قبل يومين من انتهاء المدة المحددة.. مثقفون: أوقفوا هدم متحف نبيل درويش
أقيمت بنقابة الصحفيين ندوة بعنوان «أوقفوا إزالة متحف وبيت الخزاف العالمي نبيل درويش». إذ طالب المشاركون فيها بضرورة التراجع عن قرار الإزالة خاصة بعد أن تسلمت أسرة الفنان الراحل خطابا رسميا بضرورة إخلاء المتحف خلال أسبوعين، تمهيدا لهدمه بـ«القوة الجبرية» (لم يتبق من المهلة المحددة سوى يومين).
في البداية تحدثت الدكتورة نوال إبراهيم، رئيس قسم الخزف بكلية الفنون التطبيقية، عن علاقتها بالراحل نبيل درويش، فقد عرفته عندما كانت لا تزال طالبة بالكلية عام 1992. تقول: “كنّا دائمًا نستغرب ما يقوله- درويش- عندما يتحدث لنَّا بجدية شديدة عن إعجابه بآنية فخارية موجودة بالمتحف المصري بالتحرير. فقد تعلق بها لدرجة أنه كان يذهب بشكل يومي للمتحف للجلوس بجوارها؛ لذلك كنا نتساءل ونقول: لماذا يجلس طوال هذه المدة بجانب الآنية؟ وهنا بدأ يشرح لنَّا أن هناك علاقة بينهما إذ كان يتحدث إليها، إلى أن قررت الآنية الفخارية البوح بأسرارها، وهذا ما انعكس في أعماله التي نلاحظ أنها تأثرت بروح المصري القديم”.
مواقف إنسانية
وتضيف: خلال إعدادي لرسالة الدكتوراه سجلت معه وكانت رسالتي بعنوان «الطلاء الزجاجي المنحي». إذ أعجبت بهذه النوعية من الفنون، خصوصًا أنها لم تكن تمارس داخل مصر بشكل فعلي. فقد شجعني لاستكمال الرسالة، وبدأ يتجول معي في الزيارات الميدانية لمنطقة البدرشين والصف وغيرها من الأماكن. أتذكر قبل موته بأيام قليلة طلب مني مقابلته في نقابة الفنانين التشكيليين، وعرضت عليه النقاط التي توصلت إليها. ووجدته يعطيني خامات كنت أحتاجها لكنني لم أستطيع توفيرها؛ لذلك وجدته يقدمها لي كاملةً، وأصر يومها على حملها بدلًا عني؛ لذلك فدرويش إنسان نبيل لا يتكرر أبدًا.
كان عادة ما يتم الحديث عن “درويش” باعتباره صاحب أسرار فنية لا يبوح بها لأحد. فقد سألته “نوال” ذات مرة بسبب تداول هذه الحكايات داخل القسم. ووقتها قال لها إنه لا يمتلك أية أسرار «إذا أراد شخص أن يعرف أسراري فعليه الاطلاع على رسالتي للدكتوراه، لأنني وضعت بداخلها كل مجهودي وعلمي». وبالفعل بدأت نوال الاطلاع بشكل موسع على رسالته إذ دونَّ داخلها كافة التقنيات المستخدمة والخطوات المنفذة. لذلك تقول إن متحف نبيل درويش هو مكان في حد ذاته للدراسة، وأن كل قطعة بداخله لها سحرها الخاص، وتستحق كل قطعة دراسة مفصلة.
ظروف صعبة
الفنان التشكيلي محمد عبلة تحدث عن بداية تعارفه بدرويش. إذ كان ذلك في عام 1986 تقريبًا. يقول: “الفكرة الرئيسية أن المسؤولين عندنا لا يعترفون بالمتاحف الخاصة، فبدلًا من دعم الفنانين لإنشاء المتاحف يهدمونها، فأهم المتاحف وأعظمها في العالم كله هي متاحف خاصة فالحكومات أصلًا لا تنشئ متاحف. لكن هنا في مصر يتم هدمها واستباحتها؛ لذلك كان من الأولى الحفاظ عليها. وبدلًا من هدم متحف عظيم لتنفيذ «منزَل» كوبري كان من الضروري توسعة الطريق المقابل للمتحف لتجهيزه لاستقبال الزوار”.
ويستطرد عبلة: متحف نبيل درويش هو بمثابة مدرسة لم تفتح أبوابها بعد، وذلك بسبب خصوصية كل قطعة بداخله عن غيرها. والمشكلة أننا نعيش في ظروف صعبة جدا في الوقت الحالي لأننا لا نجد شخصًا يمكننا أن نتحدث إليه أو نقدم له أي نوع من الشكوى. فمجهودات نبيل درويش ملكا للوطن بأكمله؛ لذلك سنظل نصرخ حتى النهاية وإلى أن يتراجعون عن هدم متحفه.
