كواليس التحقيق لاسترداد مصر جداريتين أثريتين من فرنسا
تمكنت مصر من استرداد جداريتين أثريتين كانت قد تمت سرقتهما وتهريبهما خارج مصر. وذلك بعد جهود مستمرة قام بها النائب العام المصري حمادة الصاوي، ووفد رفيع المستوى من مكتبه، وبالتعاون مع السلطات الفرنسية.
مصر تسترد جداريتين مسروقتين
تسلمت مصر الجداريتين خلال حفل استرداد أقيم في مقر السفارة المصرية في باريس. وحضر الحفل عدد من المسؤولين المصريين والفرنسيين. وتعد الجداريتين جزءًا من تراث الحضارة المصرية القديمة. وتمثل قيمة عالية من الناحية التاريخية والثقافية.
تأتي هذه الاستردادات ضمن جهود مصر المتواصلة لاستعادة آثارها المنهوبة والتي تم تهريبها خارج البلاد. والتي تعد جزءًا من تراثها الثقافي الهام. وتؤكد هذه الجهود على أهمية حماية التراث الثقافي والحفاظ عليه.
اتهامات بتهريب آثار مصرية منهوبة
لكن هناك الكثير من الأسئلة عن تاريخ الجداريتين في مصر، وكيف خرجتا من مصر، وكواليس التحقيق بشأنهما لإثبات أنهما مسروقتان، ومصير التاجر بائع القطعتين. خاصة أنه تواجه صناعة الفنون في فرنسا صدمة جديدة بعدما تم توجيه اتهامات لتاجر فنون فرنسي بتهريب الآثار المصرية المنهوبة.
وفي قضية قضائية جارية في باريس، طالب المدعي العام بالسجن لمدة ثلاث سنوات مع وقف التنفيذ وغرامة قدرها 100 ألف يورو على ديدييه ورمسر، صاحب معرض L’Etoile d’Ishtar.
ترجع كواليس هذه القضية إلى اتهام ورمسر بتهريب الآثار المصرية المنهوبة. واستخدام مستندات مزورة لإنشاء أوراق إثبات مزيفة لهذه القطع قبل أعوام. وبحسب تقرير نشر في صحيفة “ذي آرت نيوز بيبر” في سبتمبر 2022، كان من أن يتم إعادة القطع الأثرية التي تم الاستيلاء عليها إلى مصر.
وطالبت حينها المحكمة الفرنسية توقيع عقوبات صارمة لردع كل التجار المتورطين في بيع آثار مسروقة. حيث تعتبر هذه القضية جزءًا من سلسلة من فضائح تهريب الآثار المصرية. وتم اعتقال العديد من الأشخاص وملاحقتهم بتهمة الاتجار غير المشروع في الآثار المنهوبة.
تاريخ الجداريتين المسروقتين
يرجع تاريخ الجداريات التي اشتراها ورمسر في عام 2003 بموقع مقبرة الأسرة السادسة في سقارة. ويشمل قبر الكاهن “هاو” أو “هاو نفر”، ونجحت السلطات في معرفة تاريخهما بعدما تقدم عالم المصريات فاسيل دوبريف. الذي قاد أعمال التنقيب في الموقع في عام 2001.
وبحسب شهادته أمام المحكمة. وفقًا لبيان قانوني من الحكومة المصرية، فإن الحجارة المنقوشة قد تم نزعها من واجهات مصليات المقابر عندما استؤنفت أعمال الحفر في أكتوبر 2002. ومع ذلك، جادلت محامية Wormser، Anne-Sophie Nardon، بأنه لم يكن بإمكان المدعى عليه معرفة أن القطع نُهبت. نظرًا لعدم تقديم شكوى جنائية من قبل الدولة المصرية حتى عام 2014.
لكن دوبريف لم يبلغ عن السرقة على الفور لأنه لم يستطع إثبات ذلك. لكن في عام 2013، اشترى متحف الفنون الجميلة في بودابست عتبة تحمل اسم هاو وزوجته. وقدم المتحف الوثائق التي حصل عليها من التاجر البريطاني روبرت وايس لإثبات أن العمل الفني تم بيعه في عام 1974 من معرض ميثولوجيس الباريسي.
وخلص المحققون إلى أن الأوراق كانت مزيفة، وقال المتحف في سبتمبر 2022، إنه سيحترم التزامه المحتمل بالتعويض. لكنه لا يزال يتوقع من مصر تقديم الدليل على النهب، وكان طلب المتحف سببا في تحرك مصر في القضية.
