«كلب المعمل»: فصل من رواية إبراهيم البجلاتي الجديدة
بعد قليل من البحث، اعتمادًا على الوصف الذي خلا -كالعادة- من اسم الشارع ورقم البيت، تمكَّنتُ من العثور على مكان السهرة: بيت قديم في حي الحسينية -عند تقاطع سور مدرسة “الملك الكامل” القديمة والشارع العمودي على سور محطة القطار- يعود إلى تلك الأيام التي نسمع عنها ونرى بقاياها المتآكلة في الأحياء العريقة. أيام أن كان للبيوت سقوف عالية وأبواب ضخمة من الخشب الثقيل، وعلى كل باب تاج محفور من الورود أو رأس أسدٍ مهيب.
في منتصف الشارع المعتم وقفت أمام البيت المقصود، إطار خشبي ناحل بلا باب، كأنه إطار لفوهة الظلام المطلِّ من ورائه. رفعت عيني قليلًا فميَّزتُ تاجًا مكسورًا من الورود فوق الإطار الواسع، ودخلتُ. لم تُبدِّد الولَّاعة المشتعلة في يدي اليسرى سوى أقلِّ القليل من الظُّلمة المكثَّفة حولي، لكن شُعلَتها كانت كافية لكي أرى سُلَّمًا عريضًا في آخر المدخل الواسع. تحسَّستُ الدرابزين بيمناي، ومن ملمس الخشب العتيق تأكَّدتُ أن أحدًا لم يصعد هنا منذ عقود. كان منطقيًّا في هذه الظلمة المربكة ورخام الدرجات المنحول أن أتعثر نصف عثرة، وأن أقوم وأشعل الولَّاعة، التي لسعَت سخونتها أصابعي، من جديد. خشب كئيب متصالب على نافذة كبيرة تتوسَّط السُّلَّم، عالِقةٌ في مُربَّعاتها بقايا من زجاج ملوَّن. بالطابق الثاني باب شقة مُغلَق ولا أثر لأي ضوء بالداخل. بيت مهجور تمامًا. رأس سنة في بيت الأشباح، أم مجرد حرص على إخفاء بهجة معيبة؟ وواصلتُ صعودي المتحسِّس إلى الطابق الثالث.
**
في ردهة الشقة الواسعة والمهملة بجدارةٍ خَلقٌ منتشرون على كراسي ليس لها طراز مُحدَّد وكلها في حال أسوأ من بعضها. أعرف قِلَّةً منهم معرفة حميمة، وأعرف بعضهم معرفة سطحية، أما الغالبية فلم تكن من الطائفتين. البيرة في كل مكان، والسجائر المحشوة ملفوفة وجاهزة في مكان بارز على طاولة عريضة يتوسَّطها زجاجة كبيرة من الويسكي لم تُفتَح بعدُ. وقبل أن أجلس كان صاحب المكان -وهو مخرج مسرحي تربطني به صِلة قرابة بعيدة ومعرفة سطحية- قد فتح زجاجة بيرة مُثلَّجة وقدَّمها لي وهو يزيح واحدًا من مُمثِّليه ويُجلسني مكانه، والذي جاء بالمصادفة على يسار الأستاذ ياسين المالكي.
كانت المرة الأولى التي أرى فيها الأستاذ ياسين في مكان آخر غير “مقهى المحطة” الذي اعتاد الجلوس عليه في أوقات محدَّدة من أيام مُعيَّنة كل أسبوع. وكانت المرة الأولى التي أرى في يده شرابًا غير فنجان القهوة، لكنه حتى في هذه الأجواء لم يتخلَّ عن بدلته الكاملة وربطة العنق المُحكَمَة، وفوق كل هذا معطف أسود غاية في الأناقة. ومثلما يخصِّص له النادل في المقهى كرسيًّا مميَّزًا خصَّص له المخرج المسرحي الفوتيه الوحيد الذي يبدو في حال جيدة.
**
أخذتُ جرعة طويلة من الزجاجة الخضراء مباشرة، فيما يقرع الآخرون الأكواب ويشفطون الرغوة الهشَّة. الحديث قد بدأ قبل وصولي، وكان جُلُّه يدور حول استقالة جورباتشوف التي لم يمرُّ على إعلانها سوى ستة أيام فقط. أحدهم يتكلم بحماس عن الخطايا السوڤييتية الكبرى، بدءًا بتصفية تروتسكي وديكتاتورية ستالين الغليظة، مرورًا بخليج الخنازير وانتهاء بالمستنقع الأفغاني الذي سبق نهاية الإمبراطورية بقليل، فيما يردُّ عليه أحدهم بأن التحليل الذي قدَّمه حزبه منذ منتصف السبعينات كان يؤكِّد على حتمية زوال الإمبراطورية السوڤييتية التي أضرَّت بوحدة اليسار العالمي وأساءت إلى سمعة الاشتراكية التي غدرها الجميع.
