروت” من تأليف الشاعر حافظ إبراهيم، فاجتذبت بذلك أعدادًا كبيرة من المثقفين.

طورت الفرق المسرحية الشامية القادمة إلى مصر التمثيل المسرحي على محورين، الأول ترجمة الأعمال المسرحية، والثاني من خلال تأسيس فرق مسرحية تعرض تلك الأعمال لتعريف المصريين بالفن.

لم يقتصر دور الشوام على إنشاء الفرق والمسارح، بل ساهموا بشكل كبير في  في ترجمة وتعريب وتحضير الكثير من المسرحيات الغربية قبل وأثناء وبعد مساهمة المصريين في تلك الحركة، ومن هنا انطلق المسرح المصري على يد الشوام.

اقرأ أيضا

 

مشاركة
المقالات والآراء المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة، بل تعبر عن رأي أصحابها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر