في ذكرى ميلادها.. سعاد حسني «ضحكة لن تموت»
هي تجسيد للحياة بكل ما تحمله من متناقضات ومعاني، هي الحب والطموح والجرأة والضعف والانكسار والغموض.
سعاد حسني اسم كفيل أن يصنع داخلك مشاعر متفرقة بين الحب والإعجاب، هي سعاد أخت القمر، فنانة لديها القدرة على تجسيد شخصيات متعددة ومختلفة، وفي كل شخصية تستطيع إقناعك، وجعلك تعيش معها عالم الشخصية التي تجسدها، صاحبة الضحكة الشقية والبريئة وخفة الظل والمرح والحيوية التي كانت تملأ بهم الحياة حولها منذ ظهورها وحتى الآن.
النشأة
ولدت سعاد محمد كمال حسني في السادس والعشرين من يناير لعام 1943 في حي بولاق بالقاهرة.
كان لها ستة عشر أخًا وأختًا وترتيبها هو العاشر بين أخواتها، فلها شقيقتين فقط، وثماني إخوة لأبيها منهم أربع ذكور وأربع إناث، وست أخوات لأمها منهم ثلاثة ذكور وثلاث من البنات، ومن أشهر أشقائها من الأب المطربة “نجاة الصغيرة”.
أخت القمر
«أنا سعاد أخت القمر.. بين العباد حسني اشتهر».. هكذا غنت سعاد حسني في طفولتها في الإذاعة مع «بابا شارو» بعد أن قدمها الملحن أحمد خيرت، الذي لحن لها هذه الأغنية في الإذاعة وغيرها من الأغاني في مرحلة الطفولة في برنامج الأطفال الشهير “بابا شارو” ولم تكن تعلم أن هذا قدرها، حيث أصبحت بالفعل القمر الذي لمع في سماء الفن بأعمالها الرائعة.
حسن ونعيمة
يعتبر الشاعر عبدالرحمن الخميسي صاحب الفضل الذي قدم سعاد حسني إلى عالم السينما من خلال أول أفلامها حسن ونعيمة عام1959، فخطفت سعاد الأنظار إليها بعد عرض الفيلم، ولاقي الفيلم نجاحا كبيرا، مما جعل النقاد يتنبأن بمستقبل كبير لتلك الفنانة الموهوبة ذات الوجه الملائكي.
أهم أعمال سعاد حسني
كان لدى سعاد القدرة على تجسيد شخصيات عديدة، وفي كل شخصية تستطيع إقناعك، وجعلك تعيش معها في الشخصيه التي تؤديها، وفي كل شخصية من تلك الشخصيات تشعر كأنك أنت وهي شخص واحد، تتألم لألمها وتفرح بفرحها، قدمت خلال مشوارها الفني أكثر من 91 فيلما منها “صغيرة على الحب، الزوجة الثانية، شفيقة ومتولي، أميرة حبي أنا، شروق وغروب، غريب في بيتي، الراعي والنساء، للرجال فقط، الكرنك، موعد على العشاء، القاهرة 30 ، ويظل فيلم “خلي بالك من زوزو” أفضل وأقرب الأفلام إلى قلب “سعاد”، واعتبره الكثيرين أشهر أفلامها لدرجة أن جمهورها أصبح يعرفها باسم شخصية الفيلم “زوزو”، كما قدمت مسلسل “هو وهي” وكان العمل الدرامي الوحيد الذي قدمته عام 1985.
أغاني لا تنسى
برغم أنها ليست مطربة، ولكن صوتها كان يطرب الآذان وكأنها محترفة في الغناء، فصوتها يشعرنا بالفرح في لحظات وبالحزن في لحظات أخرى. فكانت تلعب على أوتار مشاعرنا في كل أغانيها، فجعلتنا نشعر بالربيع في أغنية الدنيا ربيع، وجعلتنا نفكر بالحب في أغنية منتاش قد الحب يا قلبي، وجعلتنا أيضًا نشعر بقسوة الحياة في أغنية بانو بانو، وغيرها من الأغاني التي ظلت دائمًا معنا في كل حالتنا فهي حالة فريدة لا يمكن أن تنساها .
الأب الروحي
كان الشاعر الكبير صلاح جاهين بمثابة الأب الروحي لسعاد حسني، أثر فيها وتعلمت منه وألقت بصوتها أشعاره، التي حين نسمعها نشعر بتأثير روحه الثائرة على صوتها الذي كان مليئًا بالشجن والعمق، كانت علاقتهما أكثر من مجرد صداقة فنية فكان الأب الروحي لها والمستشار الفني لجميع أعمالها.
عن أول لقاء جمع سعاد بجاهين كان في موسكو عام 1972، عندما سافر فريق عمل فيلم «الناس والنيل»، إلى هناك وفي نفس الوقت كان جاهين يُعالج هناك، وقام المخرج يوسف شاهين بزيارته بصحبة سعاد حسنى منذ ذلك الحين ارتبط الاثنان بعلاقة نادرة، وقدما سويا أفلام «خلي بالك من زوزو»، «أميرة حبي أنا»، «شفيقة ومتولي»، «المتوحشة» وغيرها من الأعمال، كما أقنعها جاهين بالاشتراك مع أحمد زكي في المسلسل التليفزيوني «هو وهي»، ثم أغنية «صباح الخير يا مولاتي» لتكون آخر الأعمال التي قدمتها التلميذة لأستاذها في التليفزيون في عيد الأم.
مرض جاهين ونُقل إلى المستشفى، ولم تتركه سعاد لمدة خمسة أيام إلى أن فارق الحياة في 21 أبريل عام 1986، ووقتها قالت: «الآن مات والدي ورفيق مشواري الفني وصديقي الغالي»، واكتئبت لعدة شهور ورفضت الخروج من منزلها، مما أدى إلى تدهور حالتها الصحية، لم تنته علاقتهما برحيل جاهين فقد أصّرت سعاد قبل رحيلها على تسجيل أشعار الأستاذ لحساب هيئة الإذاعة البريطانية BBC عامي 2000 و1999 وأرسلتها لإذاعة الشرق الأوسط كهدية تذاع في شهر رمضان.
قالوا عنها
قال عنها المخرج رأفت الميهي: «السيناريست المحظوظ هو من يعمل مع سعاد حسني فيكون حظه أكبر من المخرج؛ لأنها تعرف كيف تجسد له شخصياته حرفيًا وتهتم بقراءة السيناريو ككل ولا تكتفي بدورها فقط، ومن خلال تجاربي معها أراها ممثلة خطيرة وغير عادية، قادرة على أن تعطي كل الأدوار من دون افتعال، وقادرة على أن تصل إلى القلب، وهي عبقرية التوصيل إلى أعمق الأعماق من المعاني. هذه هي سعاد حسني التي لن تتكرر في تاريخ السينما، هي نمط عبقري ولن ندرك قيمتها أكثر إلا بعد عمل فيلموغرافيا لأعمال جميع الممثلين بعد سنوات طويلة».
المخرج صلاح أبوسيف قال عنها: «سعاد فلتة من فلتات الطبيعة، في أفلامها الجادة أظهرت مقدرة وكفاءة وموهبة غير منتظرة. أخرجت لها «الزوجة الثانية» و«القاهرة 30» فكانت مثال الفنانة الملتزمة التي تحول كل طاقاتها إلى شغلها، وهي مليئة بالإشعاع».
المخرج نيازي مصطفى قال: «أول فيلم مع سعاد كان «الساحرة الصغيرة»، وكان عمرها 18 سنة، ثم قدمت معها سبعة أفلام متتالية آخرها «صغيرة على الحب». وسعاد تمتاز بالعفوية الزائدة والبراءة البعيدة عن التكلف، ولذلك فهي لا تحتاج كثيرًا إلى توجيهات المخرج لأنها مطيعة جدًا. وجهها المريح الفوتوجونيك يمثل عاملًا مساعدًا مهمًا في نجاحها الدائم. وفي «صغيرة على الحب» كانت تغني وترقص لأول مرة، وكنت متخوفًا من هذه التجربة ولكنها أثبتت جدارة فائقة. ولأن سعاد تبحث دائمًا عن الكمال وتعمل بدقة فقد بدأت بعد ذلك مرحلة الأدوار المعقدة، ومن سوء حظي أنني لم أتعامل معها بعد هذه الفترة.. إنها بحق من أخلص الفنانات وأكثرهن التزاما وتدقيقًا في كل صغيرة وكبيرة تخص الفيلم».
وقال عنها نجيب محفوظ: «إنها أعظم الممثلات اللواتي شهدتهن السينما المصرية، فهي ذات طاقة تمثيلية كبيرة تجعلها تجيد وتتألق فى مختلف أنواع الأدوار، على عكس الكثير من الزميلات اللواتي لا يجدن غير لون واحد، فهي فنانة شاملة تجمع بين التمثيل والرقص والغناء، وتتيح لها موهبتها المتجددة أن تجمع أدوار التراجيديا والكوميديا والميلودراما، كما تمثل أدوار مختلف الطبقات الشعبية والأرستقراطية.
وقد قابلت سعاد حسني فى بداية مشوارها الفني في ظروف إنتاجية تتعلق بقيامها ببطولة أحد الأفلام المأخوذة عن رواية لي، وقد كانت فتاة مهذبة وخفيفة الظل، كما كانت فتاة مرهفة الحس، ولقد تعجبت في البداية حين رشحت للقيام لأول مرة ببطولة فيلم لي، وأعتقد أنه كان “الطريق” فى أواسط الستينات، فقد اعتدت أن أراها في أدوار خفيفة تميل إلى الكوميديا، لكني وجدت فيها بعد ذلك أبعادا تراجيدية عميقة”.
أعقد أنها كانت من أكثر الممثلات تنوعا في الأداء في وقت كان الكثير من الأخريات يملن إلى النمطية، ولقد بهرت بأدائها في الكثير من الأفلام المأخوذة عن روايتي أو التي كتبت لها سيناريو بنفسي، فكان أداؤها رائعا في القاهرة 30 لصلاح أبو سيف، كما دخلت قلبي بخفة دمها في أميرة حبي أنا.
واختتم مقالته بقوله: “كنت أسعد كلما قدمت سعاد حسني إحدي رواياتي، لأن شخصياتي تتسم بالطابع المصري الصميم نفسه الذي اشتهرت به فنانتنا العظيمة”.
وبعد وفاة سعاد حسني قال عنها النجم الكبير أحمد زكي في نعي نُشر في صحيفة الأهرام: «إليها هي إلى الفنانة سعاد حسني يا أكثر الموهوبين إتقانًا، وأكثر العباقرة تواضعًا، وأكثر المتواضعين عبقرية، بوجودك ملأت قلوب البشر بهجة، وبغيابك ملأتها بالحزن، استريحي الآن.. اهدئي، يا من لم تعرفي الراحة من قبل، لك الرحمة وكل الحب والتقدير، أسكنك الله فسيح جناته، يا من جعلت الناس أكثر جمالًا».
وفاتها
رحلت عنا الأيقونة الساحرة في 21 من شهر يونيو لعام 2002 التي لازالت عندما نشاهد عملا فنيا لها تملؤنا بكل بمشاعر الحنين إليها، لم ننساها فهي أسطورة لن تتكرر في السينما المصرية، سلاما على روحك الطيبة سندريلا القلوب.
تعليق واحد