كان نصف دماغي حاضِرًا ونصفه الغائب يلعن “علي طه” الذي أوقعنا في هذا الفخ في ليلة كهذه. ثم انبرى المخرج المسرحي ووضع كوب البيرة جانبًا وقام واقفًا، بشكل مسرحي ركيك، وبدأ -مستخدِمًا يديه وعينيه وشاربَه الاستاليني- خطبةً عميقة عن عبادة الماضي، مساويًا بين الفَرِحين والمحزونين. فكل فريق يعبد وهمه الخاص عن الدولة والتاريخ، وكلا الفريقين سَلفيٌّ بامتياز.
**
ثم ختم خطبته -التي حرمها انصراف الكثيرين عنها من سطرين إضافيين- بأنه علينا أن نجيب على سؤال اللحظة: هل العالم بدون الاتحاد السوڤييتي سيكون أفضل أم لا؟ بدا لي للحظة أن قريبي هذا قد جمع كل هذا الحشد خصيصًا ليلقي عليهم خطبته الغريبة هذه. توقَّعتُ أن يجلس لكي يحصل على ما يستحقُّ من تصفيقٍ يعفيني من شعور عابر بالخجل، لكنه وبنفس الأداء المسرحي سار خطوتين ودار إلى اليمين مترنِّحًا قبل أن يختفي لبعض الوقت في ممرٍّ مُظلِم يقود -فعلًا- إلى الكواليس.
وأنا أبلع الكلام بجرعة أخرى طويلة من البيرة مال الأستاذ ياسين عليَّ هامسًا: مالَك؟ قلت مباشرة ودون تفكير أو تردُّد وأنا أعيد الزجاجة إلى الطاولة: هل العالم بدون كلاب سيكون أفضل أم أسوأ؟ اتَّسعَت عينا الأستاذ دهشة، فانتبهت واعتدلت في جلستي وأنا أشعل سيجارة وأقول: القافية حكمت. ثم قلت له: تصوَّرْ أنه في اللحظة التي كان جورباتشوف يدخل الكرملين للمرة الأخيرة ويُغيِّر وجه العالم، كنت أنا أدخل معمل التجارب الحيوانية للمرة الأولى وأدسُّ يدي في بطن كلب، ولديَّ إحساسٌ بأن أشياء كثيرة ستتغير في حياتي بعد هذه التجربة.
قال كأنه يؤكِّد على كلامي إن حياة الأفراد لا تتأثر بالأحداث العظيمة في الحال، هذا يستغرق زمنًا حتى يبين أثره، أما بعض المصادفات التي تحدث للفرد مباشرة فتؤثِّر في حياته بشكل أسرع، وربما بشكل أعمق ممَّا كان يتصور. ثم حكيتُ له بشكل مختصر عن رعبي المزمن من الكلاب، وعن توزُّعي طوال الأسبوع الماضي بين جراحات البشر في العمليات التي فوق، والتجريب في الكلاب في المعمل الذي تحت، وأنني تقريبًا أُغرَمتُ بالنوع الثاني أكثر من النوع الأول.
**
أوشكت أن أقول له إن هذا ربما يكون غرامًا سطحيًّا بالجديد -كعادتي- لكنه سبقني قائلًا: إن موقفي هذا يشبه إلى حدٍّ بعيد الموقف العام من الكلب، هذا الموقف الموزَّع بين التبجيل والاحتقار، بين تقدير الكلب لوفائه والقرف من نجاسة لعابه. قبل أن أستوعب حدود التشابُه البعيدة بين حالتي وبين الموقف العام عاجلني هو: هل تعرف أنه رغم الحكايات الكثيرة جدًّا والقديمة جدًّا عن وفاء الكلاب هناك مَن يُشكِّك في حقيقة هذه الصفة الآن استنادًا إلى كلب “باڤلوڤ” نفسه.
- – إزَّاي؟
- – طبعًا إنت عارف تجربة باڤلوڤ التي أجراها على الكلاب واكتشف من خلالها قانون “رد الفعل المنعكس الشرطي”.
- – عارف.
- – وعارف الارتباط بين رنين الجرس وجريان لعاب الكلب؟
- – عارف.
- – هناك الآن من يرى أن ما نعتقد أنه “وفاء الكلب” ليس سوى ردِّ فِعلٍ منعكس شَرطيٍّ يربط الكلب بصاحبه؛ فلن يأكل الكلب أو يشرب أو ينام إلا في حضور صاحبه، فإذا غاب هذا الصاحب بالسَّفر أو الموت مثلًا، فالكلب لن يأكل ولن يشرب؛ وبالتالي يذبل، ورُبَّما يموت، ليس حزنًا على فراق صاحبه، ولكن عن عجز، عجز عن التعامُل مع الحياة في غياب المثير الشَّرطي، اللي هو صاحبه.
