عرض كتاب| «جونتر جراس» ومواجهة ماضٍ لا يمضي
كتب – مارك أمجد
حدث هذا بعد الحرب العالمية الثانية، اعتقد العالم أن ألمانيا أنهكتها الحرب، وأنها لن تعود قادرة على إنتاج أي مادة فنية ملهمة في أي مجال؛ حتى نُشرت روايتان غيرت هذه الفكرة لدى العالم؛ الأولى كانت الطبل الصفيح 1959 لمؤلفها جونتر جراس، ورواية العطر لمؤلفها باتريك زوسكيند 1985، وكلاهما تم تحويله لفيلم سينمائي، وقد حصل فيلم جراس من إخراج فولكر شلوندورف 1979 على جائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان، وفي العام التالي جائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبي.
جونتر جراس هو روائي ألماني مواليد 1927 في ضاحية لانجفور بمدينة دانتسج، عمل لدى فلاحين في أماكن عدة وفي منجم للبوتاس، كما عمل متدربا لدى نحات شواهد قبور في دسلدورف، ودرس النحت والجرافيك بأكاديمية الفنون هناك، ثم انتقل لبرلين للالتحاق بالمعهد العالي للفنون التشكيلية، في عام 1960 حصل على جائزة بريمن للأدب، وفي 1965 جائزة بوشنر وفي 1976 نال الدكتوراه الفخرية من جامعة هارفاد، وأخيرا في 1999 حصل على نوبل للآداب عن مجمل أعماله.
كتاب مواجهة ماض لا يمضي للمؤلف المترجم سمير جريس،وهو رصد لأهم مراحل حياة جونتر جراس بمحنها وجوائزها، ولعل قرب المؤلف من الأدب الألماني بحكم حرفة الترجمة، هو ما يسمح له بتسليط الضوء على أهم السطور وعدم الوقوع في فخ الاستطراد الذي نقابله عادة في كتب السِيَر.
يتناول مثلا المؤلف جماعة 47؛ وهي جماعة أدبية تم تشكيلها في ألمانيا تجمع الكُتّاب باختلاف درجة شهرتهم أو جودة كتاباتهم، وكان الهدف منها الالتقاء بشكل دوري والتعرف على كتابات بعضهم البعض، حتى أن جراس نفسه اقترح في إحدى الفعاليات الأدبية بالمنطقة العربية أن تكون هناك جماعة مشابهة تجمع الكتاب وتوحد أصواتهم وأفكارهم. إلا أن جماعة 47 رويدا رويدا فقدت بريقها خاصة بعد أن نال بعض أعضاءها جوائز أدبية مرموقة وقد شعروا بأن حضورهم لمثل هذه الجلسات صار مضيعة للوقت.
أيضا يتطرق المؤلف لنقطة سوداء في حياة جونتر جراس وهي انتماءه في يوم من الأيام لفرقة الــ إس إس التي كانت معروفة بأعمالها الإجرامية إبان الحرب العالمية الثانية، إلا أن الكاتب في سني حياته الأخيرة اعترف بأنه كان مراهقا طائشا وأنه انخدع بوهم النازية، وأدرك متأخرا كيف فقد أناسا كثيرين من أصدقاءه بسبب ظلم الحرب، وقد هدف جريس هنا الإشارة إلى أن الفنانين ليسوا ملائكة من السماء كما نظن، لكنهم يملكون عادة وعيا أكبر ينتشلهم في آخر لحظة.
ربما يتمثل الجزء الأهم من الكتاب في زيارة الكاتب الألماني لليمن مرتين في 2002 و2004، ويُذكر أنه وقعت حادثة هامة في الزيارة الأولى إذ التمس جراس من الرئيس اليمني العفو عن الكاتب الملاحق وجدي الأهدل مؤلف رواية قوارب جبلية، كما أبدى جراس إعجابه بالطبيعة في اليمن وبالعمارة الطينية وتبرع بمبلغ كبير لبناء مدرسة هناك، إلا أنها لم تنجز حتى الآن.
سمير جريس، درس الألمانية وآدابها في القاهرة، ونال درجة الماجستير من جامعة ماينتس بألمانيا، عمل صحفيا قبل أن يتفرغ للترجمة عن الألمانية، نقل إلى العربية عددا من الأعمال الأدبية الحديثة منها: عازفة البيانو (لإلفريدة يلينك الحائزة على نوبل 2004)، والكونترباص لباتريك زوسكيند، صدرت له عن نفس الدار (الكتب خان) رواية حرفة القتل للكاتب نوربرت جشتراين، والمجموعة القصصية السقوط لفريدريش دورنمات.
الكتاب صدر عن دار الكتب خان عام 2016 في 246 صفحة من القطع المتوسط.
تعليق واحد