في ذكرى رحيل مكاوي سيد الحلوين.. هذه قصته مع "أول عود"
خرج من بين الناس وامتزج بهم وعبر عنهم، هو القائل في لقاء له نادر له عام 1975في التلفزيون السوري “الناس هم مدرستي“، ألحانه وصوته مزيج يثبت أن القلب يطرب قبل الأذن أحيانًا، هو الفنان المبدع الشيخ سيد مكاوي، الذي تحل ذكرى وفاته اليوم.
ولد بحي عابدين بمدينة القاهرة في الثامن من مايو 1928 ورحل في 21 إبريل عام 1997، والتحق بالكُتّاب، وهناك أتم حفظ القرآن.
حلوين من يومنا
بحسب رسالة ماجيستير حملت عنوان “دراسة تحليلية لبعض ألحان سيد مكاوي والاستفادة منها في تحليل الموسيقى العربية” مقدمة من وائل وجيه طلعت، المعيد بقسم التربية الموسيقية، فإن مكاوي فقد بصره في سن مبكرة بعد إصابته في عينيه “برمد صديدي” عولج بشكل خاطئ من “حلاق”.
كانت مصادر مكاوي لتعلم الفن تتلخص في سماع الأسطوانات وسماع كبار الفنانين في ذلك الوقت منهم”الشيخ إبراهيم سكر والشيخ علي محمود والشيخ إبراهيم الفران”، ومن الطربين “محمد العربي وسيد درويش وسيد مصطفى وعبده الحامولي”، ثم أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب.
تعلم سيد ميكاوي غناء موشحات المولد النبوي، وكان لكل ما سبق أثره في تشكيل وجدانه فنيا، ويذكر سيد مكاوي في أحد اللقاءات التلفزيونيه أنه تأثر بالشيخ زكريا أحمد في التلحين، وجاءته الفرصة وقابله وجهًا لوجه، فعرض عليه أن يستمع للشيخ سيد درويش، يقول ميكاوي في اللقاء إنه وجد ضالته في ألحان درويش التي خرجت من الناس إلى الناس، وهذا ما يريده.
https://www.youtube.com/watch?v=fWsEKTaezI0&feature=youtu.be
أول عود
وتذكر الرسالة أن أول عود حصل عليه الشيخ سيد كان إهداء من الأستاذ محمود رفعت، وتولى تعليم نفسه بنفسه، إلى أن تقدم للإذاعة كمغنٍ للتراث، ليصدح بأغاني التراث في الإذاعة عقب ثورة يوليو 1952.
بعد تولي الفنان محمد حسن الشجاعي، مستشار الإذاعة، شجع مكاوي على الاتجاه للتلحين، فقدم الكثير من الألحان بأصوات كبار المشايخ أمثال النقشبندي، ونصر الدين طوبار، ثم اتجه إلى تلحين الأغاني الجماعية فقدم أغنية “يا أبو زعزع قوم صلي” و”عمك شنطح جالك ينطح تديله إيه”، و”مين قالك تعمل تليفون يا قصير يا ايد الهون”.
ماتفوتنيش أنا وحدي
ترك علامات وميراث فني ليس قليلا، على رغم قلة المصادر التي تتحدث عنه، وفي كتاب “الموسيقى المصرية المتطورة ” للدكتور زين نصار، يصف مكاوي كأحد أعلام تطوير الموسيقى في مصر.
لكن رسالة الماجيستير سالفة الذكر هي من تحدثت عن الشيخ سيد مكاوي وأعماله بشيء من الاستفاضة، متطرقة إلى أهم أعماله ومحاولة حصرها بتنوعها، وأوردت ضمن مشكلات البحث أنه رغم أهمية سيد ميكاوي كأحد أعمدة الموسيقى وأهيته كملحن معاصر في مصر، إلا أنه لم تنل أعماله حظًا من الحصر والدراسة.
رابط سيد مكاوي حفلة بغداد : اغنية ما تفوتنيش انا وحدي
تنوعت ألحان سيد مكاوي بين قوالب موسيقية مختلفة ، منها قالب الطقطوقة “مصر دايما مصر” لفؤاد حداد”، و”أنا هنا يا ابن الحلال” لصلاح جاهين، و”حكايتنا إحنا الإثنين” مأمون الشناوي، و”أسمر كحيل العين” محمد اسماعيل.
أما قالب الموال فمنها “الله يديم فرحتي وياك”، و”أنا اللي شفت القمر” لكمال عمار، وقالب المونولوج: “ماذا أقول لحبيبي لولو” لمحمود فهمي إبراهيم، و”حكاية حب” عصمت الحبروك، و”آل إيه بيفروموني” عبد الوهاب محمد، بالإضافة إلى قالب الديالوج مثل “روح يا قلبي” لمحمد علي، و”ليلة إمبارح” لصلاح جاهين، و”بلاش معانده” لعبد الوهاب محمد.
وفي المسرح لحن سيد ميكاوي لمسرح العرائس عدة أعمال منها عروض “حمار شهاب الدين”، “الفيل النونو الغلباوي”، “قيراط حورية”، “حكاية السقا”، ورائعة “الليلة الكبيرة” لصلاح جاهين.
عندما يذكر اسم “الشيخ سيد مكاوي” تذهب الأذهان إلى روائع التراث الموسيقي المصري، على سبيل المثال ليس الحصر “حلوين من يومنا والله وقلوبنا كويسة”، “ماتفوتنيش أنا وحدي”، لكن الحقيقة أن مكاوي لحن للعديد من نجوم الطرب والغناء خلال أجيال فنية مختلفة منها رائعة أم كلثوم “يا مسهرني”.
أم كلثوم قدمت مكاوي للجمهورها على المسرح قبل الأغنية، وبعدها لحن لها “أوقاتي بتحلو”، لكنها رحلت قبل أن تغنيها، فغنتها بعدها الفنانة وردة.
يقول سيد ميكاوي عن لقائه الأول بكوكب الشرق“لقد انتظرت أم كلثوم طويلا، وكان اللقاء مزيجا من اللهفة والمرارة واليأس والتفاؤل معًا، لكني في كل المرات كنت أتحسس موقعي لأتأكد من قدراتي الذاتية للوصول إلى ذلك الصوت الذهبي”.
لقاء السحاب
كانت بداية التحول في حياة مكاوي لقائه بالشاعرين فؤاد حداد وصلاح جاهين، ليكونوا ما أطلق عليه في الوسط الفني “خلطة فنيه ناجحة مليئة بالإبداع”، ويمكن أن نعده لقاء السحاب بين الثلاثي، الذي ربطت بينهم صداقة فنية وإنسانيه قوية.
وبحسب رسالة الماجستير سالفة الذكر فقد نقلت عن سيد ميكاوي أنه قال “أثناء العدوان الثلاثي على مصر، كنت قد جعلت من مقهى “النشاط”، الواقع في حي المنيرة بالقرب من شارع مجلس الأمة، مقرًا دائما لي، ومن حسن الحظ أن صلاح جاهين كان من عشاق هذا المقهى، ودون اتفاق مسبق جلس بجواري، وكتب ما تجيش به نفسه عن جريمة العدوان، فحولت ما قال إلى لحن بديع أصبح أنشودة للجميع في أقل من يومين”، وكان هذا اليوم هو بداية التعاون الفني، وتوالت الأعمال الوطنيه بينهما مثل “مدرسة بحر البقر”.
هنحارب ..هنحارب
كل الناس ..هاتحارب
مش خايفين من الجايين
بالملايين..هنحارب
تحيا مصر ..تحيا مصر
بعدها التقى الشاعر فؤاد حداد، وحدث بينهما تعاون فني كبير، أشهرها حلقات غنائية “الأرض بتتكلم عربي”، ومن العلامات البارزة “المسحراتي”، وطبلة سيد ميكاوي الشهيرة التي يدق عليها قائلا “رمضان كريم” هي امتزاج بين ألحانه وآدائه و كلمات المبدع فؤاد حداد.
جاء بعد ذلك رائعة مسرح العرائس أوبريت “الليلة الكبيرة” للمبدع صلاح جاهين وألحان سيد ميكاوي، التي بدأت إذاعية ثم انتقلت إلى مسرح العرائس بالتعاون مع مخرجها الفنان صلاح السقا، كما لا ننسى فيلم “خلي بالك من زوزو” تأليف صلاح جاهين، والذي لحن فيها سيد مكاوي أغنية الفيلم، كما لحن رباعيات صلاح جاهين وقدمها بصوته، ثم استأذنه بعد ذلك الفنان علي الحجار وأعاد تقديمها.
أوسمة مكاوي
حصل سيد مكاوي على عدة أوسمة منها وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى، وتسلمه من الزعيم الراحل جمال عبد الناصر في السادس من فبراير 1967، وشهادة تقدير من نادي الثقافة العربية الأمريكية بالقاهرة عام 1971، والوسام الثقافي تسلمه من الحبيب بورقيبة رئيس تونس السابق1979، ودبلوم الشرف في الموسيقى من معهد حلب 1990.
بالإضافة إلى شهادة تقدير من نقابة الصحفيين الأمريكيين 1994م، وشهادة تقدير من دائرة علم موسيقا الشعوب من جامعة كاليفورنيا بلوس أنجلوس، بحسب ما ورد في الرسالة سالفة الذكر التي تناولت أعمال مكاوي الفنية باستفاضة.