**
كنت قد بدأت أشعر بدوار خفيف لا أعرف إذا كان هذا من تأثير البيرة التي لم أُنهِ زجاجتي الأولى منها بعد، أم من تأثير الكلام الذي قاله الأستاذ. وقبل أن أشعل سيجارة جديدة مال حمدي طه -الجالس على يمين الأستاذ- علينا وهو يقدِّم سيجارتين ملفوفتين. رفض الأستاذ السيجارة الملفوفة بأنفه قائلًا إنه لا يدخن مثل هذه الأشياء، فاقترب حمدي مني أكثر وهو يقول: ولَّع دي أحسن. وأنا أشعل السيجارة الملفوفة قال حمدي بصوت عميق مبحوح، كأنه يعبِّئ الهواء في حلقه قبل أن يدفعه مع الحروف المتقطعة:
- – وبعدين يا أستاذ الكلب عمل إيه؟
- – مساء الخير يا حمدي… واضح إنك مِدِّيها جامد قبل ما تيجي!
- – لا والله… لا جامد ولا حاجة، دول كلهم سيجارتين عُميْ، بس القعدة الحلوة دي مع الناس الجامدة دي، والكلام اللي حضرتك كنت بتقوله من شويه يلفُّوا دماغ الفيل.
- – عامل إيه يا بني؟
- – عامل نفسي مش واخد بالي.
- – من إيه بالظبط؟
- – من أي حد وأي حاجة… بس ده مش موضوعنا، موضوعنا الكلب اللي حضرتك كنت بتقول عليه من شويَّة، واللي طلع مش وَفي، وحضرتك عارف إن أهم حاجة في الدنيا دي الوفاء.
- – طبعًا.
- – يعني الواحد لازم يبقى عنده وفاء لأصحابه، لأفكاره، للي اتعلِّمه، فإذا كان الكلب حضرتك اللي مالوش غير الصفة دي طلع مش قد كده، يعيش بينَّا إزاي، واحنا كمان نعمل إيه؟
- – في إيه؟
- – حضرتك أنا كنت ناوي أربِّي كلب على أساس حكاية الوفاء دي، لكن أهوه طلع مش وفي، أربِّيه إزَّاي أنا بقى؟
- – بسيطة بلاش تربِّي كلب.
- – أُمَّال أرَبِّي إيه حضرتك؟
- – ربِّي نفسك يا أخي.
**
أطلق حمدي قهقهة ممطوطةً وبعيدة المدى، ثم دعك عينيه الدامعتين وهو يقول:
- – لأ حلوة وملعوبة يا أستاذ… يعني بعد ما تسحب الصفة من الكلب وتبوَّظ الخطة اللي كنت عاملها مفاجأة للعيال… تقول لي ربِّي نفسك يا حمدي؟
- – إنت إيه حكايتك يا ابني أنت… فيه إيه؟ ما تلمّ نفسك شويَّة… وبعدين عيال إيه اللي كنت عامِلُّهم مفاجأة؟ إنت مش طلَّقت أمهم ورميت لها العيال وقاعد لوحدك؟
- – طب ليه كده بقى… ولزومه إيه الكلام ده قدَّام الناس؟ وبعدين يا عم أنا كنت عاملها مفاجأة لنفسي، ارتحت، أهو الواحد يربِّي كلب يسلِّيه في وحدته بدل ما هو قاعد مع نفسه ياكل فيها، ويبقى فيه قصة في الحياة الممللة دي: الكلب راح الكلب جه، الكلب…. عَ السجادة، الكلب أكل المخدة، الكلب كبر وعاوز يتجوِّز، كده يعني…
- – والله انت كان عندك فرصة تربِّي عيالك وتفرح بيهم… بس أنت اللي عملت في نفسك كده.
- – أنا برضه؟
ثم مال على الأستاذ أكثر وهو يقول بصوتٍ غير مسموع للآخرين: عمومًا الحال من بعضه يا أستاذ، وأنا تلميذك في كل حاجة، واللي حصل لي في الأول حصلك في الآخر. وقام واقفًا وهو يقول لأخيه بنبرة أعلى: إيه يا عم علي النكد اللي أنت جايبنا ليه ده؟ فجذبه أخوه من يده: هوَّ فيه إيه؟ اقعد يا ابني رايح فين؟ فقال حمدي وهو يحاول التماسُك: إيه يا عم أنت كمان… رايح الحمام واللَّا عندك مانع.
