ضفاف

لم تعد مهنة الصحافة هي مهنة البحث عن المتاعب على حد التعبير الكلاسيكي، بل صارت مهنة الصحافة هي فن ممارسة الخطر. فلقد شاءت الأقدار لعدد هائل من الصحفيين الحياة في خضم أحداث جسام. وفي حومة أخطار هائلة حتى تلاشى لديهم التصور المهني للدور الصحفي. وصار الصحفي في خانة الإنسان العادي الشاهد على جميع صور المسخ الإنساني والاضمحلال وصار الإنسان المنفعل والمتفاعل مع الحدث أي صار لديه دور أكبر من الدور المحدد له. فضلا عن ذلك تبدد وغاب مفهوم موضوعية وحياد الإعلام، وبرزت قيمة الانحياز ومناصرة جميع القيم الإنسانية.

فالإعلاميون والصحفيون منهم، بشر مدنيون وهذا ما نصت عليه اتفاقية جنيف والتي تعرضت لحالات عديدة من الانتهاكات. فضلا عن ذلك لم تشهد ساحة الصحافة والإعلام في أوروبا وفي المنطقة العربية تحديدا في آونة سالفة مثلما شهدت في الآونة الحاضرة من قمع وهتك لحرية الرأي وحرية التعبير والتي لم تتعرض للمساس بمصادرتها وفقط. بل طال الانتهاك التصفية الجسدية والاعتقال والتعذيب للصحفيين والإعلاميين بصور وأشكال بشعة وفظة لا يصدقها عقل ولا يتقبلها أي منطق!!

**

المؤسسات والأنظمة لا تبغي من خلال وسائلها الإعلامية سوى أن يكون الصحفي تابعا وذيلا للمؤسسة والنظام – حيث ضرب عرض الحائط بهذا النزوع المؤسسي عدد هائل ولا مثيل له من الصحفيين.

وكان لابُد وأن يكون هناك عدد كبير من المنظمات التي تمثل الصحفيين والإعلاميين مثل “صحفيون بلا حدود”. وأن يتصدى لجميع أشكال مداهمة حرية الصحافة كثير من الروابط والمنظمات. والتي حملت على عاتقها الدفاع عن حق وحرية الصحفي والإعلامي في ممارسة دوره الإنساني.

حيث تجلت صلابة الصحفي في أدائه واتسعت آفاق ممارساته وتجذر عطائه. واجتذبت مهنة الصحافة عددا كبيرا من النشطاء من الذين يشغلهم الفعل الصحفي. والمعنيين بالهم الإعلامي.

ومن اللافت للنظر أن شهدت ساحة الصحافة الصورة الصحفية والتي صار لها حضور هائل في هذا المضمار وصار لها فضل السبق في المغامرة الصحفية. ولم تعد مجرد الصورة “الخبطة” بل الصورة المناضلة والتي تلاقي العنف وتتعرض للقهر ومحاولة الفتك بها!! فلقد لعبت الفوتوغرافيا دورا تسجيليا ووثائقيا رائدا في الآونة الأخيرة سبقت فيه الدور التاريخي للكاريكاتير كفن اجتماعي وسياسي ينتج جملته الخاصة ويحمل دلالات مُوحية.

كل هذا الهم يدعونا إلى التفكير في تكوين رابطة “صحفيون بلا حدود” ويدعونا إلى تأسيس المتحف الصحفي. والذي لابُد أن يضم المعلن والمجهول من تراثنا الصحفي المضيء المكتوب والمُصَّور حتى نشهد لحظة وهج. لحظة تأجج استثنائي في تاريخنا الذي يمضي إلى المغيب.

تقاطع كل ذلك مع ما يجري في الشارع من وهج يُسقِط كل رموز الانتهاكات التي تطال حال النضال الآن.

اقرأ أيضا:

في انتظار الضمير الإنساني

مشاركة
المقالات والآراء المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة، بل تعبر عن رأي أصحابها
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر