عرض لكتاب “عاملة المنزل رقم 14” أميمة السلاخ
كتب – مارك أمجد
في 23 قصة قصيرة تسرد أميمة السلاخ أجواء تدور في جغرافية وتوقيتات غير محددة، معتمدة بالأساس على فكرة في غاية الاختزال تريد إيصالها للقارئ، قد يكون ذلك عبر مجرد براجراف أو خواطر أو جُمل حوارية بين شخصيتين في حيز مكاني محدود كسيارة أو غرفة أو حديقة، مخرجة لنا مجموعتها القصصية الأولى “عاملة المنزل رقم 14.
الأفكار في معدنها بسطية غير متكلفة كأن تتحدث عن الحجاب، غطرسة الأزواج، الطبقية، الموت، الندية بين النساء خاصة حينما يتعلق الأمر برجل. جميعها أفكار تدور بشكل أو بآخر في فلك كل من يقرأ المجموعة، وتحاول أميمة أن تبلورها في هيئة أشكال أدبية تصيغ لها توليفة مونتاجية بحيث تبدأ عند نقطة تمهيدية وتنتهي عند الذروة.
يهيمن على المجموعة جو متحفظ يعود في الأصل لأسلوب المؤلفة وشخصيتها الذاتية، فهي تتعمد أن تحكي تفاصيل فجة لكن بطريقة سلسلة ومتأنقة، الأمر الذي يجعل القصص متروكة لعين أي قارئ تقع تحت يديه فيقبلها مهما اختلفت معاييره الأخلاقية والدينية، لأن القاصة ترغب بالأكثر في رواية حدوتة من أن تخوض حربًا. فلا تقصد أميمة الاصطدام بخلفيات القراء بقدر ما تريد الإشارة لما يؤرق معظم النساء العربيات حول الحرية والرجل والمال والسُمعة، وطبعًا هي أمور تشغلها هي كامرأة اجتازت تجارب قاسية عديدة في حياتها الأسرية والاجتماعية، وفي حياة الغربة حيث عملت بإحدى القنوات التليفزيونية بالمملكة العربية السعودية وقابلت صنوفًا من الناس والعُمال والأجانب الذين من ثقافات روحية مغايرة تمامًا لما نشأت عليه.
تحاول المؤلفة أن تتملص من ذاتها في الحكي، فتصنع بروفايلات أدبية لشخصيات من نسج خيالها، بيد أن ذلك لا يلغي تواجدها بشكل شخصي سواء كانت ملتحمة بكيان الشخصية التي ترتكب الحدث القصصي، أو كانت هي الناظرة للموقف وبالتالي تُقدّره من حيث معطياتها الخاصة.
مدارس السرد أنواع: بعض الكُتّاب يميلون بشكل واضح ومن بداية المُؤلَف أن يعتمدوا الكتابة الذاتية، والبعض الآخر يحاول أن يبدأ كتابه كأنه هو راوي مُحايد بعيد عن الأحداث، فينتهي به الأمر إلى التورط في ذكر تفاصيل حياته الشخصية. أما أميمة السلاخ فاختارت أن تنأى عن أي شخصية تقدمها وعن تفاصيل حياتها المتشابكة وأزماتها، وقررت التعامل معها كضفدعة تحت التشريح. لكن هذا لا ينقذ أن تظهر، بشكل لا إرادي في بعض مواضع المجموعة القصصية، مكنونات تخصها هي المؤلفة مثلما يحدث مع كُتّاب كثيرين.
لعبت المؤلفة لعبة ذكية تستحق أن نذكرها؛ قلنا إنها لا تتعمد الاصطدام بأي تابوه ديني، خاصة وأنها هي نفسها ليست لديها أسئلة محورية بخصوص الأديان، لكنها لا تتورع مع ذلك عن التطرق لبعض التفاصيل التي قد تبدو هامشية في حياتنا اليومية وفي الوقت ذاته هي مثار تساؤلات دوما: مثل مسألة تربية الكلاب في بيوت المسلمين، وتعدد الزوجات، وهل الحجاب فرض أم سنة؟ وهل يمكن أن يعاقبنا الله بموت شخص عزيز علينا؟ وغيرها من القضايا التي صحيح لا يقف عليها الكون، لكن من اللطيف أن يتعرض لها القارئ في قصص قصيرة غير مترهلة.
من أجواء المجموعة نقرأ:
احتجت إلى ثلاثين عامًا لأروي أمام أحدهم حادثة اغتصابي وأنا طفلة.
وهذا ليس بمستغرب.
الغريب أنني ذهبت إلى من اغتصبني، وصفت له بالتفصيل البطيء كيف فعلها معي، وإحساسي به!
ما أدهشني في الأمر أنه بكى بشدة، ووضع يديه على أذنيه متوسلًا لي لكي أتوقف؛ لأنه لا يتحمل المزيد.
***
هزّت رأسها وأغمضت عينيها عدة مرات كأنها تأكدت من حقيقة وجودي، حتى جاءت عيناها مباشرة في عينيّ، أرعبتني نظرتها، ولم أجرؤ على أن أشخص ببصري بعيدًا عنها، حاولت التراجع والخروج من الغرفة، لكن أوان ذلك كان قد فات، وجرعة الشجاعة التي سمحت لي بدخول عالمها لم تسعفني، ووجدتني أقول لها: أنا آسفة، آسفة، آسفة!
نقطة أخرى تُضاف لرصيد الكتاب، هي أن أميمة لم تنجر لموجة الزعيق النسوي، بالرغم من أنها لم تحرم نفسها من الكتابة عن جيتو النساء العربيات. أي أنها عبّرت وأوصلت آرائها ورسائلها، وفي مناطق نقاشية غائرة، لكن بدون أي جعجعة. كأنها تريد أن تقول: هناك فارق واضح بين أن أرصد مشكلة تخص بنات جنسي، وأن استخدمها للتخبيط والتهليل كي يلتفت لكتاباتي النُقّاد والصحفيون.
أميمة السلاخ
كاتبة وإعلامية مصرية، حاصلة على ليسانس الآداب من جامعة عين شمس، تعيش وتعمل بالمملكة العربية السعودية منذ 1995، بدأت حياتها المهنية في المجال الصحفي، حيث عملت في العديد من الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية والقنوات التلفزيونية.
عن المجموعة
الكتاب صادر عن دار صفصافة طبعة أولى 2018 في 150 صفحة من القطع المتوسط.
تعليق واحد