**
مال علي طه على الأستاذ مُعتذِرًا نيابة عن أخيه وملمِّحًا -في أدب جم- إلى خطأ الأستاذ في تذكير حمدي بمأساة طلاقه والتي لم يستطع تجاوزها حتى الآن. لم يعتذر الأستاذ -الذي صار وجهه قريبًا من لون معطفه- عن تجاوُزه، لكنه عبَّر عن صدمته في أستاذ الرياضيات الذي يتكلَّم ويتصرَّف كأنه سائق تاكسي أو ميكروباص. ولَفَّنا صمتٌ كئيب حتى عاد حمدي من الحمام وحشر نفسه مرة ثانية بين أخيه وبين الأستاذ، وحين استقرَّ في موضعه أشعل سيجارة ملفوفة وسحب منها نَفَسًا عميقًا وكتمه في صدره حتى دمعت عيناه. في هذه اللحظة التفت إليَّ الأستاذ مستأنِفًا ما كان بيننا من حديث ظنَنتُ أنه قد انتهى: سمعت عن رواية اسمها “قلب كلب“. لم أرد عليه بالسَّلب أو بالإيجاب، وراح هو يحكي عن الرواية دون أن أسمع ممَّا قاله حرفًا واحدًا.
كنتُ مشغولًا تمامًا بـ”قلب طفل” أغلق عينيه على الكثير من الطيبة المفرطة والدخان، وغرق في “علم جمال الضحية”، حتى أصبحت عودته مستحيلة. رُحتُ أكرِّر داخلي قلب طفل… قلب طفل كأنه اكتشاف، وهو ليس كذلك؛ لأن حمدي منذ تعرَّفتُ عليه عن طريق أخيه علي وهو على هذه الحال. حتى في المرات التي قابلته فيها دون أن يكون “مُحلِّقًا” كان أيضًا هكذا، كأنه مُحلِّق أبَديٌّ في حزن بلا قرار. وهذا ما جناه من ارتباط مرضي بأشخاص خذلوه، وفق رواية أخيه، ويبدو أن هذا هو سِرُّ غضبته من الأستاذ الذي سحب من الكلب صفة الوفاء فكشف -بغير قصدٍ- عن قلبٍ باڤلوڤيٍّ بامتياز.
**
لا أعرف متى انتهى الأستاذ من حكايته، لكني فوجِئتُ بحمدي يعتدل في جلسته ويقترب من الأستاذ، وبنفس اللسان الثقيل والجفون المكسورة يسأله: تعرف يا أستاذ الكلاب بتشم في…. بعضها ليه؟ كدتُ أنقلب على قفاي من الضحك؛ فالموقف برُمَّته لم يكن يُحتَمل. لكن الأستاذ تمالك نفسه ورَدَّ بنبرةِ مَن يحاول كشط التوتُّر السابق:
- – ما ينفعش يا حمدي وأنت قاعد وسط الناس كده تستخدم الألفاظ دي.
نظر له حمدي بتركيزٍ كأنه يحاول أن يفهم، ثم، وكأنه أدار الكلام في رأسه الثقيل، واكتشف ما يقصده الأستاذ فقال وهو يلتفًُّ على نفسه وينظر إلى مؤخِّرته هو شخصيًّا:
- – آه… قصدك…
- – أيوه.
- – أمَّال أقول إيه؟
- – مؤخِّرة يا حمدي… اسمها مؤخِّرة… وأنت عارف، بس الظاهر إن دماغك تِقلِت زيادة عن اللزوم.
- – الظاهر كده برضه… عمومًا حضرتك عارف كل حاجة وفهمت قصدي… جاوِب على السؤال بقى.
- – فيه أسباب كثير… بعضها كيميائي، وبعضها اجتماعي، بس لو تعرف أنت حاجة جديدة قولها.
- – يعني هيَّه مش إجابة، دي حكاية مش عارف قريتها فين ولا سمعتها من مين، بس عَجباني. تسمع؟
- – احكي.
- – بيقولَّك يا سيدي الكلاب نوعين: بلدي ورومي.. صح؟
- – كمِّل.
- – قالَّك الرومي مدَّلَّع ع الآخر في بيوت الأغنيا، ياكل لحمة طازه، ويدخل الحمام زي البني آدمين وينام في بيوت مخصوصة. قالَّك والبلدي ضايعة في الشوارع، تنام في الطَّلّ، وتاكل من الزبالة، وإذا فكَّرت في لقمة حلوة وقرَّبِت من بيوت الأغنيا يكون نصيبها علقة سُخنة، وفين يوجعك. المهم الكلاب البلدي اتجمَّعِت في خرابة كبيرة وعملت مؤتمر لدراسة الموقف ده. واستقر الرأي على إنهم يبعتوا رسالة لملك فلسطين –هتقول لي اشمعنى فلسطين هاقول لك ما اعرفش… هيَّ الحكاية كده– ويكتبوا في الرسالة دي الشكوى بتاعتهم جايز يكون عند الملك ده حل ينصفهم. واتَّفقوا إنهم يبعتوا المظلمة بتاعتهم دي مع كلب كبير وجامد من جماعتهم. وغلب حمارهم يشيِّلوه الرسالة دي إزاي، ويخبُّوها فين؟ أخيرًا اكتشفوا إن أحسن حل هو إنهم يخبُّوا الرسالة في مؤخرة الكلب ده. وطلعوا كده جماعة لغاية سينا، ووصَّلوا الكلب المرسال لأول الطريق. وقعدوا يستنُّوا… كتير؟ سنين. لا الكلب رجع، ولا الرد وصل. فتفرَّقوا في البلاد بحثًا عن المرسال الذي يمكن أن يكون قد ضلَّ الطريق. (حلوة الفصحى برضه… بس ليها ناسها) المهم… وكل ما واحد منهم يلمح كلب غريب يروح يشم في مؤخرته، ولما ما يلاقيش رد الملك في مؤخِّرة الكلب ده يقوم يهوهو ويهيج الجماعة كلها عَ الغريب. وتقوم معركة شرسة تنتهي بطرد الغريب اللي جاي يشاركهم كوم الزبالة بتاعهم. بس خلاص.