وبحسب الصحيفة، صرح ممثل حكومي بأن مصر انتظرت الحكم النهائي في 18 أكتوبر قبل تقديم مطالبة رسمية بالتعويض لمتحف بودابست. لكن التاجر البريطاني روبرت وايس رفض التعليق على الأمر.
المتورطون في بيع آثار مصرية منهوبة
ووفقًا للوثائق القضائية، فإن وايس باع القطعة الأثرية للمتحف بالشراكة مع التاجر الفرنسي “ديفيد غزلباش” الذي اشترى الجداريتان من معرض ورمسر، وفي مارس، وجهت إلى غزلباش تهمة الاحتيال الجماعي في التحقيق في آثار متحف اللوفر أبوظبي، وأجبر على إغلاق معرضه.
وفي شهادته، أشار ورمسر إلى تورط خبير الآثار والتاجر كريستوف كونيكي في هذه القضية، وذكرت المحامية آن-صوفي ناردون، الممثلة القانونية لورمسر، أن كونيكي قدم الجداريتين للبيع في عامي 2012 و2013 من خلال دار المزادات “بيير وبيرجي – Pierre Bergé & Associés، حيث كان يعمل كخبير. وبحسب آن-صوفي ناردون، فقد ادعت كتالوجات المزاد في كلتا الحالتين أن القطع قد تم بيعها في باريس في منتصف السبعينيات، ولكن كونيكي لم يطلب أبدًا رؤية أي مستند يوضح مصدرها.
ولاحقا أقر ورمسر أمام المحكمة بأن الجداريات الأثرية التي اشتراها جاءت من مقبرة سقارة وأنه يجب إعادتها إلى مصر، وأفاد بأنه اشترى ست قطع من القبر بحسن نية تامة من شركة Finatrading المملوكة لرجل الأعمال السويسري إيف. بوفييه، والتي باعت القطع مجمعة إلى 11 قطعة بمبلغ 10000 يورو قبل أن يتم إعادتها إلى معرض ورمسر.
وتم استبعاد ثلاث قطع من القضية بسبب انقضاء فترة التقادم. لكن أثارت الصفقة تساؤلات المحامي الذي يمثل الحكومة المصرية عما إذا كانت تحوي “بعض الدوائر المالية الخفية”.
ووفقًا للسجلات، فقد اشترى “جاليري لايتوال دو ايشتار أو “نجمة عشتار”، L’Etoile d’Ishtar Gallery، بين عامي 2003 و2005 ما يصل إلى 90 قطعة أثرية تم نقلها من سويسرا بواسطة “آرت ترانسيت – Art Transit”، وهي شركة أخرى مملوكة لبوفييه.
وأشار ورمسر إلى أنه توقف عن الشراء من شركة “فينا تريدينج – Finatrading” لأنها فشلت في تقديم مستندات الأصل الحقيقية، وقال بوفييه إنه لا يستطيع التعليق على كل المبيعات أو كواليسها لأنه لا يستطع الوصول إلى أرشيفات الشركة المحفوظة في آسيا.
الحكم النهائي لاسترداد 5 قطع
وفي الوقت نفسه لم يتم توجيه اتهامات لبوفييه من قبل الشرطة الفرنسية، ولم يتم استجوابه. ولم يتم توجيه أي تهم ضد وايس، أو غزلباش، أو كونيكي، وبالتالي فإن ورمسر هو الوحيد الذي واجه التهم.
وفي 18 أكتوبر الماضي، صدر حكم بالسجن لمدة ثلاث سنوات مع وقف التنفيذ وغرامة قدرها 50 ألف يورو لتاجر التحف الفرنسي ديدييه ورمسير، بتهمة بيع خمسة جداريات نُهبت من قبر كاهن في سقارة بعد اكتشافها من قبل عالم آثار فرنسي في عام 2000.
وفي 25 أكتوبر، قررت المحكمة الجنائية في باريس إعادة القطع الأثرية الخمسة إلى مصر، بما في ذلك الآثار التي اشتراها جامع إيطالي بحسن نية. وأكد ماثيو بواسافي، المحامي الذي يمثل الحكومة المصرية، على أهمية الحكم لأنه يعترف بقانون 1983 الذي يحمي التراث الثقافي في مصر.
اقرأ أيضا:
كنز مخبأ أسفل جامعة أيرلندية.. ما قصة الآثار التي استردتها مصر؟