مواجهة البلدوزر
فيما يقول الفنان التشكيلي والناقد سيد هويدي: “نبيل درويش هو امتداد لأستاذه سعيد الصدر، والذي يعد امتدادًا طبيعيًا للمصري القديم؛ لذلك فنحن أمام قيمة فنية عالمية قدمت كل حياتها وتاريخها بهدف توصيل رسالتها للأجيال القادمة. ورغم أننا نمتلك ثقافة بصرية في الأساس، لكن للأسف الشديد هناك جهل عند متخذي القرار لأنهم لا يعرفون قيمة الفن والجمال. فنحن نعيش داخل«عبث» إذ لا يمكن لشخص عاقل أن يتقبل فكرة أن متحفًا سيزال لأجل إنشاء «منزَل» كوبري؛ لذلك سنتصدى وسنواجه البلدوزر حتى آخر لحظة”.
وتابع: للأسف الشديد فعندما نتوجه بالحديث لوزيرة الثقافة تتنصل من مسؤوليتها؛ لذلك أرى أنها لا تستحق الاستمرار في منصبها، لأنها عاجزة عن إنقاذ متاحفنا ومقابرنا. فالمتاحف الخاصة التي تم إهداءها لوزارة الثقافة جرى إهمالها بشكل متعمد وسرقة بعض محتوياتها؛ لذلك أرى أن أصحاب القرار ليس لديهم أي نوع من الإدراك بقيمة الفن.
صمت رسمي
الفنان التشكيلي أسامة إمام، ممثل إفريقيا بأكاديمية الخزف في سويسرا، يعتبر الراحل درويش، خزاف مصر الأول والعالم أيضًا. يقول: “برع درويش في إنتاج آلاف القطع الفنية عالية الجودة. فقد درست على يديه وكان وقتها يحثنا على استخدام المواد البسيطة الخالية من التكلف”.
ويضيف: مؤخرًا تم اختياري ممثلًا للقارة الإفريقية في الأكاديمية الدولية للخزف بسويسرا. وأول ما كلفت به هو وضعية متحف نبيل درويش. وبشكل يومي أتلقى مئات الخطابات من مختلف الفنانين في العالم كله. إذ تقدمت الأكاديمية التابعة لمنظمة اليونسكو بعدة خطابات رسمية للجهات الرسمية لكننا لم نتلق ردًا حتى الآن.
لذلك نطالب بالإبقاء على متحفه، وتخصيص متحفًا بديلًا يليق بالفنان نبيل درويش. فالقطع الموجودة داخل متحفه يمكن من خلالها تأسيس أكثر من عشرة متاحف. لذلك لا نتفهم سبب هذا التحدي والعنف والرغبة في إزالته، فنحن نقابل موظفين حريصين كل الحرص على هدم المتحف.
تواضع نبيل درويش
ذكر الخزاف والفنان محمد القماش، أنه عندما اختار الدراسة في قسم الخزف، نصحه أستاذه نبيل درويش وقال له نصا: «اشتغل خمس دقائق وفكر لمدة نصف ساعة»، فقد أراد منّا دائمًا التفكير قبل تنفيذ الفكرة. فقد اقتربت منه وحضرت معه افتتاح متحفه، وتأثرت به كثيرًا في حياتي. فالخزف أساسًا فن متخيل، وهنا تكمن صعوبته، لأن الفنان يشكل قطعته ويتركها في الفرن ولا يراها إلا في النهاية؛ وهنا إما يكتب له النجاح وإما الفشل.
يستطرد: عرفنا درويش إنسانا متواضعا لم نجد له مثيل. وقد ضحى بكل شيء ليبني متحفه، فضحى بثمار عمله في الكويت لمدة 10 سنوات، بجانب ما ورثه من أهله من أجل استكمال متحفه؛ لذلك فالحفاظ على المتحف واجبنا جميعًا، وذلك لضرورة استمرار إرث درويش.
زُهريات نبيل درويش!
تقول الدكتورة سارة درويش، أستاذ مساعد بالكونسرفتوار وابنة الراحل درويش: “دفعنا كل ما نملك لضمان استمرار بيت ومتحف نبيل درويش. فعندما ظهرت مشكلة المياه الجوفية بدأنا معالجتها رغم التكلفة الكبيرة. فقد قاومنا إغراءات كثيرة لسنوات لبيع الأرض. لكن للأسف الشديد فكل ما يهم المسؤولين حاليًا هدم المتحف. ونقل «الزُهريات!» على حد وصفهم لـ«أي قاعة» على حد وصفهم أيضًا!
تنهي سارة حديثها وتقول المهلة التي حددوها قاربت على النهاية. ونحن ننتظر أن يتم وقف الهدم، أو توفير بديل مناسب لمتحف والدي. لأنهم حددوا لنا مهلة لمدة أسبوعين لإخلاء المتحف وتسليمه تمهيدًا لهدمه.
اقرأ أيضا:
هل توفر وزارة الثقافة متحفا بديلا لنبيل درويش.. وبيتا لأسرته؟