**
يبدو أن الأستاذ لم يفطن إلى أن حمدي ورغم غياب ثلاثة أرباع دماغه قد عاد من الحمَّام وفي الربع الصاحي من دماغه هدفٌ واحد: هو استفزازه، وقد كان. بدأ الأستاذ يتكلم بنبرة حادة منتقدًا تقسيم حمدي للكلاب إلى نوعين بلدي ورومي، مشدِّدًا على أن الكلاب أنواع كثيرة جدًّا، ليس من بينها الرومي أصلًا، ولا هذا البلدي الهجين. وأن الأنواع المصرية المعتمدة من قِبَل الأندية العالمية هي السلوقي والأرمنت. وبينما كان الأستاذ يتكلَّم بغاية الجدية والحِدَّة كان حمدي غارقًا في الضحك، وقد نال مراده، ثم وضع وجهه في الأرض وهو يقول:
- – إنت واخد الموضوع بجد كده ليه؟ يا عم دي كلها طِلعِت ولا نِزلِت كلاب، وماتستاهلش الحمأة دي كلها. قلبك أبيض، والليلة سهرة، رأس سنة مفترجة علينا كلنا بإذنه، وبدل ما نيجي نشرب كوبَّايتين بيرة وندخَّن سيجارتين حلوين وننبسط نقوم نقعد كده نشم في…. بعض. هوَّ مين بن دين… اللي فتح موضوع الكلاب ده؟
- – أنا.
- – ليه كده يا دوك… حرام عليك اللي بتعمله فينا ده والله. ما تقوم تروح الحمَّام أحسن.
قمت من فوري إلى الحمام، كأنني كنت في انتظار هذا “الأمر” من حمدي، وفعلًا كانت مثانتي على وشك الانفجار.
رجعت من الحمام فوجدت شريف الألماني يحتلُّ مكاني، فحشرت نفسي على الكنبة إلى جوار حمدي وفاصلًا بينه وبين الأستاذ. كان شريف يتكلم بحماس عن كلب حمويه الأبيض بنقط سوداء، وأن حمويه يصحبان الكلب مرة كل شهر إلى سوبر ماركت متخصص في بيع أكل الكلاب، وأنهما يشتريان من هذا الماركت كميات من الطعام لزوم الكلب ويرتِّبانها بنظام مُعيَّن في “الديب فريزر” الخاص بالكلب. أما الكلب نفسه -واسمه كاتو، كما هو مدوَّن في جواز سفره الخاص- فله بيطري مخصوص يتابعه دَوريًّا، ويسجِّل مواعيد التطعيم في شهادة خاصة بالكلب لزوم السفر إلى أماكن التزلُّج على الجليد، وهو ما يحبه الكلب ويجيده، على عكس شريف نفسه الذي كُسِرَت ذراعه العام الماضي إثر محاولة فاشلة لتعلُّم ما يتقنه الكلب.
**
مال حمدي على أذني القريبة منه هامسًا: يا ريتني كاتو، ثم رفع صوته بدرجة محسوبة: شُفت الكلاب يا عم الأستاذ، وأنت عَمَّال تقول لي أرمنت وسبع الليل وبيجيبوه من الصحرا يحرس الغنم. ثم فتح عينيه قليلًا ورفع صوته بدرجة أكبر موجِّهًا كلامه إلى شريف:
- – ما قولتليش يا خواجة… الأخ كاتو ده وفي؟
- – يعني إيه؟ مش فاهم؟
- – عنده وفاء لأصحابه يعني؟
- – آه طبعا… دي صفة أساسية في الكلاب كلها.
- – طيب قول بقى للأستاذ اللي بيقول إن ده مش وفاء… ده رد فعل باڤلوڤ ومش عارف إيه.
- – ده كلام مُغرِض… وَرَاه ناس عاوزة تلاقي مبرِّر للتخلُّص من الكلاب، لقوا مش كفاية إنهم يقولوا إن الكلاب نجسة، وبتمنع دخول الملايكة البيوت، فحَبُّوا يعطوا الكلام شكل علمي ويسحبوا منها أهم صفاتها عشان نكرهها ونتخلص منها زي ما همه عايزين.
قام حمدي مُتَّكِئًا على فخذي من ناحية وعلى فخذ أخيه من الناحية الأخرى ووقف مترنِّحًا ثم مال على شريف وقبَّل خديه وهو يقول: ينصر دينك يا خواجة، هو ده الكلام. ثم عاد إلى مكانه مسندًا رأسه إلى ظهر الكنبة وهو يقول: خد راحتك يا دوك.
**
استغلَّ علي طه الحركة التي أحدثها أخوه، وتمكَّن من الإفلات من لسان الجار الذي استولى على أذنيه منذ بدء السهرة، ومال تجاهي مُتَّكِئًا على فخذ أخيه الجالس بيننا:
- – ينفع كده؟ دماغي اتخرمت من الناحيتين. ده إيه الليلة دي؟ تصدق ما فهمتش ولا كلمة، وما فتحتش بُقِّي من ساعة ما جيت، ما تيجي نقوم نروح حتة تانية نعرف نشرب فيها على رواقة وجايز نعرف نقول كلمتين قبل الليلة ما تعدِّي.
- – ما عدِّت خلاص… الساعة اتنين ونص.
- – يا راجل… الواد ده ماله؟
- – مين؟
- – حمدي.
- – زي الفل.
- – وَلَه… وَلَه يا حمدي فوق كده وخليك جدع.
- – أنا فايق جدًّا… ودماغي توزن بلد، بس الأستاذ صاحبك ده هو اللي مزعَّلني.
- – وَلَه… احترم نفسك… الأستاذ ده أستاذنا كلنا وعمره ما زَعَّل ناموسة… يبقى هيزعَّلَك أنت… إزَّاي؟
- – الدكتور صاحبك الله يجازيه بقى مطرح ما هو قاعد جنبي كده فتح موضوع الكلاب معرفش ليه… قام الأستاذ صاحبك رَدّ عليه وقاله خُد بالك الكلب طلع مش وَفي… ده طلع باڤلوڤ.
- – الواد ده بيخرَّف بيقول إيه يا دكتر؟
- – والدَّكتَر ماله؟ الدَّكتَر فتح الموضوع وسكت، والأستاذ هو اللي قال، وأهو عندك أهوه اسأله…
- – إيه الكلام اللي بيقوله الواد يا أستاذنا؟
- – كلام إيه؟
- – (وهو يهزُّ حمدي وفي صوته وأدائه نبرة غير بريئة) قول يا ابني الكلام اللي أنت قولته دلوقتي كده خلِّينا نفهم إيه العبارة بالظبط.
- – (ملتقطًا خيط المؤامرة) خُد بالك الكلب طلع مَكَّار… كُنَّا فاكرينه “وَفي” بس هو في الحقيقة باڤلوڤ…
- – فهِّمني بقى يا أستاذنا إيه الحكاية عشان أنا متأكِّد إنَّك ما قلتش كده والواد ده باين عليه مش مرَكِّز.
- – (بِزَهق) أخوك ده دماغه بايظة خالص… أنا قلت إن فيه ناس بتقول على الكلاب إنها مش وَفيَّة لأصاحبها، وبتفسَّر الصفة اللي طول عمرها لصيقة بالكلاب اللي هِيَّه الوفاء بقانون رد الفعل المنعكس الشرطي بتاع باڤلوڤ.
- – ما الكلام واضح أَهُه يا بني. الأستاذ ما قالش دا ناس تانية هي اللي بتقول.
- – وأنت يرضيك الكلام ده برضه يا عم علي؟
- – لا طبعًا… يرضيني إزاي؟
- – يعني ليَّ حق أزعل واللَّا ما أزعلش؟
- – طبعًا تزعل… بس مِن اللي قال مش من الأستاذ، عشان الأستاذ ما قالش… خلِّيك حَقَّاني… الحشيش ده حلو قوي ياد يا حمدي، إنت جايبه منين؟
- – المعلم نحَّاس.
**
- – عشان كده (وهو يكتم نَفَسًا عميقًا من الدخان) نحَّاس طول عمره حشيشه حلو. اسمع يا أستاذنا: أنت عارف إني لسه راجع من اليابان من أسبوعين، قعدت هناك شهرين زي ما أنت عارف، وخلال المدة دي كان المشرف اللي بيدرَّبني على جهاز الأشِعَّة الجديد، المهندس المحترم “واو”، ياخُدني في الويك إند ويلِفّ بيَّ طوكيو كلها، وبعد أمَّا نرجع من اللَّفَّة دي يفضل يشرب الساكي بتاعهم ده لغاية ما يبقى عامل زي الواد حمدي كده وأنيل كمان. وأنا أقعد أطبطب عليه لغاية ما ينام عندي ع الأرض وأصحى الصبح ما لقيهوش. المهم في مرة ركبنا المترو ونزلنا في محطة اسمها شي..شي.. شي إيه.. “شيبويا”، أيوه شيبويا، هي كده بالضبط. الحشيش ده حلو قوي يا حمدي. المهم طلعنا من المحطة لقيت قُدَّامي تمثال كلب جامد جدًّا، رابض في الميدان اللي قُدَّام المحطة على قاعدة رخام عالية وآخر أُبَّهة. قام الأخ واو خدني ووَقَّفني قرب التمثال وقال لي إن الكلب ده له حكاية مشهورة في اليابان جدًّا. قال لي إنه من فصيلة يابانية لونها أصفر في أبيض أو أبيض ثلجي ناصع والكلب كان اسمه هيتاشي.
- – هيتاشي دي مكنسة يا علي.
- – هو أنت لسَّه صاحي؟
- – آه.
- – وآه كمان… وبعدين هيتاشي إيه ومكنسة إيه؟ هو أنت اللي كنت في اليابان واللَّا أنا؟
- – إنت.
- – خلاص… يبقى تسمع وأنت ساكت، هيتاشي… هاتشي، اللي أقول عليه تسمعه، الناس كلها خرمت دماغي وأنا قاعد ساكت، وساعة ما أجي أتكلِّم تطلع لي أنت في النُّص… أنا قلت اسمه إيه دلوقتي؟
- – هاتشي.
- – أيوه كده الكلب كان اسمه هاتشي… خلِّيك صاحي معايا وفوق كده يا حمدي ما تسبنيش… هه… عشان دي كانت المقدمة والحكاية لسه هتبدأ أهوه.
**
الأستاذ “أونو” وده كان بروفيسور في الجامعة الإمبراطورية في طوكيو اشترى الكلب هاتشي وهو لسَّه جرو ابن شهرين. ولمَّا الجرو كبر وبقى كلب محترم كده ابتدا كل يوم يوصَّل الأستاذ “أونو” لمحطة القطر الصبح ويرجع لوحده، وبعدين يروح يقابله في المحطة الساعة خمسة بالظبط ويرجعوا البيت سَوَا. كل يوم كده يوصله ويرجعوا سَوَا وفضلوا على الحال ده سنتين تقريبًا وفق رواية السيد المحترم “واو“.
وفي يوم أخونا الكلب هاتشي وَصَّل أخونا الأستاذ أونو المحطة الصبح ورجع عشان يقابله بالليل لكن أونو ما جاش في الميعاد. قعد يستنَّى القطر اللي بعده ما جاش، واللي بعده مفيش. رجع البيت يدوَّر على الأستاذ أونو لَيكون رجع البيت لوحده… مفيش، قام راجع المحطة تاني يدور على الأستاذ. وفضل رايح جاي من المحطة للبيت وبالعكس لغاية ما استوعب إن الأستاذ ما رجعش من الجامعة أصلًا. وفضل مستنِّي ع الرصيف يبحلق في اللي نازلين من القطورات كلها وبرضه مفيش.
المهم فضل رابض في مكانه في المحطة كتير: عشر سنين يا أستاذنا، تَصوَّر عشر سنين مستنِّي على رصيف المحطة. والناس اللي شافوه مع صاحبه قبل كده عارفين الحكاية من أول يوم، وعارفين إن الأستاذ أونو أصيب بأزمة قلبية وهو في الجامعة ومات ومش راجع. طبعًا كناس محترمين قَدَّروا إخلاص الكلب ووفاؤه لصاحبه اللي مش موجودين عند البني آدمين، وبقوا يقدِّموا له الأكل والشرب ويطبطبوا عليه. وطبعًا الكلب في العشر سنين دول استحمل البرد ورزالة الصِّيَّع والمتشرِّدين… ما هو برضه اليابان فيها صِيَّع ومتشردين، مش كله يعني بولايت بيبول زي الكتاب ما بيقول.
**
المهم أخونا هاتشي فضل مستنِّي لغاية ما مات مكانه ع الرصيف. وأولاد الحلال في اليابان كتير برضه… قاموا بالواجب ودفنوه جنب صاحبه الأستاذ أونو. لكن القصة نفسها خرجت من المحطة إلى طوكيو، ومن طوكيو ذاعت في اليابان كلها، وبقى أخونا هاتشي رمز للوفاء. والرمز ده ألهم واحد نحَّات ياباني محترم قام عامل تمثال كبير للكلب هاتشي. وحطُّوا التمثال في الميدان اللي قُدَّام المحطة. ده قبل الحرب العالمية التانية، فلما قامت الحرب، سيَّحوا التمثال وعملوه بنادق.
وبعد ما الحرب خلصت جه ابن النَّحَّات الأوَّلاني وكان نَحَّات برضه زي أبوه وعمل تمثال جديد للكلب هاتشي والتمثال ده هو اللِّي موجود في المحطة دلوقتي. المهم يا أستاذنا واحنا واقفين قُدَّام التمثال لقينا واحد عجوز جدًّا ماشي على عُكَّاز وقف ومسح بإيده على ظهر التمثال، ووقف يتكلِّم مع الأخ واو ييجي نص ساعة. سألت واو الراجل ده كان بيقول لك إيه؟ قال بيقول إنه كان يعرف هاتشي كويس جدًّا، وإنه وهو عيِّل صغير كان بييجي المحطة ويجيب له أكل.
**
بعد قليل من الصمت الذي بدا ضروريًّا قال الأستاذ:
- – حكاية ظريفة… لكن فيه زيِّها كتير في كتب التراث.
- – زي إيه يا أستاذنا؟
- – زي حكاية التاجر الذي خرج إلى المقابر ينتظر قافلة، وتَبِعَه كلبٌ كان له، فضرب الكلبَ، وكَرِهَ أن يتبعه، إلَّا أن الكلب أصرَّ على أن يذهب معه. فلمَّا وصل إلى الموضع الذي يريد فيه الانتظار ربَضَ الكلبُ قريبًا منه. فبينما هو كذلك إذ أتاه أعداء له يطالبونه بطائلة لهم عنده. وكان معه جارٌ، وأخٌ له، أسلماه وهَرَبَا عنه. فجُرِحَ ورُمِيَ في بئرٍ غير عميقة، وحَثَوْا عليه التراب حتى غطَّى رأسَه. والكلب في كل هذا يزمجر ويُهَمهِمُ، فلمَّا انصرفوا أتى رأسَ البئر، فما زال يعوي وينبش عنه التُّراب حتى أظهر رأسه فتنفَّس ورُدَّت إليه الرُّوح وقد كاد يموت. وبينما هو كذلك إذ مَرَّ أُناسٌ فأنكروا مكانَ الكلب، ورأوا كأنه ينبش قَبرًا، فنظروا فإذا هم بالرَّجُل على هذه الحال، فشالوه وأخرجوه حيًّا ورَدُّوه إلى أهله.
- – بس الحكاية دي مش في المعنى المقصود بالظبط.
- – آه تَخصُّصَك بقى يا عم شريف.
- – جايز يكون فيها شيء من الوفاء لكنها تشبه حكاية چنكيز خان والنَّبع المسموم. حكاية تدخل في باب الذَّكاء الغريزي، أو الحدس البوليسي بلُغَة العصر، أكثر منها في الوفاء.
- – جايز، لكن كتب التراث كلها بتحطَّها تحت عنوان وفاء الكلاب.
- – وأنت قريت الحكاية دي فين يا أستاذ؟
- – موجودة في كتب كثير بتنقل من بعضها، لكن أفتكر إني قريتها في كتاب الحيوان للجاحظ.
- – حتى وإن كانت حكاية الجاحظ تدور حول وفاء الكلب إلا أن الفرق المهم بين الحكايتين إنه في حكاية الجاحظ وفاء من طرف واحد، وحب من طرف واحد اللي هو الكلب وفي نفس الوقت بتنفي أي ارتباط شرطي في هذا الحب. أما حكاية هاتشي فهي في وفاء جميع الأطراف لبعضهم البعض، إضافة إلى تقدير القيمة التي يُمثِّلها سلوك الكلب تجاه صاحبه.
- – أتَّفق معكم في تأويل الحكاية اليابانية وأختلف معكم فيما تقولون حول حكاية الجاحظ. أكثر من كده حكاية الجاحظ أوقع بالنسبة للفكرة اللي في دماغكم عن الوفاء؛ لأنه من طرف واحد، وده بيدُلّ على إن الوفاء عند الكلاب بدون مقابل، وفاء غريزي وأصيل.
- – بس ده عكس كلامك الأوَّلاني.
- – يا شريف قلت من الأول إن ده مش كلامي.
**
هَبَّ حمدي واقفًا بشكل مفاجئ وهو يكلِّم نفسه: ولمَّا هوَّه مش كلامك قلبت بيه دماغنا من أول الليلة ليه؟ نقول وَفي يقول لك منعكس شرطي، نقول له الحكاية دي مش في الوفاء يقول لك لا ده وفاء غريزي…. حاول علي أن يجذب أخاه من يده ليجلسه لكنه جذب يده من يد أخيه بعُنفٍ مُتَّجِهًا صوب الباب: هوَّ خالِف تُعرَف واللَّا إيه؟ يَلَّا يا عم علي نروَّح، الفجر قرَّب يطلع.
قام علي من مكانه كأنه مُضطَرٌّ للقيام، وانحنى على الأستاذ الجالس وقَبَّل وجنتيه: كل سنة وأنت طيب يا عمنا، وحقَّك عليَّ أنا، ده واد مسطول. ثم التفت لي: يلَّا يا دكتور عشان أوصَّلَك، ما أنا عارف… هتخاف تروَّح لوحدك.
فصل من رواية «كلب المعمل» الصادرة مؤخرا عن دار المحروسة
اقرأ أيضا
«طب وثقافة وناس»: فصل المقال فيما بين الطب والعزبة من اتصال